أخبار العالمبحوث ودراسات

التفكير البراغماتي في العلاقات الدولية

عطيف محمد:باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس- الرباطالمغرب

إن مفهوم البراغماتية كان يرتبط في بداية ظهوره بالتيار الفلسفي وخاصة عند شارلز بيرس الذي قام بكتابة أول مقالة حول مفهوم البراغماتية سنة 1878 والتي جاءت تحت عنوان “كيف نوضح أفكارنا”، ووضع فيها أساس الفلسفة البراغماتية، ولقد تم تطوير هذا التيار الفلسفي من قبل وليام جيمس والذي اعتبر البراغماتية هي العمل أو النتائج هو الدليل على صحة الفكرة ،أما جون دوين قدم نظريته في البراغماتية بنظرية الأداة مبنية على أساس أن الفكرة لا قيمة لها إلا من خلال نتائجها العملية المرضية في حل المشكلات.

و من خلال التعاريف السابقة للفلاسفة الذين تم ذكرهم تعني البراغماتية هو ذلك المنهج الذي يتخذ في التفكير من أجل العمل للمنفعة والأخلاق أي الارتكاز على النتائج الإيجابية في التفكير .

فهذا التيار الفلسفي لقد أدخل في الفكر السياسي الذي ينبني عليه من خلال توظيف البراغماتية في حقل العلوم السياسية وخاصة في العلاقات الدولية ،حيث أن هذه الأخيرة تتجه صوب تسليط الضوء عليها من خلال بعض الممارسات الدولية في هذا الحقل.

وفي هذا السياق أصبح المنهج البراغماتي في وقتنا الراهن هو الذي يحكم العلاقات الدولية فكل دولة اليوم تبحث عن قوتها ومصلحتها أينما وجدت بغض النظر عن التفكير الأخلاقي إذا تعارض مع تحقيق هذا الهدف ، وهذا يفسر لنا أن التفكير البراغماتي ولاسيما في الفكر السياسي والاقتصادي يعتبر من المرتكزات الأساسية في البراغماتية التي أصبحت الدولة فيها تبحث عن مصلحتها وقوتها في شتى مناطق العالم من خلال توظيف قوتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية وحتى الأخلاقية المتمثلة في حث الدول بتنفيذ واحترام اتفاقيات حقوق الإنسان.

إن البراغماتية تشكل الإشارة الرئيسية في النظام الدولي الجديد ، فالدليل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية ، بغض النظر عن التوجه السياسي المهيمن في مجموعة من مناطق العالم ، أدركت أن سياسة القوة العسكرية التي كانت تنتهجها باءت بالفشل وأن مصالحها الاقتصادية قد خرجت عن مسارها بسبب تدخلاتها اليائسة في عدة المناطق بقوتها الصلبة كتدخلها في العراق وأفغانستان على سبيل المثال ولا الحصر .

مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ منهجا وتفكيرا جديدا في البراغماتية ألا وهو التحالف بين رجال السياسة ورجال الأعمال والمال ورجال الدين وذلك من أجل الدفاع على مصلحة العليا للبلاد التي أصبحت تمثل الهدف الأساسي في السياسة الخارجية من خلال توظيف الدبلوماسية الناعمة لتحقيق المنفعة المشتركة عبر الشراكات الاستراتيجية والتعاون مع البلدان النامية ، وعلى غرار الولايات المتحدة الأمريكية نجد عدة دول ترتكز على المنهج البراغماتي في فلسفة الدولة وخطاب القوى السياسية ولاسيما على الصعيد الخارجي كروسيا والصين و تركيا وإسرائيل فمثلا هذه الأخيرة أصبحت تسعى إلى التطبيع مع العديد من الدول العربية في إطار اتفاقات السلام بغية بناء علاقات سلمية خالية من النزاع ، بالأحرى مبنية على أسس براغماتية لجذب المنفعة وتحسين صورتها في العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط ،رغم أنها ما تزال تقوم بخرق قواعد القانون الدولي بسياستها الاستيطانية والاحتلال وممارسة الأساليب القمعية في حق الشعب الفلسطيني.


فالنسبة للصين أصبحت تنتهج تفكيرا جديدا في علاقاتها الخارجية بناء على الفلسفة البراغماتية من أجل تحقيق المنفعة وتحسين وجودها على المستوى الدولي من خلال ربط علاقات اقتصادية متميزة مع الدول النامية ، وهذا ما يتضح لنا أن الاهتمام الصيني بالقارتين الأفريقية واللاتينية يدخل في إطار رسم طريق الحرير الجديد إلى هاتين المنطقتين ودفع العلاقات وتحسينها فيما بينهم ، من أجل تحقيق التنمية في بلدان المنطقتين عبر الشراكات الاستراتيجية ، ولعل الاتفاقيات الخاصة بتوزيع وإنتاج اللقاح ضد فيروس كورونا التي قامت بها الصين مع مجموعة من الدول في العالم النامي الذي سيعطي للصين مكانة أخلاقية (المثالية)التي تدخل في البراغماتية على أنها منقذة ومساعدة للدول النامية في مواجهة هذا الوباء باللقاح المحتمل أن ينتهي من المرحلة السريرية الثالثة في الأسابيع المقبلة، مما سيزيد قوة في التوجه الاقتصادي الصيني نحو دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

     ومن الواضح أن تحسين العلاقات الدولية  تكون بالبراغماتية التي تقوم على السير في المسار الحكيم المثمر للفهم والمنافع المشتركة للبلدان التي تسعى في الدفاع عن المصالح والأخلاق في العلاقات الدولية ،رغم وجود اختلافات في عقائد السياسية الخارجية للدول ،يعني أن الهدف الأساسي في العلاقات الدولية هو التركيز  على التفكير الإيجابي والأخلاقي كما جاءت به الفلسفة البراغماتية لتحقيق المنفعة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق