التحديث الصيني النمط: رؤية شخصية لفعالية الشراكة ومستقبل التنمية المشتركة

محمد امين الخميري
منذ سنوات وأنا أتابع التحولات التي يشهدها العالم. كتونسي وعربي وإفريقي، أعيش في بيئة تعرف تحديات اقتصادية واجتماعية عميقة: بطالة الشباب، ضعف البنية التحتية، وتفاوتات تنموية بين الجهات. في خضم هذه التحديات، كنت دائمًا أطرح على نفسي سؤالًا: هل يمكن لدول الجنوب أن تجد طريقها الخاص في التنمية بعيدًا عن النماذج الغربية التقليدية؟
عندما تعرفت على تجربة “التحديث الصيني النمط”، وجدت فيها إجابة جزئية، أو بالأحرى وجدت فيها إلهامًا. بالنسبة لي، هذا التحديث ليس مجرد مسار اقتصادي بل هو رؤية حضارية شاملة: كيف يمكن لدولة ضخمة، بتعقيداتها السكانية والثقافية، أن تخلق طريقًا خاصًا بها، قائمًا على العمل الدؤوب والاعتماد على الذات، وفي نفس الوقت على الانفتاح على الشراكات الدولية؟
الصين في عيني: بين الانبهار والدروس المستفادة
أكثر ما يشدني في التجربة الصينية هو الإصرار. بلد كان قبل عقود يصنف من بين الدول الفقيرة، واليوم صار ثاني أكبر اقتصاد في العالم. عندما أنظر إلى صور المدن الصينية الحديثة، أو إلى مشاريع البنية التحتية العملاقة مثل “الحزام والطريق”، أشعر أن الأمر ليس صدفة. هناك تخطيط طويل المدى، وصبر استراتيجي، وإرادة سياسية واضحة.
لكن الأهم بالنسبة لي هو أن الصين لم تنسخ نموذجًا جاهزًا من الغرب، بل صنعت طريقًا خاصًا بها. هذا ما يجعلني أؤمن أن الدول العربية والإفريقية – ومن بينها تونس – قادرة بدورها على ابتكار أنماط تحديث محلية، تتناسب مع ثقافتنا وواقعنا، دون الارتهان إلى قوالب جاهزة.
قصص الشراكة بين تونس والصين: تجارب حيّة
في تونس، لمست حضور الصين في أكثر من مجال: من مشاريع البنية التحتية إلى التعاون في مجال الاتصالات. حتى في حياتي اليومية، أرى كيف صارت المنتجات الصينية جزءًا من أسواقنا. لكن الأهم من ذلك هو قصص التعاون الإنساني: شباب تونسيون درسوا في الجامعات الصينية وعادوا بخبرات جديدة، أو مستثمرون تونسيون وجدوا في الصين شريكًا موثوقًا.
هذه القصص تجعلني مقتنعًا أن “التحديث الصيني النمط” ليس مجرد تجربة بعيدة، بل هو نموذج يمكن أن يتقاطع مع واقعنا من خلال شراكات حقيقية، ليست قائمة فقط على الاستثمارات، بل أيضًا على التبادل الثقافي والابتكار المشترك.
مقترحات وأفكار من منظوري الشخصي لدفع التحديث المشترك
-
تبادل الخبرات في الحوكمة والتخطيط التنموي
أعتقد أن أهم ما يمكن أن نتعلمه من الصين هو التفكير بعيد المدى. نحن في حاجة إلى منصات حوار بين خبراء صينيين وعرب وأفارقة، تتناول قضايا مثل إدارة المدن الكبرى، مكافحة الفساد، وتخطيط البنية التحتية. شخصيًا، أرى أن القادة الشباب في إفريقيا يجب أن يستفيدوا من هذه التجارب عبر برامج تدريبية عملية. -
تعزيز الابتكار ونقل التكنولوجيا
كمهتم بالتكنولوجيا، أرى أن إنشاء مراكز ابتكار مشتركة سيكون نقطة تحول. يمكن لشباب تونسيين أن يعملوا جنبًا إلى جنب مع باحثين صينيين على حلول محلية: طاقة شمسية تناسب مناخنا، زراعة ذكية تراعي ندرة المياه، أو مدن ذكية أكثر إنسانية. بالنسبة لي، هذا هو المعنى الحقيقي للتحديث: أن نبتكر حلولنا بأيدينا. -
تنمية الموارد البشرية والتعليم
أنا مؤمن أن رأس المال البشري هو الثروة الحقيقية. لهذا، أرى أن المنح الدراسية والتبادل الطلابي مع الصين يجب أن يتوسع أكثر، خصوصًا في مجالات الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، والطاقات المتجددة. بل أكثر من ذلك: يجب أن تكون هناك برامج تدريب مهني للعمال والمهندسين، حتى تنتشر الخبرات بشكل عملي في السوق المحلية. -
تطوير البنية التحتية المستدامة
كلما فكرت في إفريقيا، أرى القارة كعملاق نائم. لدينا موارد هائلة، لكن ينقصنا الربط بين المدن والموانئ والطاقة. أعتقد أن الصين شريك مثالي في هذا المجال، خاصة إذا ركزنا على مشاريع خضراء وصديقة للبيئة. بالنسبة لي، مجرد تخيل قطار سريع يربط تونس بالجزائر والمغرب، أو شبكة كهرباء تعتمد على الطاقة الشمسية تربط شمال إفريقيا بعمقها الصحراوي، يجعلني أؤمن أن الحلم ممكن. -
تسهيل الوصول إلى الأسواق وتنمية التجارة
من وجهة نظري، السوق الصينية تمثل فرصة ذهبية للصناعات التونسية والعربية والإفريقية. لماذا لا نصدر منتجاتنا الزراعية، الحرفية، وحتى الرقمية؟ هذا الانفتاح سيخلق توازنًا جديدًا ويحررنا من الاعتماد على أسواق محدودة. -
التبادل الثقافي والإعلامي
في النهاية، لا يمكن للتحديث أن ينجح من دون بعد إنساني. بالنسبة لي، الثقافة هي الجسر الأقوى. تخيلوا مهرجانات تونسية–صينية، أو أفلام وثائقية مشتركة تحكي قصص التعاون، أو محتوى إعلامي يبتعد عن الصور النمطية. هذه المبادرات تغذي الثقة وتبني صداقات شعبية حقيقية، تتجاوز السياسة والاقتصاد.
خاتمة
في عيني، “التحديث الصيني النمط” ليس مجرد مصطلح، بل دعوة للتفكير في كيفية بناء مستقبلنا كتونسيين وعرب وأفارقة. ما أراه في التجربة الصينية هو أن النجاح ممكن إذا كان هناك تخطيط طويل المدى، إصرار، واحترام للخصوصيات المحلية. بالنسبة لي، الأهم ليس أن نقلد الصين، بل أن نستلهم منها قوة الإرادة ونبني طريقنا الخاص.
إنني أؤمن أن الشراكة مع الصين يمكن أن تتحول إلى رافعة حقيقية للتنمية المشتركة، شرط أن تكون شراكة متكافئة، قائمة على الاحترام المتبادل والابتكار. هذا بالنسبة لي ليس مجرد فكرة نظرية، بل قناعة شخصية بأن التعاون جنوب–جنوب هو السبيل لمستقبل أفضل، أكثر عدلاً وإنسانية.