أخبار العالمأوروبابحوث ودراسات

الأمن والتغيّرات المناخية

اعداد رباب حدادة :قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

مثلت قمة المناخ بغلاسكوCOP26 التي انتهىت حديثا بعد اعمال دامت اسبوعين،اهم تجليات التقارب المتواصل بين الامن والتغيرات المناخية ولكن بشكل اكثر جدية ووعيا على مستوى القيادات العسكرية وصناع القرار السياسي في العالم.

فمتى ظهر هذا الرابط بين الأمن والتغيرات المناخية؟

وماهي أهم تبعات التغيرات المناخية عي السلم في العالم ؟

ماهي المناطق الاكثر تضررا؟

وكيف تعاملت الدول مع هذا التجدي الامني الجديد؟

1/ نشأة الصلة بين الامن الدولي والتغيرات المناخية

ظلت الدراسات الاستراتيجية للامن الدولي تركز فقط على مفاهيم الحرب والسلم دون الاخذ بعين الاعتبار بضرورة ادماج العوامل البيئية،حتى أواخر التسعينات،حين بدا الخبراء باستشراف تبعات التغير المناخي على السلم والامن الدوليين لكن القضية لم تأخذ على محمل الجدوأعتبرت من القضايا الهامشية من قبل الطبقة السياسية وبقي الاهتمام مسلطا من قبل الخبراء والاكادميين فقط.

ولعل خبراء الجيش البحري الامريكي أول من بادر بالتحذير من مخاطر التغير المناخي على القدرات العسكرية البحرية وكان ذلك في أواخر التسعينات.

مع مطلع القرن الواحد والعشرين بدأت الدول بمحاولات فردية لادراج المتغيرات المناخية وتبعاتها كعامل مؤثر في الاستراتيجيات الامنية خاصة الدول الاوروبية وكانت فرنسا من أول المبادرين.

على المستوى الدولي ظهر هذا المحور في أعمال مجلس الأمن لأول مرة في17 أفريل 2007 عندما ترأست بريطانيا في تلك الفترة أشغال مجلس الأمن وفتحت المجال لأول نقاش في هذا الفرع السياسي للمنظمة الاممية بالرغم من أن أغلب الاعضاء المشاركين أعتبروه نقاشا غير ضروري، الى أن تم في 2011 اعتراف فعلي من مجلس الامن بالقضية، التي اعتبرتفيه التغيرات المناخية تهديدا للأمن والاستقرار وخاصة تعتبر قضية أمن قومي يشمل كل المجالات الانسانية.

منذ ذلك والاهتمام الدولي بتأثير التغير المناخي على السلم الدولي يزداد اذ نظمت باريس في 2015 قبل اشهر من COP21 ملتقى دولي لوزراء الدفاع في العالم حول التغير المناخي،تبعهه لقاء مماثل احتظنته المغرب في 2016.

وفي 2018 تم رسميا تأسيس وحدة خاصة داخل منظمة الامم المتحدة  سميت” Climate Security Mechanism” ومهمتها تحديد الحلول  واعداد منظمة الامم المتحدة للاستجابة للمخاطر الأمنية لتغير المناخ.

وتعد السنة الحالية نقلة هامة في المعالجة السياسية لتبعات التغير المناخي على الامن الدولي، أول المبادرت في هذه السنة كانت من قبل ادارة بايدن التي نشرت قرار تنفيذي تم فيه الاعتراف بتغير المناخ كخطر مهدد للامن القومي.

قمة مجموعة العشرين G20بروما كذلك التي انتظمت في شهر اكتوبر وكان محورها “تبعات ظاهرة التغير المناخي، وفيروس كورونا”.

ونظمت المملكة العربية السعودية بعد عدة ايام من قمة مجموعة العشرين قمة دولية جمعت القادة السياسيين في العالم والمنطقة وهي قمة معنية بالتغير المناخي تحت اسم The” Middle East Green Initiative Summit  تمت بمادرة من ولي عهد المملكة العربية السعودية والهدف منها تأمين 39 مليار ريال (10.4 مليار دولار أميركي) لصندوق استثماري ومشروع للطاقة النظيفة كجزء من الجهود الرامية إلى الحد من الانبعاثات الكربونية الإقليمية.

ثم جاءت  قمة المناخ 26COP لتتوج كل هذه المبادرات وتفسح المجال لتعبير عن وعي دولي جماعي بتبعات التغييرات المناخية على كافة المجالات وعلى الامن والسلم الدولي خصوصا.

فبالتوازي مع مؤتمر قمة زعماء العالم الذي عقد خلال اليومين الأولين من6COP2، عُقد في 2 نوفمبر حدث بعنوان “المناخ والسلام والاستقرار: عرض للمخاطر من خلال مؤتمر تغير المناخ وما بعده”.

وتميز الحدث، الذي نظمه مركز الفكر الألماني أديلفي ومؤتمر الأمن في ميونيخ، بالتعاون مع لكسمبرغ والإمارات العربية المتحدة، بحضور جينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي.

وفي تحليل لحضور الامين العام لحلف الناتو تقول صوفيا كاباج، الباحثة بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بفرنسا ” يشكل وجود ستولتنبرغ في COP26 جزءاً من تصاعد القضايا الأمنية المتعلقة بتغير المناخ والحاجة إلى معالجتها على أعلى المستويات الدبلوماسية والعسكرية، سواء على المستوى الوطني، على المستوى الأوروبي أو الدولي.

 وعلاوة على ذلك، يبدو تخفيض المؤسسة العسكرية انبعاثاتها من غازات الدفيئة ومسألة تكييف قواتها العسكرية مع عالم أكثر دفئا أصبح حاجة ملحة سلطت اهتمام المؤسسات العسكرية على قمة المناخ.”

2/ المخاطر الامنية الناجمة عن التغيرات المناخية

تبعات التغيرات المناخية ألقت بظلماتها على كل العالم، غير أن الوضع يصبح أسوا على المستوى الامني في المناطق الهشة،التي تعاني بطبيعتها من مناخ قاسي وكذلك نزاعات مسلحة، وهما منطقتي افريقيا والشرق الاوسط المصنفتان كمناطق هشة مناخيا” climate‑vulnerableregions”.

بالنسبة لدولة كالصومال ينتج التغير المناخي ظواهر طبيعية متطرفة كتتالي مواسم من الفياضانات او الجفاف،ما يهدد الامن الغذائي في الصومال التي عانت المجاعات القاسية في فترات مختلفة لعل أسوئها كانت في 2017، حين أثر الجفاف الحاد على أكثر من نصف سكان الدولة، ووفاة اكثر من 120 شخص في منطقة باي وحدها، وذلك نتيجة جفاف منابع المياه وتحول ما تبقى منها الى مياه غير صالحة للشرب بالاظافة الى نقص الاغذية.

التغيرات المناخية سبب مباشر كذلك في تقلص الموارد المائية او ما يصطلح عليه بشح المياه”Water Shortage” في العالم وفي افريقيا، وأفضل مثال انحصار بحيرة التشاد  الى عشر مساحتها الطبيعية بسبب الانحباس الحراري، وتمثل مصدر الحياة في المنطقة المعروفة بحوض بحيرة التشاد والتي تشمل كل من التشاد والكامرون والنيجر ونيجيريا.

حيث أدى انحصار مياه البحيرة الى نزوح ملايين السكانبسبب الجفاف وندرة مواطن العمل، فالاراضي الفلاحية أصبحت قاحلة ما يدفع بالسكان الى النزوح الى مناطق اما اكثر خصوبة او مناطق حضرية تتوفر فيها مواطن شغل غير النشاط الزراعي.

تيارات النزوح الداخلي وكذلك اللجوء بسبب الكوارث الطبيعية تتزايد واصبحت رهان امني وسياسي للحكومات المظيفة تثقل ميزانياتها ففي 2020 بلغ عدد النازحين بسبب التغيرات المناخية في العالم قرابة 30 مليون و90 بالمائة منهم لاجئين من دول تعاني الى جانب الازمات البيئية أزمات أمنية بسبب الحروب الداخلية او نشاطات التنظيمات الارهابية.

فانحصار البحيرات وجفاف الاودية ادى الى تنشيط وتمدد الجماعات الارهابية التي الى جانب سيطرتها على منابع المياه فانها تستغل انتشار الجوع وافتقاد مواطن الشغل من استقطاب مزيدا من المجندين، وهو ما تفعله كل من حركة الشباب في الصومال وبوكو حرام في منطقة حوض بحيرة التشاد حيث تتركز هذه التنظيمات في مناطق خصبة قرب منابع المياه من أجل ضمان سيطرتها على السكان واستقطاب اطفالهم وشبابهم.

خلال بضع عقود ندرة الموارد المائية وتأثير التغيرات المناخية على الانشطة الزراعية لن تهدد الامن الغذائي لبعض الدول الافريقية فقط بل ستخلق ازمة عالمية فحسب التقرير الذي اصدرته منظمة اليونسكو في مارس 2021 فان العالم سيواجه بحلول عام 2030 نقصا شاملا للمياه يقدر بنسبة 40% وقد تتفاقم النسبة ما يجعل “الذهب الازرق” السبب الرئيسي في الحروب المستقبلية وليس “الذهب الاسود”.

كل هذه المخاطر المتفاقمة لم تعد تقبل مزيدا من التأجيل او التجاهل والاثار التي كانت بعيدة المدى اصبحت اليوم واقعا تسير فيه البشرية نحو مصير قاتم، وقد حدد انطونيو غوتيريش الامين العام للامم المتحدة ثلاث اولويات يجب ان تتصدر جدول اعمال الدول في تصديها لمخاطر التغيرات المناخية على السلم الدولي وذلك في ورقة عرضها  في النقاش المفتوح الذي عقده مجلس الأمن  في 23 سبتمبر 2021 حول “حفظ السلم والأمن الدوليين: المناخ والأمن”

طالب الامين العام للامم المتحدة قادة مجلس الامن الحاضرين بثلاث مطالب قائلا:

أولا نحتاج إلى التزام واضح وصادق من جانب جميع البلدان للحد من الاحترار العالمي إلى درجة حرارة 1.5 درجة مئوية لتجنب أشد الآثار الكارثية لتغير المناخ. ونحتاج مجتمعين إلى تخفيض الانبعاثات العالمية بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030.

ثانيا نحتاج إلى تحقيق تقدم في التكيف والمرونة، ومن الضروري أن تلتزم نسبة 50 في المائة على الأقل من التمويل المناخي على الصعيد العالمي ببناء القدرة على التكيف ودعم التكيف. وهذه الحاجة ملحة لأن تبعات التغيرات المناخية المتزايدة تذكرنا بذلك يوميا.وتقدر تكاليف التكيف السنوية في البلدان النامية بمبلغ 70 بليون دولار، ويتوقع أن تصل إلى 300 بليون دولار سنويا بحلول عام 2030.

ثالثا إن التكيف مع المناخ وبناء السلام يمكن وينبغي أن يعزز كل منهما الآخر. ففي منطقة بحيرة تشاد،على سبيل المثال، عززت مناهج الحوار لإدارة الموارد الطبيعية بشكل تعاوني، بدعم من صندوق بناء السلام، وفي غرب ووسط أفريقيا، مكنت المشاريع العابرة للحدود من الحوار وعززت إدارة أكثر شفافية للموارد الطبيعية الشحيحة، وهي عامل من عوامل السلام.

بعض الاعضاء القاريين في مجلس الأمن وهما الصين وروسيا ترفضان معالجة قضايا التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن الدولي ضمن أعمال مجلس الأمن لأن ذلك في تقديريهم يدخل ضمن صلاحيات باقي مؤسسات الأمم المتحدة كالجمعية العامة للأمم المتحدة وبرنامج الامم المتحدة للبيئة ” UNEP”.

وحسب موسكو العلاقة بين المناخ والأمن انما هي مسألة ثانوية ناجمة عن مشكل رئيس وهي أزمات التنمية المستدامة ويجد هذا الموقف دعما كبيرا من مجموعة الـ77 داخل منظمة الأمم المتحدة والتي هي تحالف لعدد كبيرا من الدول يتجاوز 130 دولة تشكلت بهدف دعم اقتصادياتها.

معالجة هذه الازمة تحتاج الى سنوات عديدة ولكن الأهم الكثير من الالتزام والوعي من صناع القرار السياسي، وبغض النظر أي جهاز أممي سيقود معالجة مخاطر المناخ على الأمن الدولي لابد من دعم دولي جماعي له.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق