أخبار العالمإفريقيا

البرلمان الجزائري يصادق على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي ويطالب باعتذار رسمي

صادق البرلمان الجزائري، يوم أمس الأربعاء 25 ديسمبر 2025، بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر “1830–1962″، ويصفه بـ”جريمة دولة”، في خطوة تاريخية تمثل تتويجاً لمطلب وطني قديم ظل حاضرًا في الذاكرة الجماعية والسياسية للجزائر منذ استقلالها.

وقد جاء هذا القانون في وقت تشهد فيه العلاقات الجزائرية–الفرنسية توتراً دبلوماسياً متصاعداً، على خلفية ملفات تاريخية وسياسية عالقة، بما فيها مسألة التعويضات عن الجرائم الاستعمارية وقضايا الذاكرة التاريخية والتجارب النووية الفرنسية.

تصويت تاريخي وإجماع وطني

شهدت جلسة البرلمان حضوراً لافتاً من النواب الذين وقفوا تحت قبة المجلس الشعبي الوطني مرتدين ألوان العلم الجزائري، وصفقوا طويلاً عقب إقرار القانون الذي يحمّل الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية عن ماضيها الاستعماري والمآسي التي خلفها.

وأكد النواب أن القانون يمثل “مطلباً وطنياً جامعاً يسمو فوق كل الاعتبارات السياسية والحزبية، ويجسّد وحدة الصف البرلماني بشأن الثوابت الوطنية”.

وخلال الجلسة، كرّم البرلمان محمد لحسن زغيدي، منسق اللجنة الوطنية للتاريخ والذاكرة، على جهود اللجنة في الدفاع عن الذاكرة الجزائرية، واعتبر القانون “رداً وطنياً موجّهاً لأعداء الجزائر وللعالم أجمع، ومعبّراً عن استمرارية روح نوفمبر وبذرتها التي لن تموت”.

بنود القانون: الجرائم غير القابلة للتقادم

ينص القانون على أن جرائم الاستعمار الفرنسي غير قابلة للتقادم، وتشمل:

  • الإعدام خارج نطاق القانون والتعذيب الجسدي والنفسي.
  • الاغتصاب.
  • التجارب النووية الفرنسية التي أجريت بين 1960 و1966 في الصحراء الجزائرية، والتي ما زالت آثارها مستمرة حتى اليوم، مسببة أمراض السرطان والتشوهات الخلقية في مناطق واسعة.
  • النهب المنهجي للثروات، بما في ذلك الموارد الطبيعية والممتلكات العامة والخاصة.
  • زراعة أكثر من عشرة ملايين لغم على طول الحدود الجزائرية مع تونس والمغرب في خمسينيات القرن الماضي، وما زالت تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين والرعاة الجزائريين.
  • استخدام الأسلحة الكيميائية خلال حرب التحرير الوطني، وتحديداً ضد الثوار والمدنيين العزل في الكهوف والمغارات.
  • احتفاظ فرنسا بـ 500 جمجمة لقادة المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر، كان آخرها استرجاع 24 جمجمة في يوليو 2020، فيما تعطل استرجاع البقية.
  • نقل آلاف الوثائق والأرشيف التاريخي والممتلكات الثقافية إلى فرنسا، رغم محاولات الجزائر استرجاعها.
  • اختفاءات قسرية خلال ثورة التحرير الوطني، حيث لم تعترف فرنسا بمصير أكثر من 2200 مفقود جزائري.

ويؤكد القانون على أن “التعويض الشامل والمنصف عن كافة الأضرار المادية والمعنوية التي خلفها الاستعمار الفرنسي حق ثابت للدولة والشعب الجزائري”، ويُلزم الدولة بالسعي للحصول على الاعتراف والاعتذار الرسمي من فرنسا، واسترجاع الأموال المنهوبة، وتنظيف مواقع التجارب النووية، وتسليم خرائط الألغام، وغيرها من المستلزمات القانونية والرمزية لتحقيق العدالة التاريخية.

أثر القانون قانونياً وسياسياً

يرى خبراء أن القانون لا يحمل أي بعد دولي يفرض على فرنسا الاعتراف أو التعويض، وإن أثره القانوني يظل محلياً، لكنه يحمل رمزية سياسية قوية، إذ يمثل لحظة قطيعة مع التاريخ الاستعماري الفرنسي، ويعيد توجيه النقاش حول الاستقلال الوطني والسيادة الجزائرية.

ويشير الباحث حسني قيطوني، من جامعة إكستر البريطانية، إلى أن القانون “أثره الرمزي والسياسي كبير، ويضع العلاقة مع فرنسا في سياق جديد من التحديات والضغط السياسي”، بينما يظل التنفيذ العملي للتعويضات مرهوناً بالتفاوض أو اللجوء إلى هيئات دولية.

رد الفعل الفرنسي

حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة الفرنسية على القانون الجديد، واكتفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية بالإشارة إلى أنه “لا يعلّق على نقاشات سياسية تجري في دول أجنبية”.
ورغم تصريحات سابقة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2017 بأن الاستعمار كان “جريمة ضد الإنسانية”، رفض إصدار اعتذار رسمي، وأثار لاحقاً جدلاً واسعاً في الجزائر بعد تشكيكه في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار.

وتدين باريس المبادرة الجزائرية باعتبارها “عدائية”، وتعتبر أن القانون قد يعرقل الجهود المبذولة لإعادة الحوار الفرنسي الجزائري. ومع ذلك، أكدت فرنسا التزامها باستئناف الحوار مع الجزائر حول الملفات ذات الأولوية، بما في ذلك الأمن والهجرة، لكنها تشدد على أن موضوع الذاكرة الاستعمارية يبقى حساساً ويحتاج إلى مقاربة تاريخية دقيقة.

يمثل قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر علامة فارقة في تاريخ التشريع الجزائري، حيث جمع بين البعد الرمزي والسياسي والتاريخي، ووضعت الجزائر موقفها الرسمي بوضوح، مؤكدة أن ملف الذاكرة الوطنية ليس قابلاً للتفاوض أو المساومة.

 ورغم محدودية الأثر القانوني المباشر على فرنسا، فإن هذا القانون يعيد رسم الإطار السياسي للدبلوماسية الجزائرية ويؤكد أن مطالب الشعب الجزائري في العدالة التاريخية سيظل لها صدى كبير على الصعيدين الوطني والدولي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق