أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

الإعلام الإسرائيلي يهاجم نتنياهو بعد إقالة غالانت وفضائح التسريبات

مساء الثلاثاء 5 نوفمبر 2024، في غمرة انشغال العالم بمتابعة أخبار الانتخابات الأميركية ونتائجها، أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إقالة وزير “الدفاع” يوآف غالنت، في خطوة مرتقبة منذ شهور.

لم تكن خطوة الإقالة مستغربة بقدر ما كان التوقيت هو المستغرب، وشكّل منطلقاً لأسئلة كثيرة عن أهداف نتنياهو من إقالة وزير دفاعه في عزّ الحرب، وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس لتولي الوزارة خلفاً له.

شكّل الموضوع مادة دسمة للتناول الإعلامي، لارتباطه بعدة مفاصل لا تتلاءم مع موضوع إقالة وزير دفاع، الذي يخوض كيانه الاحتلالي حرباً على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سنة، ويخوض كذلك حرباً عدوانية على لبنان الدولة والشعب والمقاومة، ويتوقّع حرباً مع إيران في أي لحظة، إضافة لتزامن الحدث مع بدء الانتخابات الأميركية وما يحيط بها.

فكيف تناول الإعلام الإسرائيلي الموضوع؟

 وكيف كانت ردّات الفعل لدى أهمّ الصحافيين والكتّاب والمحلّلين السياسيين؟

قبل استعراض المضامين، لا بدّ من الإشارة إلى أن موضوع إقالة غالنت، تزامن أيضاً مع موضوع آخر لا يقل أهمية عنه، وهو موضوع “التحقيقات في مكتب نتنياهو”، الذي شغل الرأي العام الإسرائيلي، والإعلام ورجال السياسة والأمن في الكيان المؤقت، بحيث وجد الكيان نفسه أمام موضوعين دسمين: تسريب وثائق وتلفيق ملفات، ثم استبدال وزير الحرب بوزير أقل كفاءة.

فكيف انعكست القضيّتان في مرآة الصحافة والإعلام في الكيان الصهيوني؟

هذا ما ستتناوله هذه الورقة التحليلية، لمضمون اللغة الإعلامية التي ظهرت في الهجوم على نتنياهو بعد قرار الإقالة.

تكشف فئة التحليل “ماذا قيل” عن مادة المحتوى والأفكار والمعاني التي تضمّنتها نماذج لأبرز المواقف الإعلامية الإسرائيلية التي صدرت في الأيام التي تلت القرار.

وتهدف للكشف عن اتجاهات الأفراد والجماعات نحو الموضوع، مع تكرار الإشارة، إلى أن نقد القرار اختلط أحياناً مع نقد فضائح التسريبات والتحقيقات، ما يدلّ على أن معظم الصحافيين لم يستطيعوا الفصل بين الموضوعين، وهذا طبيعي، فكلاهما يتعلّقان بشخصية محورية واحدة هي نتنياهو وأفعاله.

أولا: ما أبرز ما قيل؟

  • تايمز أوف إسرائيل (سام سوكول ولازار بيرمان):

بينما رحّب بها الائتلاف، أدان نواب من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإقالة يوآف غالانت من منصبه كوزير للدفاع، متّهمين رئيس الوزراء بالتركيز على السياسة على حساب أمن إسرائيل، وحثّوا المواطنين على التظاهر ضد الإقالة في خضم الحرب. كتب زعيم المعارضة يائير لابيد على موقع إكس: “قرار استبدال غالانت في خضم الحرب هو عمل جنوني” داعيا الإسرائيليين إلى الاحتجاج. “لقد باع نتنياهو أمن إسرائيل ومقاتلي الجيش الإسرائيلي من أجل بقائه السياسي المخزي. الحكومة اليمينية المتطرفة تفضّل المتهربين من الخدمة العسكرية على أولئك الذين يؤدون الخدمة. نتنياهو تهديد لوجود الدولة”.

  • نقلت القناة 12

أن جماعة رئيس الوزراء لم تتورع عن أي وسيلة لتغيير الرواية لتبرئة نتنياهو من الإخفاقات التي أدت إلى الحرب، في الوقت الذي رفض فيه مكتب نتنياهو هذه الاتهامات، وقال إنها “كذبة أخرى في شبكة الأكاذيب التي يحاول البعض نسجها ضد مكتب رئيس الوزراء”.

  • كتب الصحافي عاموس يدلين من القناة N12: “

لم يسبق أن شهدت إسرائيل مثل هذا الحدث. أن يقوم رئيس وزراء إسرائيلي، في ذروة حرب متعددة الجبهات، تمتد على سبعة ميادين، وعلى مشارف هجوم إيراني آخر، بإقالة وزير دفاعه. يبدو أن بنيامين نتنياهو لم يتعلم شيئاً. الانقسام الداخلي الذي يثيره نتنياهو في إسرائيل قد يؤدي إلى كارثة أمنية جديدة. ومثلما كانت عليه الحال سابقاً، ينظر أعداؤنا إلينا بارتياح، وقد يستغلون الأزمة التي يرونها في إسرائيل. عاموس يدلين، رأى في شخصية غالانت “نزاهة استثنائية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ابتداء من معارضته محاولات نتنياهو تمرير قانون تمويل التهرب من التجنيد، مروراً بإصراره على التوصل إلى صفقة لتحرير الأسرى، ووصولاً إلى دعوته إلى تشكيل لجنة تحقيق حكومية في أحداث السابع من أكتوبر”.

  • تحت عنوان “غالانت هو الرجل المناسب لهذه المهمة”، أوردت صحيفة جيروزاليم بوست:

 إن “الزعيم الحقيقي لابد أن يجد طريقة لسد هذه الفجوات، وأن يرى الشقوق في المجتمع الذي يتولى قيادته وحمايته، وأن يهتم بها، ولكن ما رأيناه هو العكس. فإعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه وجد أزمة ثقة تعمقت تدريجياً مع وزير الدفاع غالانت عشية الانتخابات الأميركية والهجوم الإيراني الوشيك يبدو أشبه بفيلم رعب.

  • إسرائيل اليوم ( يوآف ليمور ):

“إسرائيل تقاد من قبل رئيس وزراء يعرض للخطر أمن الدولة، فعندما يكون بنيامين نتنياهو مطالباً بان يختار بين مصلحة الدولة ومصلحته الشخصية يختار نفسه.

  • يديعوت أحرونوت (درور يميني) لنتنياهو:

“من سيتطوع لإنقاذ الدولة حين يتكرر 7 أكتوبر؟  قرر نتنياهو تنحية الرجل الوحيد، وزير الدفاع الذي يحظى بالثقة الأعلى، بقي في إسرائيل الآن حكومة ليس فيها وزير يمكن التعويل عليه. هذه ركلة للمناعة الوطنية. الولايات المتحدة ستصمد أمام الهزة. أما نتنياهو فيضع إسرائيل في خطر”.

  • يديعوت أحرونوت (رون بن يشاي):

“منذ الآن، أصبح نتنياهو وزير الدفاع، وقد تطول الحرب. أتت إقالة وزير الدفاع غالانت، لتُفرّق الشعب وتُضعف دولة إسرائيل في وقت الحرب. نتنياهو لم يعد فقط رئيس الوزراء، بل أصبح أيضاً وزير الدفاع”.

  • بن كسبيت في معاريف:

يوآف غالانت لمن نسي هو حجر الزاوية في العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في حكومة نتنياهو. الأميركيون (حتى 20 كانون الثاني) لا يتسامحون مع نتنياهو، لا يصدقون أي كلمة واحدة يتلفظ بها. أدرك نتنياهو أن السفينة تتسرب وقرر إلقاء غالانت في البحر.

ثانياً: كيف قيل؟

يتناول هذا القسم من التحليل فئات الشكل أو الإطار أو القالب الذي ُقدمت فيه الرسالة الإعلامية. وقد ارتكزت النماذج الإخبارية المختارة إلى “مقالات وتحليلات” أهم الصحافيين الإسرائيليين في أهم الصحف والمواقع الإخبارية، بعكس تحليلات أخرى كانت تستند إلى عناوين الصحف مثلاً، أو منشورات منصة x وتحديثاتها أو ما ينشر على التلغرام.

  • العبارات من حيث التعبيرات الزمانية:

استندت إلى صيغة الفعل الماضي مع المضارع، لأنها تناولت ما قام به نتنياهو خلال سنة كاملة، وما سيترتّب على أفعاله مستقبلاً.

  • الاتجاه:

كانت الاتجاهات بمجملها سلبية، لأنها بطبيعة الحال ركّزت على الخطاب المعارض لسياسة نتنياهو ومواقفه، ما يؤدي حتماً إلى عرض نتائج ذات اتجاهات غير إيجابية.

  • وسيلة الإقناع:

قامت استمالة الجمهور على محاولة الإقناع غير العاطفي، من خلال عرض الوقائع وإطلاق بعض الأوصاف والنعوت على أفعال نتنياهو (كاذب/ يهتم بمصلحته فقط/ ….) أمّا اللجوء إلى الاستمالات العاطفية، فله ميدان واحد هو ما يتعلّق بالإسرائيليين، الأسرى لدى حماس، من خلال الإضاءة على معاناة عائلاتهم ومشاعرهم السلبية والضغوط التي يتعرّضون لها. هناك موضوع الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي، يمكن استخدام الاستمالات العاطفية فيه لما يترتّب عليه من تأثيرات انفعالية.

  • ابراز جميع اللقطات “المحرجة” لغالانت:

أفاد موقع “واينت” عن جمع لقطات “محرجة” لغالانت يظهر فيها في أكتوبر 2023 وهو يخوض عراكا بالأيدي مع حارس أمن في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب. وقال الموقع الإخباري إن مكتب رئيس الوزراء يحتفظون بالشريط منذ الحادثة، وسط تدهور العلاقات بين غالانت ونتنياهو، وأنه “كانت هناك محاولات متكررة من قبل نتنياهو والمقربين منه لإذلال غالانت من خلال عدم دعوته إلى الجلسات الأمنية أو محاولة تهميشه في صنع القرار”.  

  • التحريض:

عملت قناة i24NEWS على نوع من التحريض ضد نتنياهو، حين اغتنمت مناسبة مرور 400 يوماً على بدء أحداث 7 أكتوبر، وقامت بتغطيات متعددة، للفعاليات التي نظّمتها عائلات الأسرى لدى حماس، صوّرت التحرّكات واللافتات والأقوال المندّدة بسياسة رئيس الوزراء، وأجرت مقابلات مع أفراد العائلات الذين قالوا: “بدلا من القتال من أجلهم، نتنياهو يقاتل ضدنا”. وذكرت القناة أن آلاف المتظاهرين اجتمعوا في اليوم الـ 400 للحرب خارج قاعدة الكيريا العسكرية. وقالت إيناف زانجوكر، والدة متان المحتجز كرهينة في غزة، إن “نتنياهو يرفض إنهاء الحرب لاعتبارات سياسية إجرامية، وبسببه يموت الرهائن في الأسر ويقتل الجنود في حرب حققت أهدافها بالفعل. وبدلاً من إنهاء الحرب في غزة، تعمل الحكومة على الترويج للمستوطنات. وبدلاً من العمل من أجل المصلحة الوطنية، يتصرف نتنياهو وفقاً لمصالح بن غفير وسموترتش”.

  • لغة التجييش

ساد الخطابَ الإعلامي لغةُ التجييش أحياناً على رئيس الوزراء، للتنديد بسلوكياته حيناً، وبشخصيته حيناً آخر، فهو أناني يهتم بمصلحته فقط، لا يستمع للرأي الآخر، لا يهتم مطلقاً لعودة الأسرى، ولا يهتم لآلاف الناس الذين افترشوا الشوارع لإسماع مطالبهم. نتنياهو لا يهتم لأي مطلب غير شخصي.

  • استعمال لغة المساءلة

تحوّلت اللغة الإعلامية من لغة النقد أو التعليق في البداية، إلى لغة المساءلة والتحقيق، وهذا تصاعد في اللغة الإعلامية، التي تدرّجت من جرأة الاتهام والسخرية والتشكيك، حتى وصلت إلى المساءلة والإدانة.

  • استعمال مصطلحات التخويف

دخلت مصطلحات مثل “الخوف” والذعر” و”الصدمة” و “المصيبة” و “الكارثة” و”الجواسيس” على النصوص الإعلامية التي وصفت حال نتنياهو بعد قضيتي إقالة غالانت وفضيحة التسريبات. كتبت هآرتس مثلاً: “مصيبة نتنياهو ودخوله في حالة ذعر على خلفية تطورات سلبية في الحرب”.

نتائج وخلاصات

  • أصبحت حلول أزمة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس شبه متوقفة بعد إقالة غالانت الذي كان يصرّ على أولويتها، وعودتهم أصبحت موضوعاً هامشياً بعد دخول الحرب عامها الثاني.
  • يبحث نتنياهو في كل قراراته عن المصلحة الشخصية وليس مصلحة الكيان، فأولويات نتنياهو هي الاعتبارات الشخصية.
  • استهدف نتنياهو من خلال إقالة غالانت “رجلاً نزيهاً” كما وصفه كثيرون من داخل الكيان، وتسبّب بفضيحة تزويرٍ وتسريب غير مألوفة بين القيادات الحكومية في الكيان المؤقت.
  • كتب معظم الصحافيين في مقالاتهم بشكل مباشر أن “نصف الشعب لا يثق بقدرات نتنياهو الإدارية ولا بدوافعه ولا يمنحونه الثقة”.
  • الاتهام الأكثر تداولاً لدى مهاجمي نتنياهو، أنه عرّضَ أمن إسرائيل للخطر، وأن استمراره في منصبه يلحق ضرراً استراتيجياً بإسرائيل ومستقبلها. لم يعتد المجتمع الإسرائيلي على تعرّضه للهجمات والأعمال الحربية لمدة تجاوزت العام.
  • ما زال اتهام نتنياهو بالكذب، يحظى بنسبة عالية من المؤيدين، فهو كاذب ويسعى للمزيد من السيطرة على كل شيء.
  • استخدم بعض الإعلاميين تعبير البيع ودلالته، حين ردّدوا أن نتنياهو “باع أمن إسرائيل وباع مقاتلي الجيش الإسرائيلي من أجل بقائه السياسي وكمحاولة لحماية نفسه”.
  • من المعتقدات والأفكار الأكثر حضوراً في التداول السياسي والإعلامي، “حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تفضّل المتهرّبين من الخدمة العسكرية على الذين يؤدّون الخدمة”.
  • لا يثق رؤساء السلطات المحلية في الكيان الصهيوني، بأنه سيقدم الدعم الأمني والاقتصادي لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، أو أنه سيعيد إعمار شريط كامل من بلد بات مهجوراً.
  • إقالة يوآف غالانت من منصب وزير الدفاع قوّضت ثقة الجنود بإدارة الحرب، لأنّ جنود الاحتياط وضعوا ثقتهم فيه.
  • ثقة الأميركيين بنتنياهو في أدنى درجاتها، المستقبل مع رئاسة ترامب غير وردي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق