أخبار العالمإفريقيا

التصعيد في البحر الأحمر: أثيوبيا تطالب بمنفذ بحري على منطقة البحر الأحمر

يمثل البحر الأحمر شريان الحياة للاقتصاد الإثيوبي من خلال ميناء جيبوتي الذي تمر 95% من حركة الصادرات والواردات الإثيوبية عبره. وبالنظر إلى هذه الحساسية لا تنفصل مخاوف أديس أبابا المتعلقة بأمن البحر الأحمر عن التهديدات المرتبطة بالأمن القومي للبلاد، ولاسيما عند النظر إلى تحوله إلى واحدة من ساحات الصراع الإقليمي والدولي والتي كانت آخر تجلياتها العمليات التي قامت بها جماعة الحوثي ضد السفن الإسرائيلية الأمريكية بما أدى الى حركة جولان بحرية دولية شبه معوقة ..

محاولة “مقاتلي التيغراي” قطع الطريق الرابط بين جيبوتي وأديس أبابا عبر اختراق إقليم عفر مثلت في أروقة صنع القرار الإثيوبي تأكيدًا جديدًا لا على خطورة الاعتماد على ميناء واحد فقط بل أيضًا على ضرورة السيطرة السيادية على المنفذ البحري، ولاسيما إن أضفنا إلى هذا وقوع المنافذ المائية القادرة على خدمة الاقتصاد الإثيوبي ضمن دول تعاني من حالة عدم الاستقرار السياسي كالصومال والسودان، أو تحت حكم أنظمة من الصعب الوثوق بسياساتها إزاء قضية حيوية كالموانئ الاستراتيجية مثل حال النظام الإريتري.

في نفس السياق عقدت إثيوبيا اتفاقيات متعلقة بالمواني مع الصومال والسودان وكينيا وغيرها، ولعل أهم هذه الخطوات كان توقيع اتفاقية مع هيئة موانئ دبي العالمية وأرض الصومال للاستحواذ على نسبة 19% من ميناء بربرة بأرض الصومال، عام 2018 وهو ما لم يكتمل نتيجة عدم استيفاء إثيوبيا لشروط العقد في المدة المحددة عام 2022.

ولعل الثقة الإثيوبية في متانة تحالفاتها الإقليمية حينها واعتبارها مدخلًا للحصول على منفذ بحري كانت أحد الدوافع المهمة وراء إعادة إحياء سلاح البحرية الإثيوبي بالتعاون مع فرنسا والإعلان عن نية أديس أبابا إنشاء قاعدة بحرية في جيبوتي

غير أن الصيغة التي تبنَّاها “آبي أحمد” في خطابه يوم 13 أكتوبر بأن الحصول على منفذ بحري يعد “مسألة وجودية” لبلاده، وما فُهم في ثنايا خطابه من احتمال اللجوء للقوة لتحقيق هذه الغاية، مثَّلا تصعيدًا في المقاربة التي كانت تطرحها إثيوبيا المرتكزة على مشاريع تعاون متبادل.

 رغم إحاطة بنوده بسرية تامة فإن استقراء بعض المؤشرات يشير إلى أن اتفاق السلام الإريتري-الإثيوبي تضمن جوانب مرتبطة باستفادة إثيوبيا من الموانئ الإريترية في صيغة قد تشابه ما كان قائمًا بين البلدين قبل حرب 1998-2000، ويندرج ذلك ضمن محاولة صنع سوق بحرية إقليمية تستثمر فيها الدول الراعية لعملية السلام الإثيوبية حيث كان من المتوقع تطوير البنى التحتية الرابطة بين مينائي عصب ومصوع وإثيوبيا

ساق رئيس الوزراء الإثيوبي في خطابه أمام برلمان بلاده العديد من الخلفيات التي فسر بها أحقية بلاده بإمتلاك منفذ على البحر الأحمر والمرتبطة بالتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والعوامل الإثنية.

يأتي الاقتصاد في مقدمة الدوافع الإثيوبية لضمان الوصول إلى منفذ بحري؛ حيث ينتج عن عدم وجود ميناء في إثيوبيا زيادة في تكاليف النقل، بما في ذلك الوقود والعمالة والوقت؛ مما يسهم في ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين. كما أدى الاعتماد على جيبوتي في التجارة الخارجية إلى دفع حوالي 1.5 مليار دولار سنويًّا رسومًا للموانئ، أي ما يقرب من نصف الإيرادات الأجنبية السنوية لإثيوبيا من مبيعات السلع.

بجانب هذا، يمثل عدم امتلاك إثيوبيا منفذًا بحريًّا خاصًّا بها عائقًا أمام الوصول إلى الأسواق الدولية، مما يقلل من إيرادات الصادرات ويعوق النمو الاقتصادي، كما أن هذا قد يدفع الشركات الأجنبية إلى الحذر من الاستثمار في بلد لديه خدمات لوجستية تجارية باهظة الثمن، وهو ما يقود إلى تقليص فرص العمل ومصادر الإيرادات، بالإضافة إلى أن وضع إثيوبيا كدولة حبيسة يقلِّل من قدرتها التنافسية أمام الدول الأخرى التي تتمتع بإمكانية وصول أفضل إلى الموانئ

بجانب الفوائد الاقتصادية المتوقعة من الوصول إلى البحر فإن هذه الخطوة ستزيد من قدرة إثيوبيا على زيادة نفوذها الإقليمي بتحولها إلى لاعب رئيسي فيما يتعلق بالإستراتيجيات المختلفة المرتبطة بالبحر الأحمر والقرن الإفريقي اللذين تحولا إلى نقطة جذب لتنافس دولي حاد خلال السنوات الفائتة.

وأكدت مسودة وثيقة أعدتها وزارة السلام الإثيوبية بعنوان “المصلحة الوطنية الإثيوبية: المبادئ والمضمون” ضرورة ممارسة إثيوبيا حقها في بناء واستخدام الموانئ، وضمان الوصول إلى البحر الأحمر، وكذلك مناطق عدن وشبه جزيرة الخليج، وممارسة حقها لتطوير الموانئ والاستفادة منها، واضعة تعزيز النفوذ الإقليمي، وتعزيز مصالح إثيوبيا في البحر الأحمر وشبه جزيرة العربية ضمن أولوياتها

ورغم ارتباط تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي والحملة الإعلامية التي تلتها بعوامل داخلية كما سبق توضيحه، فإنها ولخطورتها قوبلت بردود جادة من دول الجوار لا يمكن فصلها عن تفكك تحالفات شكلت وجه المنطقة في المرحلة الماضية، وبزوغ ملامح لأخرى جديدة قيد التشكل. وتقود تحركات البلدين إلى رسم معالم تحالفات جديدة تعمل كل من أسمرة وأديس أبابا على تعزيزها؛ حيث عمدت إثيوبيا إلى توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني مع جيبوتي أواخر نوفمبر من العام 2023.

تتجلى أهمية هذه الخطوة بالنظر إلى النزاع الحدودي الإريتري-الجيبوتي الذي لم يتم التوصل إلى تسوية حوله، ويظل نقطة توتر بينهما قابلة للانفجار ما قد يحوِّل إثيوبيا إلى طرف مباشر في أي حرب محتملة عبر مساندة جيبوتي.

ويرى خبراء  أن التقارب الإثيوبي الجيبوتي الواضح في هذه المرحلة قد يمنح أديس أبابا الفرصة للاستفادة من تعاون جيبوتي مستقبلًا في حال قررت السيطرة العسكرية على”ميناء عصب” غير البعيد عن الحدود الجيبوتية، من خلال تشكيل محور مناورة والهجوم على الجنوب الإريتري من جهتين. 

بالنسبة للأمارات فأن لها جانب يذكر فالإمارات  تعد داعمًا أساسيًّا لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد منذ توليه الحكم وهو دعم يتجاوز الشق الاقتصادي إلى الجوانب العسكرية والأمنية وفي هذا السياق، ربما تلتقي الطموحات الإثيوبية حول الحصول على ميناء على البحر الأحمر بالإستراتيجية الإماراتية في السيطرة على موانئ البحر الأحمر والقرن الإفريقي وإنشاء أسواق اقتصادية في المنطقة خاضعة لسيطرتها في المقابل، تعمل أسمرة على توطيد روابطها مع الجيش السوداني الذي يخوض حربًا ضارية مع قوات الدعم السريع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق