أهم أسس العلاقات الدولية من الناحية السياسية وأهمية المتغيرات الدولية
شهدت العلاقات الدولية جملة من المتغيرات الهامة التي أدت الى تحولات جذرية عميقة في بنية النظام السياسي الدولي، وكان لهذه التحولات تأثيرا علي القواعد التي تحكم التفاعلات الدولية
إذ أن العلاقات فيما بين الدول كانت تحكمها مبادئ وأسس وضعتها اتفاقيات وستفاليا، التي أبرمت سنة1648، والتي أنهت سنوات طوال من الحروب في أوروبا وأرست على أساس راسخ يعترف بالسيادة الوطنية وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الذي صار معيارا أساسيا للسياسات الدولية تحترمه كل الدول حتى أيامنا هذه
إلا أن هذه الأسس التقليدية تشهد نقلة يفرضها تطور العلاقات الدولية نتيجة التقارب بينها وتشابك مصالحها واندماج الاقتصاد العالمي، ففحين كان القانون الدولي التقليدي يقتصر علي تنظيم العلاقات السياسية في وقت السلم والحرب، الدبلوماسية وصنع السياسات الخارجية، جعلته المتغيرات الدولية في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا وغيرها من المجالات يهتم بقضايا أخرى كالتجارة الدولية، النقود والتمويل وتنامي ظاهرة الهجرة والفقر العالمي والتي كان ينظر إليها باعتبارها ذات أهمية أقل بالنسبة للسياسات العليا للعلاقات فيما بين الدول
فالعالم مع بداية القرن الواحد والعشرين أصبح يمر بأزمة تتجلى في قصور قواعد القانون الدولي أمام ظهور متغيرات دولية استهدفت إعادة رسم خريطة العالم و وضع قواعد جديدة من طرف الدولة المهيمنة لتحقيق مصالحها أمام تهميش سيادة الدول
ومن هنا تأتي أهمية إلقاء الضوء على أبرز المتغيرات الدولية الراهنة وبيان مدى ارتباطها بأسس العلاقات الدولية من الناحية السياسية
فما مدى قدرة قواعد ومبادئ القانون الدولي العام في مقاربة الأوضاع الدولية الجديدة؟
وهل من الممكن تطبيق الأسس التقليدية للعلاقات بين الدول في ظل التحولات التي تشهدها العلاقات
الدولية المعاصرة ؟
التنظيم التقليدي للعلاقات السياسية
كان القانون الدولي التقليدي يقتصر على تنظيم العلاقات السياسية في وقت السلم والحرب وتنمية العالقات الاجتماعية، وأهم أسس العلاقات هي:
مبدأ السيادة: ويعني سلطة الدولة فالإفراد التام بإصدار قراراتها داخل حدود إقليمها ورفض الامتثال
مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول: ويعني حق كل الدول في اختيار كامل أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحياتية
حظر استخدام القوة وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية : أي تجنب الصراعات المسلحة قدر الامكان لتحقيق الاستقرار في العلاقات الدولية دون اندلاع حروب وصراعات دامية.
المتغيرات الدولية المعاصرة
شهد العالم تحولات عميقة في النظام الدولي أهمها انتقال النظام من ثنائية القطبية إلي أحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ثم ازدهار الصين لتنازع في الاحادية القطبية ثم التحول الجذري في قائمة الاهتمامات العالمية التي كانت متركزة أساسا حول الامن والاستراتيجية إلى قضايا النمو والتطور الاقتصادي، والبيئة والرفاهية والأقليات وحقوق الانسان.
: و بالتالي يمكن تقسيم المتغيرات الدولية الى
متغيرات اقتصادية:من خلال الانتقال الى اقتصاديات السوق واعتماد الاقتصاد الرأس مالي
متغيرات العولمة: وهي ظاهرة تشير الى تحول العالم الى سوق عالمية واحدة تنتقل فيها عناصر الانتاج دون قيود في ظل نسق عالمي جديد يتخطى نسق الدولة القومية
متغيرات التكنولوجيا:أخذ التطور التكنولوجي مكانة هامة في تحديد القوة في النظام الدولي الجديد وأدت عناصر هذه الثورة المعرفية وهي العلم والتكنولوجيا والمعلومات والثقافة الى بروز قضايا جديدة في السياسة الدولية، فالدول التي امتلكت زمام الثورة الصناعية الثالثة استطاعت أن تسود في النظام الدولي
متغيرات التنمية المستدامة: جاءت تلك المتغيرات نتيجة تداعيات بروز قضايا ذات طابع عالمي استلزمت التصدي لها بوضع برنامج انمائي، وذلك من خلال إعلان خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في سنة 2014 ومن أهم أهدافها تعزيز الوعي البيئي وتحقيق الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية وتحسين ظروف معيشة الفقراء
متغيرات الأزمة الصحية العالمية و فيروس كورونا: وهو أحد أهم المتغيرات الدولية التي أثرت على السياسات الداخلية والخارجية للدول وخاصة الدول العربية التي تشهد صراعات داخلية مثل سوريا واليمن نظرا الى الأنظمة الصحية المتقهقرة لديها وغياب القيادة فيها.
في المقابل، استغلت بعض الأنظمة المهيمنة الأزمة الصحية لإحكام سيطرتها واستثمار الأزمة لصالحها من خلال الاحتفاظ بالمساعدات الطبية
التنظيم المعاصر للعلاقات السياسية في ظل المتغيرات الدولية الراهنة
فرض النمو الذي مرت به العلاقات الدولية على القانون الدولي العام، أوضاعا جديدة أدت الى ازدهاره وتطوره، ودفعت به الى مجالات جديدة تماما تحكم العلاقات السياسية بين الدول.
و الهدف من التحول الجذري للأسس السياسية هو معايشة التطورات الدولية الحديثة وتحقيق التعاون بين الدول في الشؤون الاقتصاديةو الصحية و الاجتماعية و المحافظة على السلم و الأمن الدوليين،
و بالتالي تفرع القانون الدولي الى عدة فروع ليشمل عدة مجالات فرضتها التحولات الدولية و أبرز هذه الفروع هي:
القانون الدولي الانساني: هدفه حماية كل شخص لا يشارك في العمليات العسكرية أثناء النزاعات المسلحة كالمدنيين وعمال الاغاثةوالصحفيينو الجرحى و أسرى الحرب.
القانون الدولي الاقتصادي: مجموع القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الدولية الاقتصادية، أي تلك العلاقات القائمة بين المجموعات الاقتصادية الكبرى
القانون الدولي لحقوق الانسان: يحرص على ضمان حقوق الفرد واحترام حقوقه وحرياته المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضد أي تعسف لسلطات دولية
القانون الدولي للجوء: كانت مشكلة اللجوء منذ القدم من أعقد القضايا التي تواجه العالم بكافة دوله ومنظماته وتركيباته ، وقد زادت معاناة اللاجئين وارتفعت حدة تلك المشكلة في الوقت الحالي عن أي وقت ًمضى نظرا لما يمر به العالم المعاصرمن أوضاع سياسية مضطربة نتيجة قيام حروب عديدة في معظم ربوع العالم
و العديد من القوانين الأخرى كالقانون الدولي الجنائي و القانون الدولي للتنمية و القانون الدولي للبيئة
و في الأخير تجدر الاشارة بأن الاستراتيجيات و الأفكار الحاكمة للعلاقات الدولية تمثل مقياسا لرصد تحولات طبيعة النظام الدولي أي أن المتغيرات الدولية ستبقى في ارتباط وثيق بأسس العلاقات فيما بين الدول طالما أن العلاقات الدولية تزداد تشابكا و تعقيدا و طالما مازالت القضايا الدولية الحساسة تنذر العالم بحرب عالمية من نوع جديد.