الإذن بفتح تتبعات بخصوص ما يعرف بـ”الجهاز السري” لحركة” النهضة”
تونس-22-01-2022
أذنت وزيرة العدل التونسية، ليلى جفّال، للوكيل العام لمحكمة الإستئناف بتونس لتعهيد وكالة الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بتونس بفتح ما يلزم من تتبعات بخصوص ما عرف بـ”الجهاز السري” لحركة النهضة, وفق ما اوردته إذاعة موزاييك.
وجاء القرار على أثر شكاية تم تقديمها إلى وزيرة العدل بوصفها رئيسا لجهاز النيابة العمومية، من طرف أحد أعضاء فريق الدفاع في قضيتي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ضد عدد من الأشخاص من أجل جرائم تتعلق بأمن الدولة.
وبرغم عديد الأدلة والقرائن ظلت حركة”النهضة” تتكتم وتنكر وجود الجهاز السري..ولم يعد خافيا أن تاريخ تشكيل النهضة لجهازها السري، الذي اوكلت إليه جملة من المهمات كشف عنها في 1987 في ما يعرف بالمجموعة الأمنية التي كانت تخطط لانقلاب 8 نوفمبر87 ولاحقا في ما يعرف بمجموعة “برّاكة الساحل” في 1991، دون العودة إلى التفجيرات بسوسة والمنستير التي جدت صائفة 1987.
وكانت وثائق تعود الى 2013 أوضحت أن الحركة التي أعلنت أنها تخلت عن الدعوة، أنشأت جهازا سريا جديدا أشرف على ترصد وتتبع قادة الأحزاب الأخرى.
وتؤكد دراسات عديدة أن الحركة استلهمت هيكلة كل التفاصيل المتعلقة بجهازها السري من تجربة الجهاز السري التابع لجماعة الاخوان المسلمين المصرية.
ويقول علي عشماوي، وهو من قادة النظام الخاص منذ منتصف الخمسينات إلى الستينات، في كتابه (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين):”يولع الإخوان دائماً بجمع المعلومات والتجسّس على الآخرين، وهم يفخرون دائما بأنّ لديهم جهاز مخابرات قادرا على جمع وتحليل المعلومات، فهم يتجسّسون على كلّ شيء: على الأحزاب والهيئات، والحكومات، بل على الأجهزة، وكلّ فرد في موقعه جاسوس لحساب الجماعة، يرسل باستمرار بأسرار وظيفته أو عمله إلى قيادة الجماعة، بل كلّ ضابط وكلّ شرطيّ يقوم بنفس العمل لحساب قيادته داخل الجماعة”.
ويعود أوّل استخدام للعنف في سجلّ جماعة “الإخوان” إلى اغتيال أحمد ماهر باشا، رئيس الوزراء المصري في 24 فبراير 1945 على يد محمود العيسوي،ليصبح الإغتيال سياسة ممنهجة للترخيب والوصول إلى التمكن والحكم.
وكان مركز”تريندز للبحوث والاستشارات”أصدر دراسة جديدة،في 2021، تحت عنوان: “الإسلاميون في تونس ومشروع التمكين الأمني: من المجموعة الأمنية إلى الجهاز السري”، سلط الضوء على دور “أجهزة العنف” داخل جماعة “الإخوان” في مشروعهم “التمكيني” .
وتناولت الدراسة في محورها الأول أجهزة الجماعة الأيديولوجية والقمعية، مشيرة إلى أن جماعة “الإخوان المسلمين” منذ تشكلها التنظيمي الأول عام 1928، بدت – كما أراد لها مؤسسها حسن البنا – “شبه دولة”، سواء من حيث التنظيم أو الهدف، ويأخذ “التمكين” حيزاً مهماً في مشروعها، بل هو منتهى غايات الجماعة، ويعتمد هذا التمكين بدرجة كبيرة على الأجهزة “القمعية والأيديولوجية”.
ويتطرق المحور الثاني من الدراسة إلى فلسفة التمكين الأمني لدى جماعة الإخوان المسلمين، حيث تشير إلى أن التمكين الأمني هو جزء من مشروع التمكين الكبير لدى الجماعة ، وهو المرحلة التي تصل فيها إلى السيطرة التامة والكاملة على أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، ويمكن أن يكون هذا التمكين لاحقاً للتمكين السياسي، أي أن الجماعة أو أحد فروعها ينجح في السيطرة على السلطة السياسية من خلال وسائل مختلفة (الإنتخابات، الثورة…) ثم تبدأ مرحلة السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية .
ولفتت الدراسة النظر إلى أنه بمجرد عودة حركة “النهضة” التونسية إلى العمل السياسي من الداخل بداية عام 2011، سعت إلى إعادة بناء هذا الجهاز واستئناف مشروع تمكينها الأمني، وقد عملت على ذلك من خلال وسيلتين رئيسيين؛ هما محاولة اختراق وزارة الداخلية وبناء الجهاز الخاص، وهو تنظيم سري يقوم بمهام أمنية، كجمع المعلومات وتجنيد الضباط من الأمن والجيش والتجسس على الخصوم السياسيين والسفارات، فضلاً عن نسج علاقات تعاون مع المجموعات السلفية العنيفة ومع الجماعات الإسلامية خارج البلاد، ولاسيما التنظيم الأم في مصر وحتى مع تشكيلات إجرامية محلية في الأحياء الشعبية. وقد أظهرت الوثائق أن من مهام الجهاز السري لحركة “النهضة” هو بناء جهاز أمن موازٍ يقوم بإجراء أبحاث وتحريات أمنية، ومتابعة العسكريين والمؤسسة العسكرية وكتابة التقارير حولها، وإطلاع الحركة بالتفاصيل الحياتية الدقيقة للقيادة العسكرية، وكذلك الإشراف على دورات حول التنصت والاستخبارات وبناء الجهاز الأمني السري وكتابة التقارير.
وتخلص الدراسة إلى أن جماعة “الإخوان ” تعتمد في مشروعها العام للتمكين، على “أجهزة أيديولوجية” تقوم بالنشاط “الناعم” وأجهزة “قمعية” تشكل الرافد الخشن والعنيف للنشاط السياسي، وهذه الثنائية القائمة على الموازنة بين القوة والسياسة، حالها حال ثنائية توازن أخرى تحكم الجماعة من نشأتها، كالسرية والعلنية، والتي تبدو للوهلة الأولى شديدة التناقض، لكنها في الواقع شديدة الانسجام مع المنهج المزدوج للجماعة والقائم أساساً على مبدأ “التَقية” بمعناها السياسي،شبيه بالماسونية..