إعتقال الجنرال: الجنرال السفاح في سجن المقاومة
بقلم: عيسى قراقع
تونس 11-10-2023
اعتقل “الجنرال الصهيوني” قائد قطاع الجنوب المدعو “نمرود الوني” مع مئات الاسرى الاسرائيليين خلال “طوفان الاقصى” الذي اجتاح المستوطنات الاسرائيلية يوم 7-10-2023، في ملحمة بطولية واسطورية ستبقى خالدة في ذاكرة التاريخ الانساني، هذا الجنرال قاد كتيبة المظليين والتي تسمى فرقة النار، وارتكب الاف المذابح والجرائم بحق ابناء شعبنا الفلسطيني، وقع الآن اسيرا في قبضة المقاومة يرسف في القيود، وعليه ان يبدأ بترتيب برشه جيدا، ان ينام عاريا ويتمنى ان يرى الشمس، ان يخربش احلامه ويكتب ذكرياته على الجدران الصماء، وعليه ان يعترف انه لم يكتشف ذاته الا في السجن، فقد تعطلت الدبابة واستعاد حياته بعد ان تجمد الاحتلال لعدة ساعات.
“الجنرال الصهيوني” الذي قاد الاف الاسرى الى المعسكرات وتلذذ بعذاباتهم وآلامهم، ومارس الابادة والتطهير العرقي والمذابح الجماعية وكان جلادا مبهرا يتقن التعذيب والتنكيل واذلال المعتقلين، وجد نفسه ضحية دولته الفاشية العنصرية، دولة عمياء لم تفهم سؤال الحياة، في السجن سوف يستعيد كل افكاره السابقة واللاحقة كضابط في دولة عسكرتارية تركته بلا حماية، لقد انهارت المنظومة العسكرية والامنية والاستخباراتية، توقف زمن المستوطنات والعربدات عندما دوهم منزله، رأى بنفسه كيف تكون الاقتحامات والصدمات، سقطت هيبته ونياشينه وتحطم جبروته وعنجهيته، كل شيء تبخر في لحظات، كل شيء تشظى كانفجار قنبلة في الظلام.
“اعتقل الجنرال” القاتل، وفي السجن سيستدعي كل المشاهد التي كان خلالها يمارس عمليات القتل والتنكيل والاعدامات، سيحصي عدد الفلسطينيين الذي اطلق على رؤوسهم الرصاص، عدد القرى والبيوت التي دمرها ونهبها، سيتذكر هؤلاء الضحايا الذين علقهم من اقدامهم في غرف التحقيق، سيتذكر كيف ساق الجرافات والدبابات الى الحقول والاراضي وجز العشب وقطع الاشجار، وفي السجن سيعرف قيمة النهار ورائحة الهواء ومعنى الحرية، وربما يدرك لأول مرة جمال القمر والحنين الى رؤية السماء.
“اعتقل الجنرال الصهيوني” الذي كان سجانا يحتجز الاف الاسرى في السجون والمعسكرات، الكبير والصغير، الرجل والمرأة، المرضى والجرحى والمشلولين، القمع والشبح في ساحات المسكوبية وعسقلان، حرمان الاسرى من حقوقهم الاساسية، صهر وعيهم وتحويلهم الى جماد، كان يفتخر بقدرته على زرع الامراض في اجساد الاسرى حتى الموت، يحتجز جثثهم ويضع على قبورهم الارقام، تحويل السجون الى مقابر للاحياء، هذا السجان صار سجينا، الجنرال المذهول اكتشف ان “كهانا” و”نتنياهو” و”ابن غفير” خدعوه وكذبوا عليه، قالوا له نحن جيش لا يقهر، لكن غزة قهرتهم في ساعات، سقطت الخرافة والمدفع والسيف والمزامير العشر، ها انا اساق عاريا الى السجن، وحيدا لا احد حولي، اين الطائرات والمدافع والحراس، غزة تفوقت علينا، فاضت حتى دفنتنا في الذل والعار.
“الجنرال الصهيوني” المعتقل كان قاضيا في المحكمة العسكرية في سجن عوفر، اصدر الاف الاوامر بالاعتقال، صادق على الاحكام الرادعة والصارمة، هو المسؤول عن هدر اعمار اكثر من مليون فلسطيني زجوا في السجون، كان يفتخر انه فوق القانون والاعراف والاتفاقيات الدولية، يتكلم بصوت الرصاص، جاهز للحرب دائما، جاهز للقتل دائما، في السجن يكتشف هشاشته وهشاشة دولته الاسبارطية، عجز سلاح الجو عن مواجهة الارادة الفلسطينية، انها روح شعب انفجر فيه جنون الحرية.
“الجنرال الصهيوني في السجن”، قبل قليل كان يغلق الابواب على الاسرى في نفحة وشطة وهداريم، وقبل قليل كان يحمل الاصفاد ويقود فرق القمع الى الاقسام وغرف السجون وزنازين العزل، قبل قليل كان يجدد الاعتقال الاداري للمئات من الاسرى، وقبل قليل اعدم الاسيرين ناصر ابو حميد وخضر عدنان، اين انا الان؟ يتساءل الجنرال، عشاق الحرية حولي الى درجة الذوبان، فدائيون انتحاريون الى حد التحرر، القفز عن الجدران والاسلاك الشائكة، فلسطينيون لا يملكون سوى دمهم الذي حولوه الى ورد او رصاص.
“الجنرال الصهيوني في السجن”، في غزة، في الزمن الدائري المغلق، استيقظ وعيه المذهول، كان رجلا حديديا اليا تربى في معسكر او مدرسة دينية، شحنوه بالحقد والكراهية، قالوا له العربي الجيد هو العربي الميت، وقالوا له هذه ارض الاباء والاجداد، ارض التوراة، تشوه عقله وافكاره حتى وجد نفسه في حفرة داكنة.
“الجنرال الصهيوني” يطالب الان بحضور الصليب الاحمر الدولي وزيارة العائلة، يريد قلما وورقة وكتاب، يريد الدواء والماء، يناشد المؤسسات الدولية الاعتراف به كأسير حرب والحفاظ على كرامته الانسانية، لم يستوعب ان يعيش في المؤبد او المؤبدات وراء الابواب المغلقة، وهو الذي كان سجانا يسخر من كل القوانين الانسانية، يعامل الاسرى كأنهم ليسوا من بني البشر، يبحث الان عن هويته وروحه المتناقضة، لم تنقذه الغارات المحمومة فوق رؤوس الناس في غزة، ولا حاملة الطائرات الامريكية.
لم يتوقع “الجنرال الصهيوني” ان يصله الفلسطينيون، جاءوا برا وبحرا وجوا، جاءوا من المخيمات والاحياء الفقيرة، جاءوا مسلحين بأحلامهم وذكرياتهم وارواحهم العنيدة، ولاول مرة في تاريخ الصراع تتحرر ارضا فلسطينية، ويتحرر الخوف واليأس ويزرع الامل في الحديد والاسمنت للمعتقلين خلف القضبان، انها المعجزة، انها تباشير الحرية، انه الخارق المعبر عن قوة الحقيقة الفلسطينية المصرة على الخروج من الحصار والانعتاق الى رحاب الحياة الكريمة، ولادة جديدة، مشهد آخر قلب المعادلة والحسابات، تاريخ جديد لم يرسمه الجندي الصهيوني على خط الحدود وعلى الحواجز الكثيرة.
“الجنرال الصهيوني في السجن”، في غزة، ليس بيده مفاتيح ولا مدفع غاز، غزة حررته من عتاده العسكري ومن عقله الحربي، واذا كان الاسرائيليون قد هربوا من المعسكرات النازية ومارسوا كل الجرائم تحت شعار انهم الضحية، فقد سقطت تلك الازدواجية والاخاديع الاستعمارية، الدبابة قد تدمرت والبحر يلفظ العابرين الذين اغتصبوا الحياة بالعنف والارهاب والبندقية.
“الجنرال الاسرائيلي في السجن”، دولة كاملة في السجن، في الملاجئ والاقبية ودهاليز الخوف، انها كلفة الاحتلال، هستيريا العدوان والاستيطان والنهب والسلب ترتد الى اعماقهم وتمزق قناعاتهم وعقائدهم المزيفة ونصوصهم العنيفة، لقد ضللته المفاهيم الصهيونية عندما انشأت سجنا كبيرا ومعازل للشعب الفلسطيني، وسيجته بالجدران ونقاط التفتيش وابراج الحراسة، لتؤسس نظام الفصل العنصري والعبودية باسم السلام في الشرق الاوسط، وجد الجنرال نفسه في ذات السجن الذي شيده، انه التمزق النفسي والاغتراب الذي لا يصنع من صورة النصر نصرا ولا هوية، انها الهزيمة، تأتينا الانتفاضة من كل موجة ومن كل شجرة ومن كل اغنية.
“الجنرال الصهيوني في السجن،” في غزة، وقد تعلم ان هناك حكمة ثورية تقول: انه مهما طال الاحتلال وفرض من حقائق مخيفة على ارض الواقع ففي نفوس الشعوب المظلومة دائما قنبلة زمنية.