أخبار العالمإفريقيابحوث ودراسات

ارتفاع أسعار النفط: فرصة ذهبية للاقتصاد الليبي أم رقم جديد في دفاتر العجز؟

تشهد أسواق النفط العالمية مؤخرًا ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار، مدفوعًا بمخاوف متصاعدة من احتمال فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على روسيا، الأمر الذي يعيد رسم ملامح العرض العالمي للنفط. فقد سجل خام برنت 70.48 دولارًا للبرميل، فيما بلغ خام غرب تكساس الوسيط 68.55 دولارًا، في ارتفاع تراكم فوق مكاسب تجاوزت 2% الأسبوع الماضي.

لكن ما يهمنا كليبيين، ليس الرقم فحسب، بل أثره المباشر على اقتصادنا الهش، القائم على النفط وحده دون تنويع حقيقي.

فهل تمثل هذه الزيادة فرصة اقتصادية؟

أم أنها مجرد موجة مؤقتة ستتبخر كما تبخرت مليارات السنوات الماضية؟

النفط: المصدر الوحيد والحاكم

يعتمد الاقتصاد الليبي بنسبة تتجاوز 95% على صادرات النفط، وبنسبة 98% على العملة الصعبة المتأتية من بيع الخام. ووفقًا لأرقام مصرف ليبيا المركزي، فقد بلغت الإيرادات النفطية للنصف الأول من عام 2025 نحو 11.6 مليار دولار.

ومع كل دولار إضافي يضاف إلى سعر البرميل، تدخل الخزينة الليبية قرابة 250 مليون دولار شهريًا.

هذا يعني أن استمرار الأسعار في حدود 70 دولارًا للبرميل، مع محافظة المؤسسة الوطنية للنفط على إنتاج مستقر عند 1.2 إلى 1.3 مليون برميل يوميًا، قد يسفر عن فائض سنوي يتجاوز 2 مليار دولار مقارنة بالتقديرات الأولية المبنية على سعر 60 دولارًا للبرميل.

اقتصاد مأزوم وفرصة للانتعاش

ارتفاع الإيرادات يعني ببساطة :

  • تقليص عجز النقد الأجنبي الذي بلغ مؤخرًا نحو 5 مليار دولار.
  • تخفيف الضغط عن احتياطيات الدولة من العملة الأجنبية.
  • إمكانية تمويل الاعتمادات المستندية دون تأخير أو قيود.
  • استقرار نسبي في سعر الصرف، خصوصًا في السوق السوداء.

لكن كل ذلك سيظل “رقمًا جميلًا على الورق” إذا لم ترافقه رؤية اقتصادية فعلية. فالعبرة ليست بحجم الأموال التي تدخل، بل بكيفية إدارتها وتوجيهها.

التحديات لا تزال قائمة

من أبرز التحديات التي تعوق الاستفادة من الطفرة السعرية:

  • عدم استقرار الإنتاج نتيجة النزاعات الداخلية، إذ يمكن أن ينخفض من 1.2 مليون إلى أقل من 600 ألف برميل في أي لحظة.
  • الفساد المؤسسي الذي يلتهم جزءًا كبيرًا من العائدات دون أثر تنموي ملموس.
  • غياب المشاريع الإنتاجية غير النفطية، ما يجعل كل دخل إضافي عرضة للاستهلاك أو التهريب أو التكديس.
  • نظام الدعم غير الفعال الذي يستهلك أكثر من نصف الميزانية دون أن يحسن حياة المواطن.

المطلوب الآن: تحويل العائدات إلى استثمارات وطنية

إذا أرادت ليبيا أن تحوّل هذه الزيادة في أسعار النفط إلى رافعة حقيقية لبناء اقتصاد مستقر، فإن عليها اتخاذ خطوات عاجلة:

  • تأسيس صندوق سيادي مستقل لإدارة الفوائض النفطية.
  • إطلاق حزمة إصلاحات اقتصادية حقيقية، تبدأ بإعادة هيكلة الدعم، ووقف نزيف الإنفاق الريعي.
  • الاستثمار في البنية التحتية، خاصة في مجالات الكهرباء، التحلية، الاتصالات، والزراعة.
  • تحقيق العدالة في توزيع الثروة بين المناطق، بما ينهي الصراعات حول “من يتحكم في صمام النفط؟”.

الخلاصة:

ما يحدث في سوق النفط اليوم ليس مجرد موجة أسعار عابرة، بل نافذة ضيقة قد لا تتكرر قريبًا. وإذا لم تحسن الدولة الليبية – حكومة ومصرفًا ومؤسسات رقابية – استثمارها، فسنكرر المأساة نفسها التي تكررت منذ السبعينيات: فورة دخل، تتبعها فورة فساد، فاختناق اقتصادي، ثم انهيار اجتماعي.

الكرة الآن في ملعب صانعي القرار، والأمل أن لا تضيع فرصة أخرى من بين أيدي الليبيين، كما ضاعت عشرات الفرص قبلها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق