أخبار العالمأوروبابحوث ودراسات

إعادة إعمار ألمانيا: نموذج السياسات الاقتصادية ودور القيادة والشعوب

تُعد إعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية واحدة من أهم التجارب التنموية والاقتصادية في القرن العشرين، إذ شهدت تحولا جذر ايا من دمار شبه كامل إلى واحدة من أقوى الاقتصادات العالمية.

فمع نهاية الحرب في العام 1945، كانت ألمانيا تعاني من انهيار شامل على عدّة مستويات اقتصادية، سياسية، واجتماعية، دُمّرت المدن، انهارت البنية التحتية، وتفكك الاقتصاد، كما عانى الشعب الألماني من الفقر والجوع والبطالة.

في ظل هذه الظروف القاسية، برزت جهود مكثفة على مستويات متعددة، شملت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، في ظل القيادة السياسية الحكيمة، والدور الحيوي الذي لعبه الشعب الألماني. فمن جهة، تبنت ألمانيا الغربية فلسفة اقتصاد السوق الاجتماعي التي قادها “لودفيغ إيرهارد”، والتي قامت على المزج بين حرية السوق والعدالة الاجتماعية، ما أسهم في تحقيق استقرار اقتصادي سريع.

 ومن جهة أخرى، قادت شخصيات بارزة مثل “كونراد أديناور” عملية تحقيق الاستقرار السياسي وبناء علاقات دولية متينة، خاصة مع الحلفاء الغربيين من خلال الدعم المقدم عبر “خطة مارشال”، التي وفرت الدعم المالي واللوجستي لإعادة البناء.

لكن التحدي الأكبر تمثل في قدرة الشعب الألماني على تحمل الصعاب والمشاركة الفعّالة في إعادة الإعمار. أظهرت نساء الأنقاض “ترومر فراوين” مثالا يُحتذى به في التفاني والعمل الدؤوب، حيث ساهمن بشكل فعّال في تنظيف المدن المدمرة وإعادة بناء المساكن والبنية التحتية. كما لعب العمال والفنيون دورا رئيسا في إعادة تشغيل المصانع والقطاعات الإنتاجية رغم قلة الموارد.

وعليه، تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف العوامل الرئيسية التي أسهمت في إعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية من خلال التركيز على ثلاثة محاور رئيسية: الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، القيادة السياسية، والدور الشعبي.

كما ستتناول الدراسة التحديات التي واجهتها ألمانيا خلال هذه الفترة والوسائل التي تم اعتمادها للتغلب عليها، بالإضافة إلى تحليل النتائج بعيدة المدى التي أسفرت عن تحول ألمانيا إلى قوة اقتصادية عالمية.

أولا: وضع ألمانيا بعد الحرب: دمار شامل، انقسام وتقسيم، تحديات اجتماعية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، كانت ألمانيا في حالة دمار شامل على المستويات الاقتصادية، الاجتماعية، والبنية التحتية. قُدّر عدد القتلى الألمان خلال الحرب بحوالي 6.9 إلى 7.4 مليون شخص، بما في ذلك المدنيين والعسكريين، وحوالي 9 ملايين جندي ألماني أصبحوا أسرى حرب، واحتُفظ بغالبيتهم كعمال سخرة لعدة سنوات في الدول التي دمرتها ألمانيا خلال الحرب.

تعرّضت المدن الألمانية لدمار واسع النطاق بسبب القصف؛ حيث دُمّر حوالي %20 من الثروة العقارية. على سبيل المثال، دمر %66 من المنازل في كولونيا، وفي دوسلدورف %93 منها أصبحت غير صالحة للسكن. وانخفض الإنتاج الصناعي بمقدار الثلث مقارنتا بما كان عليه قبل الحرب، وتراجع الإنتاج الغذائي إلى نصف ما كان عليه قبل بداية الحرب، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية.

وعلى الصعيد الاجتماعي، كان هناك حوالي 12 مليون لاجئ ومهجّر ألماني عادوا أو نُقلوا قسرا إلى ألمانيا من دول أوروبا الشرقية. وخلال الحرب، كانت الحصص الغذائية محددة بحوالي 2000 سعرة حرارية يوميا لكل فرد. 

وبعد الحرب، خفّضت سلطات الحلفاء هذه الحصص إلى ما بين 1000 و1500 سعرة حرارية يوميا، مما أدى إلى تفاقم معاناة السكان. وفي الوقت نفسه، فقدت العملة الألمانية “رايخ مارك(” جزءا كبيرا من قيمتها، مما اضطر الناس إلى اللجوء لنظام المقايضة لتبادل السلع والخدمات، وأدت ضوابط الأسعار والقيود على السلع إلى انتشار السوق السوداء بشكل كبير، حيث كانت تُباع السلع بأسعار مرتفعة.

وفي العام 1945، وصف “إيفون كيركباتريك،” الذي عُين فيما بعد رئيسا لقسم ألمانيا ثم وكيلاا دائماا لوزارة الخارجية، انطباعاته الأولى عن ألمانيا: “كان هناك مئات الآلاف من الألمان سيرا على الأقدام، يتنقلون في كل الاتجاهات… وكأن كومة نمل عملاقة تعرضت للاضطراب فجأة1“.

كانت البلاد محتلة من قبل أربع دول، وسرعان ما انقسمت إلى نصفين. أصبح النصف الشرقي دولة اشتراكية، جزءا من الستار الحديدي الذي تأثر بشدة بالسياسة السوفييتية، وأصبح النصف الغربي دولة ديمقراطية. وفي المنتصف كانت العاصمة السابقة برلين، التي انقسمت إلى نصفين، وفصل بينهما في النهاية ما أصبح يُعرف باسم جدار برلين.

ثانيا: الجهات المسؤولة عن إعادة الإعمار

كانت عملية إعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية معقدة، شارك فيها العديد من الأفراد، المؤسسات، والدول. وأبرز الشخصيات والجهات التي قادت هذا التحول هي:

النتيجةالعنصر الأساسيالجهة المسؤولة
استقرار العملة الألمانيةالإصلاح النقديلودفيغ إيرهارد والحلفاء
تمويل البنية التحتية والصناعةخطة مارشالالولايات المتحدة
استعادة الثقة في الحكومةالاستقرار السياسيكونراد أديناور
تحقيق العدالة الاجتماعية مع النمو الاقتصادياقتصاد السوق الاجتماعيإيرهارد ومدرسة فرايبورغ
تسريع عملية إعادة البناءإرادة الشعب الألمانيالشعب الألماني

1- إيرهارد لودفيغ

الدور: وزير الاقتصاد في ألمانيا الغربية (1963-1949) ثم مستشار ألمانيا(1963-1966).

1 Germany 1945-1949: a case study in post-conflict reconstruction, Chris Knowles, history and policy, 29 January 2014

الفكر الاقتصادي: إيرهارد متأثر بمدرسة “فرايبورغ” الاقتصادية (Ordoliberalism)،

التي تدعو إلى اقتصاد السوق الحر مع التدخل الحكومي لضمان العدالة الاجتماعية.

الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي:

  1. إصلاح العملة )إدخال الدويتش مارك.(
  2. إلغاء الرقابة على الأسعار ونظام التقنين.
  3. تطبيق مبدأ “اقتصاد السوق الاجتماعي”.

2-أديناور كونراد

الدور: أول مستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية(1949-1963).

الإصلاح السياسي والدبلوماسي:

1- ترسيخ الديمقراطية والاستقرار السياسي.

2- إعادة إدماج ألمانيا في المجتمع الدولي.

3- التعاون مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

النتيجة: أعاد الثقة في النظام السياسي الألماني وأسس لعلاقات خارجية قوية.

3- مارشال خطة

المخطط: أطلقها وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال Marshall) (George عام 1947.

الهدف: تقديم مساعدات اقتصادية ومالية لدول أوروبا لإعادة البناء ومنع انتشار الشيوعية.

المساعدات لألمانيا: تلقت ألمانيا الغربية حوالي 1.4 مليار دولار ضمن الخطة.

النتيجة: ساهمت هذه المساعدات في تمويل البنية التحتية وإعادة بناء المصانع.

4- الحلفاء: الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا

الإصلاح النقدي: دعم الحلفاء إصلاح العملة الألمانية وإدخال “الدويتش مارك” عام .1948

الإصلاح الصناعي: أُعيدت بعض المصانع الكبرى للقطاع الخاص لتشجيع المنافسة.

الاستقرار الأمني: قدم الحلفاء ضمانات أمنية لمساعدة ألمانيا على التركيز على النموالاقتصادي.

5- الاقتصاديون والفلاسفة الألمان: مدرسة فرايبورغ الاقتصادية

ولتر إيوكن Eucken) (Walter : أحد مؤسسي “مدرسة فرايبورغ”، التي وضعت أسس

اقتصاد السوق الاجتماعي.

ألفريد مولر أرمينج Müller-Armack): (Alfred صاغ مصطلح “اقتصاد السوق

الاجتماعي” ودعا لتحقيق التوازن بين السوق الحر والعدالة الاجتماعية.

المبادئ الرئيسية:

1-  ضمان المنافسة العادلة.

2-منع الاحتكارات.

3- توفير شبكة أمان اجتماعي.

6- الشعب الألماني

الدور الاجتماعي: أظهر الألمان إرادة وتصمي اما هائلين لإعادة البناء.

ثقافة الادخار: تميز الشعب الألماني بالانضباط والالتزام، مما ساعد في تحقيق الاستقرارالاقتصادي.

المشاركة الفعّالة: عمل الألمان بجد في المصانع وإعادة بناء منازلهم ومدنهم.

7- المؤسسات الدولية والأوروبية

منظمة التعاون القًتصادي والتنمية (OECD): ساهمت في تسهيل التجارة والاستثمار.

المجموعة الاقتصادية الأوروبية :(EEC) اندمجت ألمانيا في السوق الأوروبية المشتركة، مما عزز الصادرات والنمو الاقتصادي.

ثالثا: كرونولوجيا إعادة إعمار ألمانيا

عام :1946 خطاب وزير الخارجية الأمريكي ورفض خطة مورغنثاو

في عام 1946، ألقى وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيرنز Byrnes) F. (James خطابا عُرف باسم “خطاب الأمل” في مدينة شتوتغارت بألمانيا. كان هذا الخطاب نقطة تحول محورية في السياسة الأمريكية تجاه ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أكد بيرنز على “رفض الولايات المتحدة لخطة مورغنثاو، التي كانت تهدف إلى تحويل ألمانيا إلى دولة زراعية بحتة ومنعها من إعادة بناء صناعتها.” أوضح بيرنز أن “الهدف الأمريكي لم يكن معاقبة الشعب الألماني، بل مساعدته على التعافي وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي2.”

وكانت خطة مورغنثاو، التي اقترحها وزير الخزانة الأمريكي هنري مورغنثاو عام 1944، في الأساس تهدف إلى تجريد ألمانيا من قدراتها الصناعية وتحويلها إلى دولة زراعية بالكامل، بهدف منعها من شن أي حروب مستقبلية. ومع ذلك، تم التخلي عن الخطة لعدة دوافع سياسية رئيسية3:

1- التهديد السوفيتي وانتشار الشيوعية:

– مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، أدركت الولايات المتحدة أن أوروبا الغربية أصبحت جبهة رئيسية ضد التوسع السوفيتي.

– كانت الولايات المتحدة قلقة من أن الفقر والجوع والتدهور الاقتصادي في ألمانيا قد يدفع الألمان إلى تبني الشيوعية، مما سيشكل تهديدا للأمن الأوروبي والعالمي.

– أدركت الولايات المتحدة أن الحفاظ على اقتصاد ألماني قوي أصبح أداة حاسمة لمواجهة النفوذ السوفيتي في أوروبا.

2- إعادة بناء أوروبا الغربية:

– كانت ألمانيا في قلب الاقتصاد الأوروبي قبل الحرب، كان سيؤثر سلب على إعادة إعمار أوروبا بأكملها.

– أصبح من الواضح أن أوروبا لا يمكن أن تتعافى اقتصاديا دون مساهمة ألمانيا الغربية الصناعية والاقتصادية.

– تطبيق خطة مورغنثاو كان سيؤدي إلى كارثة اقتصادية وسياسية في أوروبا الغربية.

3- تراجع الدعم السياسي للخطة في الولايات المتحدة:

– أبدى العديد من القادة الأمريكيين، مثل وزير الخارجية جيمس بيرنز، مخاوفهم من أن تطبيق خطة مورغنثاو سيسبب كوارث اقتصادية وسياسية في ألمانيا4.

– بدأ الرأي العام الأمريكي يتغير، خاصة مع مشاهد الدمار الكبير في أوروبا ومعاناة الشعوب بعد الحرب.

لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفييني

– تحول تركيز السياسة الأمريكية نحو إعادة الإعمار بدلا من العقاب الجماعي.

4- خطر استمرار الاضطرابات الاجتماعية في ألمانيا:

– فرض سياسات قاسية مثل خطة مورغنثاو كان سيتسبب في جوع وفقر واسع النطاق بين الألمان.

– كان هناك خوف من أن السخط الشعبي قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة أو حتى إلى ظهور نظام سياسي متطرف جديد.

5- تغير القيادة السياسية وتبني سياسات جديدة:

– مع تزايد تأثير وزير الخارجية جيمس بيرنز والمستشارين الاقتصاديين مثل لودفيغ إيرهارد، برزت رؤية جديدة تركز على إنعاش الاقتصاد الألماني بدلاا من تدميره.

– تم التوجه نحو تبني خطة مارشال، التي قدمت دعما اقتصاديا هائلا الى أوروبا، بما في  ذلك لإعادة إعمار ألمانيا الغربية.

6- البعد الإنساني والأخلاقي

– مع انتشار الأخبار حول الأوضاع الإنسانية الكارثية في ألمانيا بعد الحرب، زادت الضغوط الأخلاقية على الحكومات الغربية لتخفيف العقوبات الاقتصادية.

– كان هناك اعتقاد متزايد بأن معاقبة الشعب الألماني بشكل جماعي يتعارض مع “المبادئ الديمقراطية والإنسانية” التي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يدّعون الدفاع عنها.

عام :1947 إلغاء القرار 1067 JCS

في عام 1947، ألغت الولايات المتحدة القرار 1067 JCS الذي كان يفرض قيودا صارمة على الاقتصاد الألماني ويمنع إعادة إحيائه. تم استبدال هذا القرار بتوجيه جديد يُعرف بـ JCS 1779، والذي وضع أساسا لسياسة جديدة أكثر مرونة ودعما للاقتصاد الألماني.

جاء هذا التغيير استجابتا للمخاوف المتزايدة من انتشار الشيوعية في أوروبا، خاصة بعد تزايد النفوذ السوفيتي. أتاح هذا القرار لألمانيا الغربية فرصة المشاركة في خطة مارشال، مما شكل بداية لإعادة بناء البنية التحتية للدولة5.

القرار 1067 :JCS توجيه السياسة الأمريكية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية

كان القرار 1067 JCS وثيقة توجيهية صادرة عن هيئة الأركان المشتركة الأمريكية ) Joint Staff of (Chiefs، تم تسليمها إلى القائد العسكري الأمريكي في ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام .1945 كانت الوثيقة بمثابة إطار سياسي وعسكري يحدد كيفية تعامل الولايات المتحدة مع المناطق الألمانية الخاضعة لسيطرتها بعد الحرب.

  خلفية القرار 1067 :JCS

– تم إصداره بناءا على تعليمات من الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” في أبريل .1945

– جاء القرار استجابتا للقلق من احتمالية عودة ألمانيا لتكون قوة عسكرية مهددة، وكذلك لمعاقبة النظام النازي السابق وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للحلفاء.

– كانت الأهداف الرئيسية للقرار تتماشى مع نهج “الحرمان” ) and Disarmament (Deindustrialization الذي اقترحه وزير الخزانة الأمريكي آنذاك، هنري مورغنثاو.

نصوص وأهداف القرار 1067 :JCS

  • كان أحد الأهداف الرئيسية هو ضمان عدم قدرة ألمانيا على إعادة بناء قدراتها العسكرية.

– شمل ذلك تفكيك المصانع العسكرية والصناعات الثقيلة التي يمكن أن تدعم أي جهود لإعادة التسلح.

2- تدمير البنية التحتية الحربية:

– كان من المفترض القضاء على البنية التحتية التي تدعم الصناعة الحربية، مثل مصانع الصلب والكيماويات.

3- العقاب القًتصادي:

– نص القرار على إبقاء الاقتصاد الألماني عند مستوى معيشي متدنٍ، يكفي فقط لتلبية الاحتياجات الأساسية.

– تم حظر أي جهود لتحقيق نمو اقتصادي كبير أو انتعاش صناعي.

4- (Denazification) النازية اجتثاث

– كان الهدف تطهير النظام السياسي والاجتماعي الألماني من أي تأثيرات نازية.

– تم فرض قيود على الأفراد الذين كانوا أعضاء بارزين في الحزب النازي.

5- الرقابة على الصحافة والإعلام:

– تم فرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام لضمان عدم نشر أي دعاية معادية للحلفاء أو مؤيدة للنازية.

6- تقديم المساعدات الإنسانية بشكل محدود:

– كان توفير المواد الأساسية للشعب الألماني، مثل الغذاء والدواء، ضمن الحد الأدنى لتجنب انتشار الأوبئة أو الفوضى، دون أي دعم إضافي لتعافي الاقتصاد.

7- التراجع عن 1067 JCS وبداية التحول:

– مع اشتداد الحرب الباردة وبروز خطر الاتحاد السوفيتي، أدركت الولايات المتحدة أن إبقاء ألمانيا ضعيفة اقتصاديا لن يخدم مصالحها الاستراتيجية.

  • في العام 1947، تم استبدال النهج الصارم للقرار 1067 JCS بخطة أكثر مرونة
  • ودعما اقتصاديا، وهي “خطة مارشال”، التي ركزت على إعادة إعمار أوروبا بما في ذلك ألمانيا الغربية
  • تم استبدال 1067 JCS رسميا بتوجيه جديد يسمى 1779 JCS، والذي أقر بضرورة إعادة بناء اقتصاد ألمانيا ليكون حصنا ضد النفوذ الشيوعي.

 عام :1948 استبدال الرايخ مارك بالمارك الألماني

في العام 1948، أُجري إصلاح نقدي جذري في مناطق الاحتلال الغربية لألمانيا، حيث تم استبدال العملة القديمة، “الرايخ مارك”، بـالمارك الألماني “دويتش مارك.” جاء هذا القرار كخطوة حاسمة نحو استقرار الاقتصاد الألماني المنهار بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يكن خاليا من المخاوف والتحديات السياسية والاقتصادية واللوجستية.

– الدوافع وراء استبدال الرايخ مارك:

أولا، كان التضخم الهائل الذي أصاب الرايخ مارك قد جعل العملة عديمة القيمة تقريبا، مما أدى إلى تآكل الثقة في النظام النقدي وانتشار نظام المقايضة والسوق السوداء بشكل واسع. كان الهدف الأساسي للإصلاح هو استعادة الاستقرار الاقتصادي وبناء أساس نقدي قوي يمكن من خلاله إطلاق عملية إعادة الإعمار. 

ثانيا، ساهمت هذه الخطوة في مكافحة السوق السوداء، التي أصبحت المصدر الرئيسي للسلع الأساسية وسط الانهيار الاقتصادي.

 ثالثا، كانت هناك رؤية إستراتيجية واضحة من الحلفاء الغربيين بضرورة بناء اقتصاد ألماني مستقر ومزدهر

ليكون حصنا ضد المد الشيوعي المتزايد في أوروبا7.

– المخاوف السياسية والقًتصادية

مع أن الإصلاح النقدي كان ضروريا، إلا أنه أثار العديد من المخاوف: 

على المستوى الاقتصادي، كان هناك قلق من أن يؤدي تغيير العملة إلى ارتفاع حاد في الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين الألمان، خاصة في ظل نقص السلع الأساسية. 

سياسيا، أثار الإصلاح توترات بين القوى الغربية والاتحاد السوفيتي، الذي اعتبر هذه الخطوة مقدمة لتقسيم ألمانيا، مما ساهم في تصعيد حدة الحرب الباردة.

– التحديات اللوجستية وكيفية مواجهتها

على المستوى اللوجستي، كانت عملية استبدال “الرايخ مارك” بالمارك الألماني معقدة للغاية، حيث كان لا بد من سحب العملة القديمة وتوزيع المارك الألماني بسرعة وكفاءة. لتحقيق ذلك، أُنشئت شبكات توزيع سرية ومنظمة بشكل دقيق لضمان وصول العملة الجديدة إلى البنوك والمواطنين في الوقت المناسب. كما تم فرض قيود مؤقتة على السحب النقدي لمنع المضاربات المالية وضمان استقرار العملية.

– النتائج المباشرة للإصلاح النقدي

نجح الإصلاح النقدي حيث ساهم في إعادة الثقة في الاقتصاد الألماني وتشجيع الأفراد على الادخار والاستثمار بدلا من اللجوء إلى السوق السوداء. كما كانت السياسات الاقتصادية التي تبناها لودفيغ إيرهارد، مثل تحرير الأسعار وتقليل الرقابة الاقتصادية، مكمّلة لنجاح الإصلاح النقدي ومهدت الطريق نحو ما يُعرف بـ”المعجزة الاقتصادية الألمانية.”

عام :1949 تأسيس ألمانيا الغربية جمهورية ألمانيا الاتحادية

في 23 مايو 1949، تم إعلان تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية )ألمانيا الغربية( كنتيجة مباشرة للسياسات الغربية الهادفة إلى إعادة بناء أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية. جاء التأسيس بعد فشل التوافق مع الاتحاد السوفيتي حول مستقبل ألمانيا الموحدة، مما أدى إلى تقسيمها إلى دولتين متباينتين سياسيا واقتصاديا. كان الهدف الرئيسي من تأسيس ألمانيا الغربية هو بناء دولة ديمقراطية مستقرة ذات اقتصاد قوي، تكون قادرة على المساهمة في إعادة إعمار أوروبا وتعزيز الجبهة الغربية في مواجهة المد الشيوعي القادم من الكتلة الشرقية.

– علاقة التأسيس بإعادة الإعمار

كان تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية ركيزة أساسية في خطة إعادة الإعمار الأوروبية، خاصة في إطار خطة مارشال التي ضخت مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد الألماني وبنيته التحتية. أنشأت الحكومة الألمانية الغربية تحت قيادة المستشار كونراد أديناور ووزير الاقتصاد لودفيغ إيرهارد إطارا اقتصاديا جديدا قائما على اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي يمزج بين الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. ساهمت هذه السياسات في تحويل ألمانيا الغربية إلى

قوة اقتصادية رائدة في أوروبا خلال فترة زمنية قصيرة، مما أُطلق عليه لاحقا “المعجزة الاقتصادية الألمانية.”

عام :1949 توسيع نطاق خطة مارشال لتشمل ألمانيا الغربية

في العام 1949، تم توسيع نطاق خطة مارشال – التي أُطلقت في عام 1947 لدعم إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية – لتشمل ألمانيا الغربية، وذلك بعد تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية. جاء هذا القرار نتيجة إدراك الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن إعادة بناء أوروبا لا يمكن أن تكتمل دون إعادة بناء ألمانيا الغربية، باعتبارها مركزا اقتصاديا وجغرافيا حيويا للقارة الأوروبية. كانت الدوافع الأساسية لهذا القرار تتلخص في إعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي إلى ألمانيا ومنع تكرار الأزمات التي أدت إلى صعود النازية في فترة ما بين الحربين العالميتين

 – النتائج:


إلى بحاجة جعلها أوروبا لبلدان التحتية البنى والخراب في الاقتصادي إن الدمار حين جديد، في الانتعاش من وتحقيق الاقتصادي توازنها كبيرة لاستعادة استثمارات منها وجعلت العالم، مسيطرة في صناعية قوة الحرب المتحدة من الولايات خرجت ولم منتجاتها، لتصريف خارجية أسواق تبحث عن وأصبحت استثمار، مصدر أكبر

تكن أوروبا تستطيع الاستجابة، بسبب النقص في قدراتها الشرائية عند انتهاء الحرب، مما أعطاها مؤشرات لبداية كساد اقتصادي في العام 1947 )شبيه بالكساد الرهيب عام (1929 نتيجة تخفيض مشتريات الدولار في أسواق أوروبا، وخفض الطلب فيما وراء البحار، ولذلك فقد جاء مشروع مارشال استجابة لحاجة الاقتصاد الأمريكي، وضرورة

الصناعة منتجات أمام أوروبا أسواق ونمو الأوروبي الاقتصاد وتنشيط إنعاش لاستعادة سببا أوروبا إعما إلى والدعوة ونتائجها الحرب كانت لقد الأمريكية. الاقتصاد الأمريكي عافيته منذ الأزمة المالية التي عصفت به عام .1929

2- على الصعيد السياسي:

أدركت الولايات المتحدة أن استمرار الأوضاع الاقتصادية المنهارة سيساعد الحركات وكان ديمقراطية . بطريقة الحكم نظم على السيطرة تتقدم في ويجعلها الشيوعية،الحركات ومحاربة الشيوعية إحباط يتمثّل في سياسي هدف على ينطوي المشروع اليسارية.

3- على الصعيد الجًتماعي:

كان هدف المشروع امتصاص البطالة التي يمكن أن تكوّن مناخا ملائماا لحركات اليسار كما أن
الرأسمالية. أوربا في بلدان مواقعها وتدعم تنشط الشيوعية في و الأحزاب توافر قدرة شرائية وتحويل هذه المجتمعات من مستهلكة إلى منتجة، يحقّق تنافسا قويا مع أوروبا الإشتراكية.

عام :1950 إنهاء تفكيك الصناعة الثقيلة

بحلول العام 1950، أُنهت سياسة تفكيك الصناعات الثقيلة التي فرضتها قوى الاحتلال على ألمانيا الغربية بعد الحرب. سمح ذلك للصناعات الرئيسية مثل الصلب والكيماويات بالعودة إلى الإنتاج الكامل. أدى هذا القرار إلى زيادة القدرة الإنتاجية للبلاد وخلق فرص عمل جديدة. وساهم في تسريع عملية إعادة الإعمار، وساعد ألمانيا الغربية على استعادة مكانتها كقوة صناعية رئيسية في أوروبا.

عام :1955 انتهاء الاحتلال العسكري لألمانيا الغربية

في العام 1955، انتهى رسميا الاحتلال العسكري لألمانيا الغربية، وأصبحت دولة ذات سيادة كاملة من الناحية النظرية. تم توقيع معاهدات دولية أكدت على حق ألمانيا في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية بحرية. مثّل هذا الحدث نقطة تحول كبرى في التاريخ الألماني، حيث استعاد الألمان السيطرة على مصيرهم، واستطاعوا المضي قدما نحو التنمية والاستقرار12.

عام :1955 انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي الناتو

في نفس العام، أصبحت ألمانيا الغربية عضوا كاملا في حلف شمال الأطلسي (NATO)، الذي تأسس عام .1949 جاء انضمام ألمانيا الغربية إلى الحلف كجزء من الاستراتيجية الغربية لمواجهة النفوذ السوفيتي في أوروبا. أصبح الجيش الألماني جزءا من منظومة الدفاع الغربية، مما عزز مكانة ألمانيا كشريك رئيسي في الأمن الأوروبي13.

عام :1957 إعادة منطقة سارلانًد إلى ألمانيا الغربية

في 1 يناير 1957، أُعيدت منطقة سارلاند رسميا إلى ألمانيا الغربية بعد استفتاء شعبي أجري عام .1955 كانت هذه المنطقة ذات أهمية اقتصادية كبيرة نظرا لمواردها الغنية بالفحم والصناعات الثقيلة. شكّل هذا الحدث خطوة مهمة نحو استكمال وحدة ألمانيا الغربية وتعزيز قدراتها الاقتصادية.

عام :1957 تأسيس المجموعة القًتصادية الأوروبية (EEC)

أصبحت ألمانيا الغربية في نفس العام واحدة من الدول المؤسسة للمجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC)، التي مهدت لاحقا لإنشاء الاتحاد الأوروبي. كان هذا الانضمام جزء من استراتيجية تكامل اقتصادي أوروبي أوسع تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والصناعي بين الدول الأعضاء15.

عام :1973 انضمام ألمانيا الغربية إلى الأمم المتحدة

في 18 سبتمبر 1973، أصبحت ألمانيا الغربية عضوا في الأمم المتحدة .(UN) شكّل هذا الحدث اعترافا دوليا بالدولة الألمانية الغربية كعضو مسؤول في المجتمع الدولي، مما أتاح لها فرصة للمشاركة في القرارات العالمية وتعزيز مكانتها الدبلوماسية.

 عام :1991 استعادة السيادة الكاملة لألمانيا الموحدة

في العام 1991، وبعد توقيع معاهدة التسوية النهائية عام 1990، أصبحت ألمانيا دولة ذات سيادة كاملة. أنهت هذه المعاهدة رسميا كل القيود التي فرضت على ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفتحت الباب أمام بناء ألمانيا موحدة ومستقلة سياسيا واقتصاديا.

ثالثا: خطة الاقتصاد الاجتماعي ودور الاقتصاديين

خلافا لما يشاع عن دور خطة مارشال في إعادة الإعمار، فإن أهم شخص في النهضة الألمانية المذهلة كان والتريوكن. وكان يوكن ابن أحد الحائزين على جائزة نوبل في الأدب، ودرس الاقتصاد في جامعات بون وكيل وجينا. وبعد فترة قضاها في الحرب العالمية الأولى، بدأ يوكن التدريس في جامعته الأم. ثم انتقل في نهاية المطاف إلى جامعة فرايبورغ، التي اشتهرت على المستوى الدولي.

– السوق الحرة الاجتماعية:

اكتسب يوكين أتباعا في الجامعة، التي أصبحت واحدة من الأماكن القليلة في ألمانيا حيث يمكن للمعارضين لهتلر التعبير عن آرائهم. والأمر الأكثر أهمية هو أنها كانت أيضا المكان الذي بدأ فيه تطوير نظرياته الاقتصادية، والتي عُرفت باسم مدرسة فرايبورغ، أو الليبرالية التنظيمية، أو “السوق الحرة الاجتماعية.”

كانت أفكار يوكين متجذرة بقوة في معسكر رأسمالية السوق الحرة، مع السماح أيضا بدور للحكومة في ضمان عمل هذا النظام لصالح أكبر عدد ممكن من الناس. على سبيل المثال، اقترح سن قواعد تنظيمية صارمة لمنع تشكيل الكارتلات أو الاحتكارات، واقترح أيضا نظام ضخم للرعاية الاجتماعية كشبكة أمان لأفراد المجتمع. كما أنه أيّد وجود بنك مركزي قوي مستقل عن الحكومة يركز على استخدام السياسات النقدية للحفاظ على استقرار الأسعار.

بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب، كان على النصف الغربي من ألمانيا، الذي أصبح تحت سيطرة القوات الأمريكية وقوات الحلفاء، أن يتخذ قرارا بشأن المسار الذي سيتبعه لتحقيق الرخاء الاقتصادي. وبما أن ألمانيا الغربية كانت في بداياتها، فقد نشأ نقاش حاد حول اتجاه السياسة المالية للدولة الجديدة.

كان العديد من الناس، بما في ذلك زعماء العمال وأعضاء الحزب الديمقراطي الاجتماعي، يريدون نظاما يحافظ على سيطرة الحكومة. ولكن أحد أتباع يوكين، استطاع تحقيق نظريته نظرا لعلاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة وشهرته بين القوات الأمريكية التي كانت تسيطر على الحكم آنذاك. وهو رجل يُدعى لودفيج إيرهارد )الذي عُرف بأنه “أب المعجزة الاقتصادية الألمانية.”

– بدايات إيرهارد

كان إيرهارد، وهو من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى وتلقى تعليمه في كلية إدارة الأعمال، شخصية بعيدة كل البعد عن الأضواء وعمل باحثا في منظمة ركزت على اقتصاديات صناعة المطاعم.

ولكن في عام 1944، وبينما كان الحزب النازي لا يزال يسيطر على ألمانيا، كتب إيرهارد بجرأة مقالا يناقش الوضع المالي لألمانيا والذي افترض أن النازيين خسروا الحرب. وفي نهاية المطاف وصل عمله إلى قوات الاستخبارات الأمريكية التي سرعان ما بحثت عنه.

وبمجرد استسلام ألمانيا، تم تعيينه وزيرا للمالية في بافاريا وشق طريقه في السلم الوظيفي حتى أصبح مديرا للمجلس الاقتصادي للنصف الغربي المحتل من ألمانيا.

– العملة الألمانية الجديدة

بمجرد اكتسابه للنفوذ السياسي، بدأ إيرهارد في صياغة جهد متعدد الجوانب لإعادة الحياة إلى اقتصاد ألمانيا الغربية. أولا، لعب دورا كبيرا في صياغة عملة جديدة أصدرها الحلفاء لتحل محل العملة عديمة القيمة. كان من شأن هذه الخطة أن تؤدي إلى خفض كمية العملة المتاحة للعامة بنسبة كبيرة تبلغ%93 ، وهو القرار الذي من شأنه أن يؤدي إلى تقليص الثروة الضئيلة التي يمتلكها الأفراد والشركات الألمانية. فضلا عن ذلك، تم فرض تخفيضات ضريبية كبيرة لتحفيز الإنفاق والاستثما. كان من المقرر طرح العملة في 21 يونيو .1948 وفي خطوة مثيرة للجدل للغاية، قرر إيرهارد أيضا إزالة ضوابط الأسعار في نفس اليوم. تعرض إيرهارد لانتقادات شديدة بسبب قراره إذ تم إحضار إيرهارد إلى مكتب الجنرال الأمريكي لوسيوس كلاي، الذي كان الضابط القائد المشرف على النصف الغربي المحتل من ألمانيا. أخبر كلاي إيرهارد أن مستشاريه أبلغوه بأن السياسة الألمانية الجديدة الجذرية ستكون خطأ فادحا. وكان رد إيرهارد: “لا تستمع إليهم يا جنرال. مستشاري يخبرونني بنفس الشيء.” بعدها أثبت إيرهارد خطأ الجميع.

– بدء الانتعاش الاقتصادي

مع فترة قليلة، عادت ألمانيا الغربية إلى الحياة، وسرعان ما امتلأت المتاجر بالبضائع عندما أدرك الناس أن العملة الجديدة لها قيمة. وتوقفت المقايضة بسرعة وانتهت السوق السوداء. ومع ترسيخ السوق التجارية، وعودة الحافز للعمل إلى الناس، عادت روح الاجتهاد التي اشتهرت بها ألمانيا الغربية.

وفي مايو 1948، كان الألمان يتغيبون عن العمل نحو 9.5 ساعات أسبوعيا، حيث كانوا يقضون وقتهم في البحث بشكل يائس عن الطعام وغيره من الضروريات. ولكن في أكتوبر، بعد أسابيع قليلة من طرح العملة الجديدة ورفع الضوابط على الأسعار، انخفض هذا الرقم إلى 4.2 ساعات أسبوعيا. وفي يونيو، بلغ الإنتاج الصناعي في البلاد نحو نصف مستواه في عام .1936 وبحلول نهاية العام، اقترب من .%80

رابعا: دور الشعب الألماني والمعنويات الوطنية

كان للشعب الألماني دور حاسم في إعادة إعمار البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، تجلى هذا الدور في الإصرار الجماعي على تجاوز المحن والتحديات من خلال العمل الجاد والتفاني. لم يقتصر الأمر على الطبقات العاملة فقط، بل امتد ليشمل جميع فئات المجتمع. كان هناك إيمان راسخ بأن العمل والإنتاج هما السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، مما جعل ساعات العمل الطويلة والتضحيات الشخصية جزءا من الحياة اليومية للألمان. إضافة إلى ذلك، كان للنساء دور بارز فيما يُعرف بـ”نساء الأنقاض” (Trümmerfrauen)، حيث قمن بتنظيف المدن المدمرة وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية.

تمكنت ألمانيا من تشجيع السيدات للقبول بوظيفة رفع الانقاض من خلال منحهن ثاني أعلى فئة من البطاقات التموينية الغذائية. وللحصول على مزيد من المتطوعين للمشاركة، عمدت السلطات إلى تسويق صورة “نساء الأنقاض” المبهجة في العمل. هذه الصورة بالذات أصبحت متجذرة بعمق في الذاكرة الألمانية الجماعية.

في البداية، كانت الحملة الإعلامية ناجحة فقط في ألمانيا الشرقية، حيث أصبحت المرأة التي تعمل في إزالة الأنقاض نموذجا يُحتذى به بين النساء اللواتي يرغبن في التدريب على الوظائف التقليدية للذكور.

لم يظهر تنميط هذه الشخصية “الخارقة” مرة أخرى في ألمانيا الغربية إلا في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تم تصنيفهن على أنهن أبطال إعادة إعمار ألمانيا، وناقشت ألمانيا تقديم مزايا تربية الأطفال للنساء اللواتي ولدن قبل عام 1921 فقط.

ترافقت هذه الجهود مع وعي وطني متجدد وإيمان بأن الإعمار ليس مجرد مسؤولية حكومية، بل واجب جماعي يتشارك فيه الجميع. انعكست هذه الروح المعنوية العالية في زيادة الإنتاجية وتحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع، مما مهد الطريق للمعجزة الاقتصادية الألمانية. كان هناك أيضا دعم ثقافي وفكري من المثقفين والكتّاب والفنانين الذين أسهموا في إعادة بناء الهوية الوطنية وتعزيز الثقة بالمستقبل.

خامسا: الاستنتاجات

–  إن ما يحدث بعد الانتصار أو الهزيمة في الحرب قد يكون أكثر أهمية من الحرب نفسها.

–  أثبتت فلسفة اقتصاد السوق الاجتماعي دورها المحوري في تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في ألمانيا والتي حولت ألمانيا من حالة الدمار إلى حالة “المعجزة الاقتصادية” في وقت قصير.

–  لعبت شخصيات مثل لودفيغ إيرهارد وكونراد أديناور دورا استراتيجيا في توجيه الاقتصاد وإعادة بناء الدولة.

–  ساهمت خطة مارشال بشكل كبير في تمويل مشاريع إعادة الإعمار وتوفير الاستقرار النقدي والاقتصادي.

–  أسهم الشعب الألماني، من الذكور والإناث، بجهود استثنائية في إعادة بناء البنية التحتية.

–  أدى نجاح إعادة الإعمار إلى تعزيز التعاون الأوروبي وإنشاء الاتحاد الأوروبي.

–  شكل تكامل الجهود بين الحكومة والشعب ركيزة أساسية لتحقيق المعجزة الاقتصادية الألمانية.

–  أسهم استبدال الرايخ مارك بـالمارك الألماني في استعادة الثقة بالنظام النقدي وتحقيق استقرار اقتصادي.

–  ركزت عملية إعادة الإعمار على بناء شبكات النقل والطاقة لتحفيز النمو الاقتصادي.

–  لعب تطوير النظام التعليمي والتدريب المهني دورا مهما في تجهيز القوى العاملة الماهرة.

–  تم التركيز على دعم الصناعات الثقيلة والصغيرة كجزء من استراتيجية إعادة الإعمار.

–  اتخذت الحكومة إجراءات فعالة لضمان الشفافية والكفاءة في توزيع الموارد.

–  مهدت السياسات الاقتصادية الألمانية الطريق لاندماج أعمق مع الدول الأوروبية الأخرى.

–  أظهرت التجربة الألمانية أهمية تحقيق توازن بين دور الدولة في الرقابة وضمان حرية الأسواق.

–  ساهمت عملية إعادة الإعمار في تحقيق استقرار سياسي واقتصادي امتد لعدة عقود.

 –  عزز نجاح إعادة الإعمار من مكانة ألمانيا كقوة دبلوماسية واقتصادية على الساحة الدولية.

–  أصبحت ألمانيا نموذجا عالميا يُستشهد به في خطط إعادة الإعمار للدول المتضررة من النزاعات.

——————–

المصادر والمراجع:

  1. Germany 1945-1949: a case study in post-conflict reconstruction, Chris Knowles, history and policy, 29 January 2014
  2. James F. Byrnes, Speech of Hope, 1946, Stuttgart Archives
  3. Germany and the United States: A ‘Special Relationship’? Hans W. Gatzke, Harvard University Press.
  4. The Debate Over American Occupation Policy in Germany in 1944-1945, Walter L. Dorn, jstore
  5. Fears of Retribution in Post-War Germany, national ww2 museum, by the Department of Defense
  6. Directive JCS 1067 – GHDI – Document
  7. Modern economic history: from partition to reunification, britannica, Patrick

.29في مشروع مارشال انتقلت المعونة الأميركية من جيب أميركي إلى جيب أميركي آخر، نعوم تشومسكي، صحيفة المثقف

.30ألمانيا بُنيت على أكتاف السيدات! ما حقيقة “نساء الأنقاض” اللاتي أعدن إعمار ألمانيا بعد الحرب؟ عرب بوست، نيللي عادل، 2024-8-4

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق