آسياأخبار العالم

أوشفيتس.. وثائق روسية تكشف عن عمق المأساة الإنسانية لجرائم النازية في معسكر الموت الأكبر

قسم الأخبار الدولية 27/01/2025

رفعت روسيا الستار عن وثائق أرشيفية غير مسبوقة، تسلط الضوء على وحشية الجرائم التي ارتكبتها قوات النازية في معسكر “أوشفيتس”، والذي تحول إلى رمز للإبادة الجماعية والتطهير العرقي خلال الحرب العالمية الثانية. الوثائق التي كشف عنها جهاز الأمن الفيدرالي الروسي جاءت في الذكرى الثمانين لتحرير المعسكر على يد القوات السوفييتية، محملة بتفاصيل مروعة عن أساليب القتل المنهجي الذي طالت ضحاياه ملايين الأبرياء من مختلف الجنسيات.

أسس النظام النازي معسكر أوشفيتس عام 1939 بأمر من هينريش هيملر ليكون مرفقًا لاحتجاز السجناء السياسيين البولنديين. لكن سرعان ما تحول هذا المكان إلى محور الإبادة الجماعية مع تطور الحرب، حيث نُقل إليه أسرى الحرب السوفييت كأول ضحايا لاختبار الغاز السام في أغسطس 1941. لاحقًا، توسع دور المعسكر ليشمل استقبال اليهود من جميع أنحاء أوروبا، الذين خُدعوا بحجة “العلاج الصحي الإجباري”، قبل أن يتم إعدامهم في غرف الغاز التي أصبحت رمزًا للهولوكوست.

المعسكر لم يكن مجرد منشأة واحدة، بل كان مجمعًا ضخمًا يشمل ثلاثة مواقع رئيسية: أوشفيتس الأول، وأوشفيتس الثاني-بيركيناو، وأوشفيتس الثالث-مونوفيتس. استخدمت النازية هذه المواقع بطرق متعددة للإبادة الجماعية، بداية من العمل القسري إلى الإعدام بالغاز والحرق.

الوثائق الروسية تضمنت محاضر استجوابات ومذكرات توثق شهادات مشرفين وسجناء تعاونوا مع النازية، مثل جوزيف بيتشكا، الذي اعترف خلال تحقيقات أجرتها الاستخبارات السوفييتية في عام 1945 بأنه عاش حياة مريحة نسبيًا مقارنة بالسجناء، وشارك بفعالية في تعذيبهم وإعدامهم.
بيتشكا تحدث عن دوره في الضرب الممنهج، ودفع السجناء للعمل القسري تحت التهديد، وأشار إلى أعداد يومية مرعبة للضحايا، وصلت أحيانًا إلى 500 سجين تُنقل جثثهم إلى محارق بنيت خصيصًا لتسهيل التخلص من الضحايا.

الوثائق كشفت أيضًا عن الدور الذي لعبته قوات “إس إس” وأفراد الشرطة المساعدة، بما في ذلك حراس محليين وأفراد مجموعات خاصة أُطلق عليها اسم “كابوس”، في تنفيذ الإبادة الجماعية. هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مجرد منفذين لأوامر عليا، بل شاركوا بوعي وإصرار في التعذيب والقتل الجماعي، مستغلين أوضاع السجناء اليائسة لتحقيق مكاسب شخصية.

وفقًا للوثائق، أباد النازيون في أوشفيتس ما لا يقل عن 4 ملايين شخص، شملت عمليات القتل استخدام غرف الغاز، الحقن القاتلة، الإعدامات، والشنق. وتميزت الإبادة الجماعية في أوشفيتس بمنهجية استثنائية، حيث عملت 52 محرقة على مدار الساعة لحرق الجثث. ومع ذلك، لم تتمكن من مواكبة الأعداد الهائلة للضحايا الذين شملوا أطفالًا، نساءً، ومسنين لم يكونوا قادرين على العمل القسري.

قبل تحرير المعسكر رسميًا، بدأت الاستخبارات السوفييتية في توثيق الجرائم من خلال جمع أدلة وشهادات من الناجين. واستمرت هذه الجهود بعد التحرير عبر تحقيقات مكثفة أجرتها لجنة الدولة السوفييتية الاستثنائية، التي وثقت كل ما يتعلق بالجرائم والانتهاكات. جمع محققو “سميرتش” شهادات من ناجين وضحايا سابقين، كما لاحقوا قادة المعسكر والمتواطئين معهم، مما ساهم في بناء قاعدة واسعة من الأدلة التي شكلت أساسًا لمحاكمات جرائم الحرب.

يُعد إحياء ذكرى تحرير أوشفيتس، الذي أقرته الأمم المتحدة في 27 يناير يومًا عالميًا لإحياء ذكرى المحرقة، تذكيرًا دائمًا بفظائع الماضي وضرورة استحضارها لمنع تكرارها. و تعيد الوثائق الروسية الجديدة تسليط الضوء على هذه الجرائم، ليس فقط لتوثيق التاريخ، ولكن لتحذير الأجيال الحالية والمستقبلية من مخاطر العنصرية والتطرف.

أوشفيتس لم يكن مجرد مكان للإبادة الجماعية، بل شاهدًا على أقسى تجليات الوحشية البشرية. الوثائق التي كُشف عنها حديثًا تضيف بعدًا جديدًا لفهم تلك الفترة المظلمة، وتؤكد أن تذكر الضحايا ومعاقبة الجناة هما مسؤولية لا يمكن التهاون فيها لضمان أن يبقى الماضي درسًا لا يُنسى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق