استراتيجية الأمن في تجنيد ميليشيات منخفضة التكلفة تنعكس كارثة في إفريقيا
قسم الأخبار الدولية 16/12/2024
شهدت السنوات الأخيرة لجوء عدد من الدول الإفريقية إلى استخدام استراتيجيات أمنية تعتمد على تجنيد ميليشيات محلية بأسلوب “المرتزقة منخفضي التكلفة”، بهدف التعامل مع التحديات الأمنية مثل الإرهاب، والتمرد المسلح، والنزاعات العرقية. ورغم أن هذه الاستراتيجية تبدو جذابة من حيث التكاليف والفعالية السريعة، إلا أن تداعياتها أظهرت أنها تحمل مخاطر طويلة الأمد، وأصبحت مصدرًا لعدم الاستقرار في القارة.
خلفية انتشار هذه الاستراتيجية
لجأت العديد من الحكومات الإفريقية، التي تعاني من نقص الموارد وضعف الجيوش النظامية، إلى تشكيل ميليشيات محلية أو الاعتماد على الجماعات المسلحة للقيام بمهام الأمن. ويأتي ذلك في إطار محاولة احتواء الأزمات بسرعة ودون الحاجة إلى إنفاق كبير على تدريب وتسليح الجيوش التقليدية.
ومن بين الأمثلة البارزة على ذلك، استخدام ميليشيات محلية لمواجهة الجماعات الإرهابية مثل “بوكو حرام” في نيجيريا أو “حركة الشباب” في الصومال، وكذلك توظيف جماعات مسلحة في النزاعات الأهلية في بلدان مثل جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان.
تداعيات كارثية على المدى الطويل
- تفاقم العنف والفوضى:
غالبًا ما تفتقر هذه الميليشيات إلى التدريب والانضباط، مما يؤدي إلى ارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين، مثل القتل الجماعي، والاعتداءات، وعمليات النهب. وبدلاً من تهدئة الأوضاع، يؤدي ذلك إلى إشعال مزيد من النزاعات وتعميق الكراهية بين المجتمعات. - ضعف سيطرة الدولة:
يساهم الاعتماد المفرط على الميليشيات في تآكل سلطة الدولة، حيث تزداد قوة ونفوذ هذه الجماعات لتصبح خارج نطاق السيطرة. وفي بعض الحالات، تتحول الميليشيات إلى جهات فاعلة مستقلة، تتحدى الحكومات أو تفرض أجنداتها الخاصة. - انتشار الأسلحة وسوء الإدارة الأمنية:
يؤدي تسليح الميليشيات إلى انتشار واسع للأسلحة في المجتمعات، مما يزيد من احتمالية نشوب نزاعات جديدة أو تصعيد الصراعات القائمة. كما يساهم ذلك في تعقيد جهود نزع السلاح وإعادة الدمج بعد انتهاء الأزمات. - التأثيرات الاقتصادية السلبية:
في حين أن تجنيد ميليشيات يُنظر إليه كخيار منخفض التكلفة، فإن التكلفة البعيدة تشمل تدمير البنية التحتية، وتعطيل الاقتصاديات المحلية، وتفاقم الفقر، مما يؤدي إلى أزمات اقتصادية ممتدة.
أمثلة حديثة على الفشل
- الساحل الإفريقي:
في بلدان مثل مالي وبوركينا فاسو، أدى الاعتماد على ميليشيات محلية لمواجهة التمردات المسلحة إلى زيادة الانقسامات العرقية. وأصبحت هذه الجماعات نفسها هدفًا للانتقام، مما وسّع دوائر العنف بدلًا من احتوائها. - نيجيريا:
استخدمت الحكومة النيجيرية ميليشيات محلية لمحاربة جماعة “بوكو حرام”، إلا أن بعض هذه الميليشيات أصبحت لاحقًا مصدرًا لتهديدات أمنية جديدة بسبب ولاءاتها المتقلبة وممارساتها العنيفة.
دعوات لحلول مستدامة
تؤكد المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، على أهمية بناء جيوش نظامية مهنية وقوية بدلًا من الاعتماد على الميليشيات، مع التركيز على التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية كجزء من استراتيجية شاملة للتصدي للعنف وعدم الاستقرار.
يظهر الاعتماد على ميليشيات منخفضة التكلفة في إفريقيا كإجراء سريع وغير مكلف لمعالجة الأزمات الأمنية، ولكنه ينطوي على تكلفة باهظة على المدى البعيد. وبدلًا من تحقيق الاستقرار، يؤدي إلى نتائج عكسية تضر بالمجتمعات والدول على حد سواء. لذلك، يحتاج صناع القرار في القارة إلى إعادة تقييم هذه الاستراتيجية والتركيز على بناء مؤسسات أمنية قوية ومستدامة.