التدخلات الخارجية وتأثيرها على الصراع في السودان: محركات الحرب ومصالح القوى الدولية
قسم الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، إعداد صبرين العجرودي
منذ اندلاع الصراع في السودان في أبريل 2023، أصبح التدخل الخارجي أحد العوامل الرئيسية التي أثرت بشكل كبير على تطور الأحداث في البلاد. الحرب التي دخلت شهرها التاسع عشر، شهدت تصاعدًا في تدخلات القوى الإقليمية والدولية التي دعمت مختلف الأطراف الفاعلة في النزاع، وخاصة مليشيا “الدعم السريع”. هذه التدخلات لم تكن مجرد مسألة دعم عسكري، بل تضمنت أيضًا دعمًا سياسيًا واقتصاديًا، الأمر الذي ساهم في استدامة الحرب على الرغم من الخسائر البشرية الفادحة.
أهداف وأبعاد التدخلات الخارجية
تشترك في الصراع عدة قوى تسعى لتحقيق مصالح استراتيجية في السودان. يعود ذلك إلى الموقع الجيوسياسي الهام للسودان، الذي يطل على البحر الأحمر، ما يجعله نقطة تقاطع حيوية في التجارة العالمية والملاحة البحرية. كما يمتلك السودان ثروات طبيعية ضخمة تشمل موارد مائية وأراضٍ زراعية شاسعة، بالإضافة إلى كنوز معدنية لم تُستغل بالكامل بعد. هذه العوامل تجعل السودان عرضة للتدخلات الأجنبية التي تسعى إلى الهيمنة على هذه الموارد الحيوية.
في السياق نفسه، يُعتبر الصراع في السودان جزءًا من التنافس الإقليمي والدولي، حيث أن دولًا مثل روسيا والولايات المتحدة تسعى للحصول على موطئ قدم في البلاد. يبرز دور روسيا بشكل خاص من خلال تحركاتها في غرب أفريقيا، حيث تسعى لتوسيع نفوذها على حساب القوى الغربية، بينما تلعب الولايات المتحدة وحلفاؤها دورًا في محاولات تشكيل مشهد سياسي جديد في السودان من خلال دعم قوى معينة على الأرض.
التدخلات العسكرية والإمدادات المستمرة
بالتوازي مع الدعم السياسي، استمرت التدخلات العسكرية بشكل متسارع. كانت الإمدادات العسكرية التي يتم تهريبها عبر الحدود الغربية السودانية عنصراً أساسيًا في تغذية النزاع، حيث كانت المليشيات تتلقى شحنات ضخمة من الأسلحة والعتاد، فضلاً عن المرتزقة المدعومين من قوى إقليمية. ولم تتوقف هذه الإمدادات حتى مع تزايد الخسائر البشرية، حيث كان الهدف هو استدامة الصراع، الذي يُعتبر بالنسبة لبعض الأطراف “حربًا بالوكالة” تهدف إلى تقويض سيطرة الجيش السوداني على الأرض.
من خلال هذه الاستراتيجية، كانت المليشيات تسيطر على مناطق واسعة من البلاد، خاصة في دارفور، الجزيرة، وسنار، ما عرقل أي جهود للوصول إلى تسوية سلمية. وتجلت هذه التدخلات بشكل واضح في حملات التطهير العرقي والتهجير القسري التي مورست ضد المدنيين في مناطق النزاع، في محاولات لبناء مناطق نفوذ جديدة تحت غطاء العمليات العسكرية.
فشل الحلول العسكرية والسياسية
على الرغم من كل هذه التدخلات، فشلت المحاولات الخارجية في فرض الحلول السريعة. في البداية، كانت الخطة تعتمد على سيطرة المليشيات على الحكم في السودان في فترة زمنية قصيرة. لكن مقاومة الجيش السوداني وحركات دارفور دفع التدخلات الخارجية إلى إعادة النظر في خططها. ورغم الدعم الواسع من القوى الإقليمية للمليشيات، خاصة في تأمين المناطق التي تسيطر عليها، إلا أن الحركات المحلية وحلفاء الجيش السوداني كانوا يسجلون انتصارات على الأرض، ما جعل الحرب أكثر تعقيدًا.
الفشل في استيلاء المليشيات على السلطة أدى إلى تغيير في الاستراتيجيات. ففي يناير 2024، تم التوقيع على اتفاق في أديس أبابا بين المليشيات وداعميها السياسيين على إقامة إدارة مدنية في المناطق التي تسيطر عليها هذه المليشيات. ولكن هذه الخطة لم تكن ذات مصداقية على الأرض، حيث أن الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات ضد المدنيين، مثل القتل والنهب، جعلت من الصعب تنفيذ نموذج سياسي جديد كان من المتوقع أن يكون “كرزاي السودان”، أي شخصية مدعومة من الخارج لتولي السلطة.
التداعيات على الشعب السوداني
كانت أكبر تداعيات هذه الحرب على الشعب السوداني هي المعاناة الإنسانية الهائلة. نزح أكثر من عشرة ملايين شخص داخل البلاد نتيجة للممارسات العنيفة للمليشيات، فيما تم تهجير أعداد كبيرة إلى الدول المجاورة. إضافة إلى ذلك، قتل مئات المدنيين، وتدمير الكثير من البنى التحتية الحيوية مثل المدارس والمستشفيات. ولم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، فقد تم تدمير العديد من المنشآت الحيوية في محاولة من المليشيات لفرض السيطرة على مناطق غنية بالموارد الطبيعية.
وبينما يحاول بعض القوى الدولية إضفاء شرعية على هذه المليشيات من خلال مؤتمرات ولقاءات سياسية، يظل المواطن السوداني هو الضحية الرئيسية لهذه الصراعات. ما يؤكد أن الحلول السياسية التي تروج لها الأطراف الدولية هي حلول بعيدة عن الواقع السوداني، إذ يتم التلاعب بها لتغذية الصراع بدلًا من إنهائه.
التحليل الاستراتيجي: النزاع كأداة لتوزيع النفوذ
يعد النزاع في السودان نموذجًا حيًا للحروب بالوكالة التي تستخدمها القوى الإقليمية والدولية كأداة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. في هذا السياق، لا تُعتبر هذه الحرب مجرد صراع داخلي على السلطة، بل تتداخل فيها حسابات النفوذ الخارجي. من خلال دعم الفصائل المسلحة، سواء كان ذلك عبر الإمدادات العسكرية أو المرتزقة، تسعى القوى الكبرى إلى ضمان الوصول إلى الموارد الحيوية مثل الأراضي الزراعية والموارد المائية، بالإضافة إلى التأثير في موقع السودان الجيوسياسي المهم.
المليشيات المحلية مثل الدعم السريع أصبحت جزءًا من معادلة هذه الحرب، حيث تعمل كأدوات مباشرة لتحقيق مصالح الدول المتورطة. من ناحية أخرى، هذه التدخلات الخارجية تساهم في تفاقم الانقسامات السياسية والأمنية في السودان، مما يزيد من تعقيد فرص التوصل إلى تسوية سلمية. الدعم المستمر للمليشيات من الخارج لم يقتصر على تزويدهم بالأسلحة فحسب، بل امتد ليشمل تعزيز القوة السياسية لهذه الجماعات، وهو ما يعرقل أي جهود للوصول إلى اتفاقات من شأنها توحيد الصفوف السودانية.
في الوقت نفسه، فإن هذا الصراع يمثل جزءًا من إعادة توزيع القوى والنفوذ في المنطقة، حيث تتنافس القوى العظمى على التأثير في مستقبل السودان. في هذا الإطار، يتضح أن تلك القوى الخارجية، سواء كانت إقليمية أو دولية، تتبع استراتيجيات متعددة، تتراوح من التدخل العسكري المباشر إلى دعم المليشيات لتحقيق أهداف محددة. وعليه، يمكن القول إن الحرب السودانية لم تعد حربًا محلية بل أصبحت جزءًا من صراع أكبر على التوازنات الإقليمية والدولية.
هذا التوسع في التدخلات العسكرية، الذي يشمل إرسال الأسلحة المرتبطة بمصالح القوى الكبرى، يضمن استدامة الصراع بدلاً من إنهائه. وبالرغم من محاولات التسوية السياسية، يظل الصراع مستمرًا في ظل عدم وجود توافق بين الأطراف المحلية والداعمة لها من الخارج.
الخلاصة
يستمر السودان في مواجهة تحديات كبرى بسبب تدخلات القوى الخارجية في صراعه الداخلي، حيث تتحكم المصالح الإقليمية والدولية في مسار الحرب. وفي الوقت الذي يدفع فيه الشعب السوداني الثمن الأكبر لهذه الحرب، تتواصل المحاولات لتقويض قدرة البلاد على التعافي والاستقرار. وبينما يبدو أن التوترات الإقليمية قد تتحكم في مصير السودان، يظل الحل السياسي بعيد المنال طالما بقيت القوى الخارجية تدير الصراع من خلف الكواليس.