أخبار العالمإفريقيا

اقتراب_آمن: أثيوبيا تفتح أبواب الحرب الأهلية من جديد !

خالد عكاشة- باحث ومحلل سياسي مصري22-8-2021

لم يقف الكثيرون أمام إعلان حكومة آبي أحمد في يونيو الماضي؛ وقف اطلاق النار أحادي الجانب مع “جبهة تحرير تجراي” التي ظلت تقود القتال منذ نوفمبر 2020، في مواجهة الجيش الفيدرالي الأثيوبي وحلفاءه من القوات الارترية والقوة العسكرية المحلية لإقليم “الأمهرة”. تماما كما ينظر لما جرى الإعلان عنه قبل أيام بالدعوة إلى فتح أبواب التطوع، للانتظام في صفوف الجيش الاثيوبي بأديس أبابا وحمل السلاح، حيث تقوم السلطات الحكومية في أنحاء البلاد بالتعبئة للالتحاق بالقتال، من خلال مسيرات خرجت تدعو المواطنين إلى تسجيل أسمائهم في كشوف المقاتلين. مما يفهم ضمنا أنه قرار باستئناف القتال مرة أخرى دون تحديد للجبهة، التي يعتزم آبي أحمد الخوض فيها خلال الفترة القادمة !

الثابت عمليا أن القتال لم يهدأ منذ الإعلان الأول في نهاية يونيو وصولا إلى القرار الثاني، الذي يعد بمثابة انقاذ ما يمكن انقاذه من تدهور فادح أصاب محور أديس أبابا وحلفاءها، فما بدأ الحديث بشأنه في الاعلام الدولي وما كان سببا في ممارسة ضغوط مباشرة على أديس أبابا بوقف فوري للقتال في اقليم تجراي، هي الاكتشافات المروعة في المناطق القريبة من الحدود الأثيوبية السودانية، والتي ألقت أضواء كاشفة على ملامح الفظائع الأخيرة التي استمرت تسعة أشهر بين القوات الفيدرالية الإثيوبية وحلفائها، وبين المقاتلين في منطقة تيجراي والتي ومنها بحسب عمال الاغاثة الدوليين الذين شاركوا في استعادة عشرات الجثث، أن مياة النيل جرفت ما لا يقل عن (40 جثة) على ضفة نهر شرق السودان في أسبوع واحد فقط، وفي أغلب تلك الحالات كانت على بعد بضع مئات من الأمتار فقط من الحدود مع إثيوبيا. المحققون الذين عملوا على هذا المشهد طوال شهر يوليو الماضي أكدوا إنه تم التعرف على عدد قليل من الجثث، لكن العديد منها تبين أنها تحمل وشوم تشير إلى أنهم من عرقية تيجراي، وأثبت في نتائج التحقيق أن العديد منهم يحملون علامات وفاة عنيفة، أو كانت أياديهم مقيدة خلف ظهورهم وتحمل أجسادهم جروح خطيرة، وبعضهم أصيب بالرصاص.

سلطت تلك الحقائق التي خرجت من معسكر اللاجئين الموجود بداخل الأراضي السودانية، والتي وصل النازحين إليه إلى ما يقارب (40 ألف اثيوبي) فروا من ظروف معيشية تدفعهم إلى المجاعة الكاملة، فضلا عن التهديد الأمني البالغ جراء النيران والاعتداءات الجنسية والتعذيب البدني الذي لا يتوقف. إلى حد وصف الأمر بالمشهد المروع عبر كل من تواجد بداخل هذا المعسكر من منظمات إغاثة دولية، ومحققين والقليل من مندوبي وكالات الإعلام الدولية، في الوقت الذي نددت الحكومة الإثيوبية بالصور التي ظهرت ووصفتها بأنها مزيفة، معللة ذلك بأنها من تدبير خصومها في تيجراي لتشويه سمعة آبي أحمد.

وسريعا اتجهت إلى هذه المنظمات ومقار عمل البعض منها بداخل الأراضي الأثيوبية على الجانب الآخر من الحدود، حيث تصاعدت الاحتكاكات بين الحكومة الإثيوبية ووكالات الإغاثة الدولية، لحد الإعلان من مجموعتين إغاثة رئيسيتين هما الذراع الهولندي لـ”أطباء بلا حدود” والمجلس النرويجي للاجئين، إن السلطات الإثيوبية علقت عملياتهما لمدة ثلاثة أشهر، في الوقت الذي يحاولان فيه درء أزمة انسانية واسعة النطاق ومتشابكة الأبعاد، من نزوح وضحايا وأسر فقدت أراضيها وموارد رزقهم وذويهم “الرجال” بالأخص.

مما دفع منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الزائر “مارتن غريفيث” أن يهاجم النظام الأثيوبي من أديس أبابا العاصمة، معتبرا الاتهامات الإثيوبية التي وجهها الشهر الماضي أحد الوزراء، بأن مجموعات الإغاثة الدولية تساعد متمردي التيجراي كانت “خطيرة” ومؤسفة وتحمل قدر كبير من تزييف الحقيقة. فقد حذر مؤخرا برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة من نفاد المؤن الغذائية، بحلول الأسبوع القادم في تيجراي ومحيطها حيث يعاني بشكل مؤكد نحو (400 ألف) نسمة من ظروف المجاعة الكاملة.

اليوم يقدر مسؤولو الأمم المتحدة التي بدأت تقاريرهم تتكامل نسبيا حول تفاصيل الوضع الراهن، أن المئات من المدنيين قتلوا أيضا داخل إثيوبيا أيضا في إطار القتال على منطقة “الفشقة”، لكن حتى اليوم لم يصلوا إلى إحصاءات رسمية في الوقت الذي لم ترد فيه وزارة الخارجية الإثيوبية على أسئلة بشأن هذا النزاع الحدودي، وتقديراتهم تذهب إلى أن ملابسات ما يجري في هذه المنطقة تمثل أحد أهم التحديات العديدة التي تواجه آبي أحمد، باعتبار اشكالياتها العرقية والإثنية ترشحها لأن تكون نقطة تفجير للمنطقة.

في الوقت الذي تذهب فيه القوات الحكومية للغوص في أعمال قتالية مستعرة بإقليم “أمهرة” مما يعد مؤشرا اضافيا، أن اتساع دائرة الحرب صارت لا سقف لها في المستقبل المنظور على الأقل، فالقوات الفيدرالية التي فتحت باب التطوع مؤخرا جنبا إلى جنب مع القوات المحلية لإقليم “أمهرة”، منخرطة في الحرب مع حشود “التجراي” على ثلاث جبهات مختلفة بتخوم الإقليم. فمما تخطط له القوات الفيدرالية أن تظل كل الطرق المؤدية إلى إقليم تيجراي مغلقة من جهتي الغرب والجنوب حيث إقليم أمهرة، أما الطريق الوحيد المؤدي إلى تيجراي من الشرق عبر إقليم “العفر” فقد انقطع الأسبوع الماضي مؤقتا بعد مجموعة هجمات مكثفة، وهو نفسه الطريق الذي شهد هجوما على قافلة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي مما حال دون دخول أية مساعدات انسانية عبره.

هذا المخطط لم يثبت جدواه حتى الآن على الأقل، فالأمهرة وبجانبهم القوات الفيدرالية تعرضوا مؤخرا لانكشاف كبير، بعد سيطرة قوات التجراي على مدينة وموقع “لاليبيلا” التاريخي المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عمق مناطق الأمهرة. وقد اتخذت قوات التجراي هذه الخطوة المفاجئة ذات الدلالة باعتباره موقع مقدس لملايين المسيحيين الأرثوذكس، خاصة مع وجود عدد من كنائس كبرى محفورة في الصخر تعود إلى القرن الثالث عشر. وقد رفض التجراي الاستجابة لدعوات كثيرة تدعوهم للانسحاب، إلا بعد رفع الحصار عن إقليمهم، باعتبار هذه القيود تحد بصورة خانقة من وصول المساعدات الانسانية للسكان. ومما جرى فيما

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق