أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

البحر الأحمر: أمريكا من تركيز القدرات الوقائية للحلفاء الى النهج العسكري المركزي

قسم البحوث الأمنية والعسكرية وقسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية

تونس 29-02-2024

   أشار التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب، إلى التحول في السياسة الأمريكية من بناء القدرات الوقائية للحلفاء الغرب الى النهج العسكري المركزي، والذي يتمثل في عسكرة البحر الأحمر وتعزيز حضورها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، كإستجابة للتحديات المرافقة للحرب على  قطاع غزة وهو ما يعكس الاستعداد لعمل عسكري موسع، بقدر ما يعبر عن مستوى الاستجابة الأمريكية والغربية للتهديدات البحرية على اختلاف مستوياتها، لا سيما فيما يتعلق  بصد هجمات المقاومة اليمنية التي حققت أهدافا قوية ومباشرة ضد كل من السفن الأمريكية، الصهيونية، البريطانية العابرة في عرض البحر وكل من هو موال لمصالح العدو الإسرائيلي.

ويأتي ذلك الحضور الكثيف تعبيراً عن أهمية المنطقة الجيوسياسية في الصراع ما بين الدول الكُبرى، وأهمية الممرات المائية في الشرق الأوسط للنظام الاقتصادي العالمي والتي من بينها مضيق باب المندب وقناة السويس ومضيق هرمز.

اذ يؤكد التقرير السنوي ذاته نزول عائدات التجارة الدولية – الأمريكية الى أدنى مستوياتها متضررا بالقرصنة وتصدي جبهات المقاومة بما تصفه الولايات المتحدة الأمريكية بأنشطة الجماعات المسلحة والإرهاب.

 يمكن تركيز الأهداف الأمريكية من حضورها العسكري في المنطقة والبحر الأحمر في التالي:

أولاً:  حددت استراتيجية البيت الأبيض للعام 2023 كل من الصين وروسيا، بوصفهما تحديات خطيرة على الأمن القومي الأمريكي والسياسة الأمريكية الخارجية، وذلك ينطبق على مناطق النفوذ الرئيسية حول العالم في أوروبا، وشرق وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط وتحديداً إسرائيل ودول الخليج العربي، واذا كانت أوروبا ساحة مواجهة رئيسة مع روسيا، وشرق وجنوب شرق آسيا ساحة مواجهة مباشرة مع الصين، فإن الشرق الأوسط بات ساحة مواجهة مع كليهما، وهو الأمر الذي يستدعي تعزيز القوة العسكرية الأمريكية فيه، خاصة في المناطق الجيوسياسية المهمة كالبحر الأحمر، و”الغرض الأساسي منها هو أن السيطرة على المحيطات وأعالي البحار تعني إحكام السيطرة على النظام الدولي”.

ثانياً:  تعتبر إيران أحد التحديات أمام الولايات المتحدة، مع سعي طهران لتطوير قدراتها العسكرية والتقنية والنووية، وتوظيف شبكة المقاومة المسلحة المرتبطة بها في دول (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن) ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وقد استخدمت طهران الساحة اليمنية من أجل تخفيف ضغط الحضور العسكري الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط على حزب الله اللبناني، وتشتيت القوة الأمريكية في صراع بعيد جغرافياً عن لبنان.

وقد دفعت الولايات المتحدة بتعزيزات عسكرية بحرية وجوية وبرية منذ اليوم الأول للحرب بهدف ردع إيران وجماعاتها عن الانخراط في حرب غزة بكثافة، وإدخال الشرق الأوسط في خضم صراع معقد.

ثالثاً: أظهرت هجمات فصائل المقاومة  الفلسطينية في غزة، التهديدات التي قد تشكلها الجماعات الفاعلة دون الدول، والتي تفوق قوتها وحجمها في أحيان كثيرة، وكان ذلك دافعاً لمحاولة ردع الحوثيين عن التأثير في حركة التجارة الدولية، واحتمالات الإقدام على عمليات قد تخلف آثاراً طويلة المدى لا سيما باستهداف ناقلات البتروكيماويات أو زرع ألغام بحرية تُهدد بتعطل حركة الشحن لسنوات وهو ما يشكل الضربة الموجعة على  الاقتصاد الأمريكي   .

قد يؤدي الحضور العسكري المكثف في البحار والمضائق الإقليمية إلى عودتها كساحات تصادم ما بين الولايات المتحدة وإيران، إذ لاقت تلك التعزيزات والهجمات ضد اليمنين انتقادات إيرانية، وفي وقت سابق  أدى الى تشكيل تحالف الازدهار.

 لقد حذّر وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني من أن أي قوة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر ستواجه مشاكل كبيرة، بالتزامن مع كشفها عن قوة الباسيج البحرية، وإلى جانب الانتشار الكبير للجماعات المدعومة إيرانياً فإن لديها القدرة على خلق مسرح عمليات عسكرية أكثر تعقيدا وخطورة على السلامة الإقليمية، وامتداد الاضطرابات إلى البحر الأبيض المتوسط وحتى بحر العرب.

كما  سيقود أي صراع أمريكي  في البحر الأحمر المنطقة نحو مرحلة جديدة، تحركها المنافسات الإقليمية والدولية، والتي سيكون تأثيرها حاضراً على الدول العربية فيما يتعلق بمصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، وتحديداً الدول التي تمتلك شواطئ على البحر الأحمر، فمن جهة يعد الإستقرار في البحر الأحمر ركيزة للاستقرار الاقتصادي العربي، وتحديداً السعودية التي تسعى لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط عبر تنفيذ رؤية 2030، والتي تتضمن مشاريع استراتيجية مطلة على البحر الأحمر، من بينها مدينة نيوم، ومشاريع شركة البحر الأحمر الدولية المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، والمطورة للواجهات السياحية للبحر الأحمر.

 وبالنسبة إلى مصر حيث يعد مضيق باب المندب والبحر الأحمر ممراً لقناة السويس التي تشكل إيراداتها أحد الروافد الرئيسية للاقتصاد المصري وخاصة من العملة الصعبة، وتطال التداعيات المناطق العربية، لا سيما مدينة العقبة الأردنية ومينائها والمدن المصرية، التي تعد واجهات حضارية وسياحية مهمة للدولتين.

إن تداعيات الاضطراب في البحر الأحمر تنعكس سلباً على مستقبل اليمن، وتحديداً على العملية السياسية الرامية لحل الأزمة اليمنية، علاوة على ذلك فإن تصنيف واشنطن للحوثيين كجماعة إرهابية، يُعرقل جهود السعودية للحوار والتوصل إلى تسوية تفضي لحل الأزمة اليمنية، حيث إن مسألة التفاوض مع جماعة مصنفة إرهابياً تعد شديدة الحساسية.  

في تحدٍّ للمعايير والقواعد الدولية المتعلقة بالبحر بما فيها القوانين الخاضعة للسيادة الخالصة لدولة ما ومعايير المرور البريء، يطالب المسؤولون الأمريكيون بالسيادة البحرية أو ما بات يعرف اليوم بالسيادة العسكرية الأمريكية التي خرقت قانون البحار في انتهاك كلي ووضع نهج عسكري مركزي في منطقة الشرق الأوسط وهو ما بات يهدد المنطقة بأسرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق