إيران تستنزف الدرع الإسرائيلي بتكتيك الإغراق الصاروخي وتفكك عقيدة الردع

قسم الأخبار الدولية 19/06/2025
كثّفت إيران خلال يونيو 2025 من استخدام تكتيك “الإغراق الصاروخي” ضد إسرائيل، مطلقة رشقات متتالية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، في هجمات تهدف إلى تجاوز قدرة أنظمة الدفاع الإسرائيلية على الاعتراض. هذا الأسلوب لا يهدف فقط إلى تدمير أهداف محددة، بل يسعى إلى إنهاك شبكة الدفاع الجوي الإسرائيلية واستنزاف مخزونها من الذخيرة الاعتراضية.
تجاوز معدل إطلاق الصواريخ الإيرانية 65 صاروخًا باليستيًا يوميًا، مستهدفًا مراكز حيوية في تل أبيب وبئر السبع والقدس وحيفا، مع إدخال أسلحة متطورة غير مسبوقة في ساحة المعركة، مثل صواريخ “فتاح” الفرط صوتية و”سجيل” بعيدة المدى، ومسيرات انقضاضية مزوّدة برؤوس خارقة. هذه الأسلحة صُممت لتعقيد مهمة الرادارات الإسرائيلية وإرهاق مشغليها، ما جعل منظومات “آرو” و”مقلاع داوود” و”القبة الحديدية” في سباق مستمر مع الزمن والقدرة التشغيلية.
أمام هذه التحديات، شهدت الطبقة العليا من منظومة الدفاع – المتمثلة في صواريخ “آرو-3” – انخفاضًا حادًا في المخزون، ما دفع القيادات العسكرية إلى استخدامها فقط لحماية الأصول الاستراتيجية الكبرى. وتحمّلت منظومة “مقلاع داوود” العبء الأكبر، لكنها بدورها تعاني من تآكل سريع في الذخائر وتدهور تقني متزايد، يتجلى في إخفاقات متكررة في اعتراض الصواريخ وتأخّر في رد الفعل، ما اضطر الطواقم إلى إطلاق ما يصل إلى 12 صاروخًا اعتراضيًا على هدف واحد لزيادة فرص التدمير، في مؤشر واضح على تراجع الثقة بالفاعلية.
بالتوازي مع المواجهة العسكرية، تشنّ إيران حربًا استخباراتية متقدمة ضد محاولات الاختراق الإسرائيلي الداخلي، معلنة إحباط عشرات العمليات واعتقال شبكات مرتبطة بالموساد، وكاشفة عن ورش تصنيع مسيّرات ومتفجرات، بما يضيف إلى الصورة العامة بُعدًا أمنيًا داخليًا يرهق إسرائيل أكثر.
تحليل الأداء العسكري للطرفين يكشف أن التفوق النوعي الإسرائيلي في الدفاع لم يتمكن من الصمود أمام الكثافة العددية الإيرانية. فالتكتيك الدفاعي الإسرائيلي الذي يعوّل على تكنولوجيا فائقة بات مكشوفًا أمام استراتيجية إيرانية تقوم على الاستنزاف المنهجي. الفشل هنا ليس في الأداء الفني للصواريخ الاعتراضية، بل في العقيدة التي تفترض أن التكنولوجيا قادرة وحدها على ضمان الردع. في المقابل، نجحت إيران في تحويل الكمية إلى أداة نوعية فعالة، إذ جعلت من كل صاروخ تنطلقه إسرائيل دفاعيًا خطوة تقرّبها من لحظة العجز الكامل.
ومع تآكل المخزون الدفاعي، وانكشاف هشاشة الردع، تواجه القيادة الإسرائيلية خيارات صعبة: إما الانزلاق نحو تصعيد عسكري واسع قد يستدعي تدخلاً أميركيًا مباشرًا، أو الرضوخ لمعطيات ميدانية جديدة تفرضها معادلة الردع الإيرانية، والتوجه نحو تسوية سياسية تضمن وقف الانهيار الداخلي.
بهذا، تتحول معركة الصواريخ إلى معركة إرادات، حيث يُقاس النصر ليس بمن يسقط أكثر، بل بمن يبقى واقفًا في النهاية دون أن ينفد ذخيرته.