افريقيا القارة الجاذبة لأكبر القوى الدولية…. تونس علاقات ديبلوماسية ضعيفة
عادل الحبلاني-باحث بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية اولعسكرية بتونس
لعبت الدولة التونسية دورا هاما في المحافل الافريقية وكان حضورها لافتا في أغلب التظاهرات تقريبا منذ تأسيس دولة الاستقلال إلى زمن غير بالبعيد، حيث تجلى ذلك بخاصة في الدور النشيط والحيوي الذي لعبته في الاعداد لمؤتمر أديس أبابا 1963 والذي كان بدوره اللبنة الأولى لنشأة منظمة الوحدة الافريقية ومثل تباعا الترجمة العملية لديناميكية الديبلوماسية التونسية في إفريقيا ومن وراءها العلاقات التونسية الافريقية التي عرفت تشابكا وتداخلا ومصالح اقتصادية مشتركة.
إلا أنه وبالعودة على مراحل تقهقر العلاقات التونسية الافريقية، لا نتيجة أزمات بعينها وإنما نتيجة خيارات سياسية واستراتيجية سنبين جدواها في مراحل متقدمة، أصبح من الضروري اليوم إعادة النظر السياسي والاستراتيجي في العلاقات التونسية الافريقية سيما في ظل المتغيرات الدولية والاقليمية أمرا أكيدا وأصبح مزيد تشبيك العلاقات الاقتصادية حاجة استراتيجية أكيدة تدعمها مصالح الدولة التونسية في ظل الطفرة التي تعيشها قارة افريقيا.
تاريخية الديبلوماسية التونسية الافريقية بين الديناميكا والتقهقر ؟
هل من ضرورة لمزيد مراجعة السياسة الخارجية للدولة التونسية في ظل المتغيرات العالمية الكبرى ؟
تاريخ الديبلوماسية التونسية في افريقيا
أبدت الدولة التونسية منذ الاستقلال حسن نواياها الديبلوماسية مع الدول الإفريقية وكان ذلك إما في إطار العلاقات الثنائية أو داخل الإطار الأشمل والأوسع الاتحاد الإفريقي الذي لعبت فيه الديبلوماسية التونسية دورا رياديا إبان تشكله، وكان ذلك على جميع الأصعدة وفي العديد من المجالات ذات الطابع السياسي و الاقتصادي والاستراتيجي.
المستوى السياسي
عملت السياسة الخارجية للدولة التونسية على تكريس سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية ورفض كل شكل من أشكال الهيمنة، مع التمسك بالشرعية الدولية، ومساندة القضايا العادلة والدفع نحو تسوية النزاعات بالطرق السلمية، و المحافظة في كل الخطوات على دعم مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، إيمانا بضرورة بناء علاقات تونسية إفريقية تقوم على السلام الدائم بين دول القارة والتأكيد على تمسك الدولة التونسية بانتمائها الافريقي حيث دأبت منذ الاستقلال على ايلاء قدر كبير من الاهتمام بمشاكل القارة وشواغلها وشواغل شعوبها.
المستوى الديبلوماسي
سعت الدولة التونسية منذ الاستقلال إلى تحقيق أهداف استراتيجية تعزز من وراءها العلاقات السياسية والاقتصادية وتوسيع دائرة نشاطها لتغطي أكبر قدر من المجلات وذلك من خلال تبادل الزيارات على أعلى مستوى وعقد وإبرام الشراكات والاتفاقيات وتحفيز التعاون في العديد من الميادين وخاصة منها تمكين الطلبة الأفارقة من منح تخول لهم الدراسة في تونس ترويجا للبلاد التونسية ودعاية لها مستقبليا وفق استراتيجية تجعل من تونس وجهة لعديد الدول الافريقية، الأمر الذي عجل واقتضى تباعا فتح قنصليات وسفارات وتكثيف للحضور الديبلوماسي بنية مزيد تمثيل الدولة والترويج لمنتجاتها الاقتصادية والحرفية وتعميق وتجذير الشراكات بين القطاعات القارية الخاصة والعامة.
لكن ليس من الخافي بما كان أن استراتيجية دولة الاستقلال التي كانت تهدف إلى استغلال العوامل الجغرافية والسياسية لمزيد تأصيل مكانتها في القارة الافريقية شهدت تقهقرا وتراجعا ملحوظا خاصة في أواخر الثمانينات، وتعاني اليوم ضبابية وغياب لرؤية استراتيجية قادرة على الخروج من الهامش والتواجد بكثافة ونجاعة وفعالية وجدوى في ظل انتعاشه اقتصادية غير مسبوقة لدول افريقيا من جهة ومتغيرات اقليمية ودولية فتحت الباب على العديد من المراجعات في السياسة الخارجية والديبلوماسية التونسية.
استراتيجية الهامش
في الوقت الذي تسعى فيه كل دول العالم وخاصة منها الدول الاقليمية لإبرام اتفاقيات وشراكات واستغلال للوفرة الطاقية و الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه القارة الافريقية خاصة في ظل المتغيرات السياسية العالمية الكبرى والأدوار الجديدة التي تلعبها العديد من الفواعل الدولية، تعاني الديبلوماسية التونسية كأداة من بين أدوات السياسة الخارجية شبه تعطل في القارة الافريقية وغياب لرؤية واضحة قادرة على تنشيط العلاقات بينها وبين دول قارة إفريقيا، وقد تجلى ذلك خاصة في غياب الدولة التونسية الواضح عن التكتلات الاقتصادية على مستويات إقليمية كالسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا وشبه الحضور في تجمع دول الساحل والصحراء, التكتلان الاقتصاديان الأكبر في إفريقيا واللذان يمثلان انعكاسا لاستراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية بين الدول الافريقية الأعضاء.
ولعل ما يؤكد ذلك بأكثر وضوح وإسهاب هو انتظار الدولة التونسي لأكثر من 24 سنة للانضمام إلى السوق الاقتصادية لشرق وجنوب افريقيا ( كوميسا) باعتباره ثاني أهم تجمع بعد تجمع دول الساحل والصحراء، والذي يتوفر بدوره على سوق استهلاكية جاوزت 406 مليون نسمة وبحجم مبادلات تجارية هائل.
تكتلات اقتصادية بهذا الحجم لم تكن ضمن حسابات السياسة الخارجية للدولة التونسية ويظل إلى اليوم مجرد حضوري خاوي ورمزي أو لنقل شرفي ويعود ذلك تبعا لإحصائيات منظمة التجارة العالمية وقاعدة البيانات التابعة للسوق المشتركة لدول شرق وجنوب افريقيا، ذلك أن حجم الصادرات التونسية الموجهة لدول هذه التكتل (كوميسا) لم تتجاوز 1.7 بالمئة من اجمالي الصادرات التونسية إلى بقية دول العالم، في حين أن الواردات لم تتجاوز 0.5 من اجمالي واردات الدولة التونسية من مختلف شركائها في العالم.
تمثل هذه الأرقام عقما في السياسة الخارجية للدولة وتؤكد تباعا على الحضور الهامشي، خاصة وأن السوق الافريقية اليوم هي سوق نشطة وتعتبر من بين أكثر الأسواق استهلاكا، الأمر الذي حولها إلى سوق تنافسية من الدرجة الأولى بين قوى إقليمية ودولية على غرار فرنسا أمريكا، الصين والإمارات وتركيا…
إن غياب الدولة التونسية وعدم حضورها بالشكل المطلوب يعود بالضرورة إلى قصور في الرؤية السياسية الخارجية للدولة ويحملها المسؤولية المباشرة في تقصيرها في قسط هام ألا وهو غيابها في السوق الافريقية، حيث كان من الحري تبعا للموقع الاستراتيجي للدولة التونسية
أن تؤسس لخطة عملية تستهدف من خلالها التأصيل لعلاقات سياسية واقتصادية وتجارية وان تقوم بتفعيل كل أدواتها الديبلوماسية ومزيد توسيع رقعة التمثيليات الديبلوماسية في أغلب دول إفريقيا لا أن تقتصر على 7 ممثلين فقط، ناهيك عن ضرورة تقوية العلاقات مع القادة الأفارقة وتكثيف الزيارات الحكومية واستقبال الوفود من الجهتين، بهدف بحث السبل لإبرام أكبر قدر ممكن من الشراكات والاتفاقيات على جميع المستويات، بالإضافة إلى ضرورة إحداث خطوط جوية وخط بحري مباشر إلى بلدان غرب افريقيا ليحولها إلى حلقة فعلية للربط والوصل بين قارة إفريقيا والدول الغربية.
كل هذه العوامل جعلت من تواجد الدولة التونسية في القارة الافريقية وضمن تكتلاتها الاقتصادية والتجارية, تواجدا هامشيا لا يستوفي الشروط الحقيقية للسياسات الخارجية للدول التي تبحث عن مصالحها الاستراتيجية الفعلية خاصة في الطاقة و سوق المال والأعمال في القطاع العمومي والقطاع الخاص وجعلت من كل المبادرات الفردية والخاصة وحتى العمومية منها تتعرض لصعوبات مختلفة ومعقدة, نعتقد أن مفاتيحها بين أيدي الدولة وحسن تدبرها في سياساتها الخارجية واستراتيجياتها طويلة المدى وفهمها للمتغيرات العالمية التي تفترض مراجعات للسياسات الخارجية ومزيد تطوير أدواتها الديبلوماسية.