“الأزمة الأوكرانية” : عثرة نحو الحرب العالمية الثالثة بشكلها الجديد
أوكرانيا: 22-02-2022
اعداد : فاتن جباري باحثة في قسم البحوث والدراسات السياسية والعلاقات الدولية
مراجعة واشراف: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
تختلف الأزمة الأوكرانية عن أي أزمة أخرى حدثت في العالم على مدار العقود الثلاثة الماضية، وتحديداً منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وذلك بالنظر إلى حجم التشابكات والتداخلات بها، حيث لا تقتصر أطرافها على الجانبين الروسي والأوكراني، بل تمتدّ لتشمل شريحة واسعة من دول العالم.
تداعيات هذه الأزمة طالت معظم دول العالم حتى قبل تحوّلها إلى حرب حقيقية، وقد دفع هذا الوضع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنّ العالم يعيش نسخة ثانية من الحرب الباردة.
وتتمثّل أبرز العوامل التي دفعت البعض إلى اعتقاد ذلك، في الحشود العسكرية الضخمة من قبل أطراف الأزمة، حيث حرص كل طرف منخرط في الأزمة الأوكرانية على تعزيز حضوره العسكري، على أمل تحقيق تفوّق عسكري على حساب الطرف المقابل إذا وقعت المواجهة العسكرية الفعلية أو على الأقل تحقيق هدف الردع يُضاف إلى ذلك وجود انسداد سياسي نتيجة فشل الجهود الدبلوماسية لحلّ الأزمة ومحاولة أطراف الأزمة التحكّم في سردية ومجرى الأحداث ومساهمة الأزمة الأوكرانية في وصول العلاقات الأمريكية الروسية إلى أدنى مستوياتها وانقسام شريحة واسعة من المجتمع الدولي إلى محورين وتطلُّع قوى إقليمية عديدة إلى الاستفادة من الغزو المحتمل ووجود تأثيرات سلبية كبيرة للأزمة على الاقتصاد العالمي.
وبوجه عامّ، من الواضح وجود جملة من العوامل والمعطيات التي تؤكّد مرور النظام الدولي بمرحلة دقيقة تكاد تكون مفصليّة، خاصةً أنّ الأزمة باتت معقّدة للغاية ويغذّي هذا التعقيد حالة التصلّب الموجودة في مواقف الأطراف المختلفة عوامل مفسّرة من هذا المنطلق، يمكن استعراض أبرز العوامل التي قادت البعض إلى الحديث عن وجود نسخة جديدة من الحرب الباردة في العالم في الوقت الحالي، في ضوء تفاعلات الأزمة الأوكرانية، وذلك على النحو التالي:
الحشود العسكرية الضخمة من قبل أطراف الأزمة حرص كل طرف منخرط في الأزمة الأوكرانية على تعزيز حضوره العسكري، على أمل تحقيق تفوّق عسكري على حساب الطرف المقابل إذا ما وقعت المواجهة العسكرية الفعلية، أو على الأقل تحقيق هدف الردع للخصم. وفي هذا الإطار، قام الجانب الروسي بحشود عسكرية ضخمة قرب حدود أوكرانيا، فضلاً عن القيام بمناورات عسكرية كبيرة.
وفي المقابل، حرصت أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون على تعزيز دفاعاتهم في مواجهة الغزو الروسي المحتمل.
وعلى سبيل المثال، قام حلف شمال الأطلسي “الناتو” في الأيام الأخيرة بتحركّات مكثّفة لمواجهة الخطر المتصاعد من جانب روسيا وتزايد احتمالية غزو أوكرانيا.
وتتمثّل أبرز المؤشرات الدالة على ذلك في تعزيز الحلف تطبيق برنامج “الوجود الأمامي المعزز”، الذي تمّ الاتّفاق عليه في قمّته لعام 2016، حيث تقوم دول الحلف بنشر قوّات إضافية في الدول المهدَّدة من جانب موسكو، فضلاً عن دعم الحلف لقوة الدفاع الجوي في شرق أوروبا، كما قامت بعض دول حلف الناتو بإنشاء جسر جوّي لنقل شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا.
الانسداد السياسي نتيجة فشل الجهود الدبلوماسية
عُقدت ثلاث قمم بين روسيا والغرب خلال شهر يناير الماضي على أمل التوصّل إلى حلّ للأزمة الأوكرانية ومنع تفاقم الأمور إلى صدام عسكري.
وبدأت هذه القمم بإجراء الولايات المتحدة وروسيا محادثات أمنية في جنيف، وأعقب ذلك انعقاد اجتماع مجلس روسيا–الناتو في بروكسل، كما توجه الدبلوماسيون إلى فيينا لحضور اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وقد جاءت نتائج القمم الثلاث متواضعة للغاية، حيث فشلت هذه القمم في إيجاد حلّ للخلافات الروسية الغربية .
ويمكن تفسير ذلك بمجموعة من العوامل، التي يأتي على رأسها تشبّث موسكو بشروطها لحلّ الأزمة الأوكرانية، حيث تطالب موسكو، الناتو بعدة أمور، من بينها التوقّف عن التعاون مع أوكرانيا، ومنح ضمان قانوني بأنّ أوكرانيا وجورجيا لن ينضمَّا أبداً إلى الحلف.
ويُضاف إلى ذلك، رفض حلف الناتو الانصياع للإملاءات الروسية، ورؤية موسكو وجود مماطلة غربية في المحادثات، والتهديدات المتبادلة من جانب روسيا والغرب بشأن عواقب قيام موسكو بغزو أوكرانيا، وتهميش أوكرانيا في المحادثات رغم كونها الدولة المحورية في الأزمة.
محاولة أطراف الأزمة التحكم في سردية الأحداث ومجراها
من الملاحظ، تطلّع أطراف الأزمة الرئيسيين إلى التحكّم في سردية الأحداث ومجرياتها، ويندرج هذا الأمر ضمن سعي كل طرف إلى تشكيل الرأي العام العالمي ضدّ الخصم، وذلك عبر تقديم معلومات بشأن الخطط والتحركات المتقابلة، والحرص على نفي وتكذيب المعلومات المضادّة بسرعة.
وعلى سبيل المثال، يدلل على المسعى الأمريكي إلى امتلاك رواية الأزمة الأوكرانية، تحذيرُ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، من أنّ موسكو قد تشنّ هجوماً كبيراً على أوكرانيا قبل نهاية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.
ولكن وحسب ما حدث البارحة والاعتراف الروسي بولادة دويلات جديدة في أوكرانيا زاد الوضع تصعيدا والخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي بوتين لا ينبئ بخير.. إنّما هو استعراض تصعيدي وفشل كبير للمساعي الاوروبية والفرنسية خاصّة.
في الدونباس هذا الإقليم الهامشي سابقًا، والمنزوي في الشرق الأوكراني سيسجّل له التاريخ لاحقًا، أنّه اعتبارا من فجر اليوم وعلى وقع تدفّق أرتال الآليات العسكرية الروسية ومرحها في شوارع دونيتسك سيصبح المسرح الذي يتشكّل عليه نظام عالمي جديد .
وعمليّا انتهت دولة أوكرانيًا، فالدونباس الذي أصبح مسرح للعمليات السياسية والعسكرية للأزمة، سيمثّل الحلقة المركزية للعقد الذي سينفرط تباعًا بأسرع مما يتوقّع أحد.
ويمكن اعتبار روسيا “البوتينية” قد دخلت إلى العبث الخشن بالخرائط المستقرّة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، وليس في نيّتها الخروج قريبًا، ويمكن اعتبار بوتين اليوم قد بدأ في تنفيذ وعوده واسترجاع القوّة السوفياتية بشكلها الجديد والاعلان المباشر على ربح جولة هامّة من الحرب ونهاية أوروبا وخاصّة الحلف الأطلسي، الذي هيمن ودمّر دولا وشرطي العالم الولايات المتحدّة الأمريكية تقف عاجزة وبدأت الأمور تفوتها وتتجاوزها.
العالم إلى أين؟