أمام أزمة الخبز هل ستتوجه الدولة التونسية إلى القمح الروسي أكثر
على الرغم من تصريحات ديوان الحبوب ووزارة الفلاحة المطمئنة في ما يتعلق بتمكن الدولة التونسية من توفير حاجياتها من القمح والحبوب عموما, وذلك في عملية استيراد استباقية لما ستؤول إليه الأوضاع العالمية على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا, وذلك بأن قامت بتعبأة مخزونها من هذه المادة عبر فتح باب المناقصات العالمية وتحريك أدواتها الديبلوماسية لتحقيق اكتفاءها الذاتي خاصة وأنها استطاعت توفير الشحنات من أروبا وأوروبا الشرقية وروسيا وأوكرانيا, إلى حين إعادة ملئ مخزوناتها من جديد, خاصة وأن الاستراتيجية الوطنية لسنة 2022 للتزود بالقمح تقوم على تقابل آجال النقص في هذه المادة مع موسم الحصاد. غير أن التغيرات المناخية وعدم توفر التساقطات المطرية اللازمة حالت دون موسم زراعي قادر على توفير نوعا من شبه الاكتفاء الذاتي, الأمر الذي خلق أزمة قمح خاصة القمح الصلب ومن وراءه أزمة خبز. بالإضافة إلى ذلك تعاني العديد من الدول أزمة إمدادات في مادة القمح في ظل انتهاج الدول المنتجة وخاصة الأوروبية على غرار فرنسا قوانين صارمة في توريد منتجاتها عملا بأخذ الاحتياطات التي تحفظ أمنها الغذائي, وفي ظل أتخاذ روسيا اجراءات صارمة خاصة بعد تحويل شحنات القمح الموجهة للدول الافريقية ودول شمال افريقيا عبر تركيا الوسيط وفق خطة الأمم المتحدة للأمن الغذائي العالمي إلى المخازن الأوروبية.
يمكن تلافي أزمة الخبز في الداخل التونسي أولا عبر ضرورة توفير السيولة المالية اللازمة لاستيراد القمح الصلب الذي تتوفر منه مادة (السميد) وبالتالي مادة الخبز مما يساهم في التقليل من الضغط على مادة الفرينة, أما ثانيا فمن الضروري أن تسيطر وتراقب الدولة مسالك توزيع مادة القمح الصلب عبر اتخاذ كل الاجراءات الردعية تجاه سيطرة غرفة ونقابة المطاحن على ديوان الحبوب وخاصة في ما يتعلق بعدم تكافئ حصص التوزيع مما يمكن على سبيل المثال مجمع واحد من الحصة الوطنية من القمح الصلب وهذا ما يضاعف النقص في مادة “السميد” خاصة مع رفض هذه المجامع تخفيض كميات القمح الصلب الموجهة لصناعة “المقرونة” التي تدر أموالا طائلة على أصحاب هذه المجامع وتجعل ديوان الحبوب الوطني تحت سيطرة غرفة المطاحن. أما ثانيا فإن فتح قنوات سياسية وديبلوماسية جادة مع روسيا الاتحادية المنتج الأول للقمح في العالم لهو أمر ضروري وملح, خاصة وأن أزمة الحبوب آخذة في مزيد التعاظم على خلفية تواصل العملية العسكرية في أوكرانيا, وفي ظل تخلف فرنسا عن توفير هذه المادة في سنة 2021-2022 بتعلة الانخفاض في الانتاج, ناهيك عن التكالب الدولي على هذه المادة المقترنة أساسا بالأمن الغذائي والقومي والفساد الداخلي والعمليات الاحتكارية المتتالية التي يسعى مرتكبوها إلى العمل على تأجيج الأزمة في تونس واستخدام رمزية الخبز لتحقيق مصالح سياسوية. وحيث أن المصالح العليا للدولة التونسية سابقة عن كل الحسابات السياسية وعن كل الاتفاقيات المبرمة قديما فإنه لمن الضروري بما كان اليوم والآن بحث موارد جديدة لمادة القمح أو الترفيع في حجم المعاملات, كيف لا وأن نسبة تزود تونس بالقمح من الجانب الروسي المنتج الأول في العالم لم تتجاوز 3.97% وهي نسبة مئوية مخجلة تدل على غياب الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بتوفير مادة القمح ومن وراءها الأمن الغذائي للتونسيين وهي دلالة على غياب الرؤية السياسية للتحولات العالمية الكبرى وضرورة إعادة توجيه البوصلة وفتح قنوات جديدة بما فيه مصالح الدولة التونسية. وإذ ندعو إلى اتخاذ هذه الاجراءات الآنية والملحة الآن فإننا نعتقد أن للدولة التونسية مكانة على الصعيدين الاقليمي والدولي ولها من العلاقات المتنوعة ما يسمح لها بفتح العديد من النوافذ التي من شأنها ان تلاقي قبول واسع ساهمت فيه ديبلوماسية الوقوف على نفس المسافة واحترام سيادة الدول والنأي بالنفس عن الصراعات والنزاعات وتدعمه في كل مرة العلاقات التاريخية والانفتاح اللامشروط للدولة التونسية والمؤسس على قاعدة الاحترام المتبادل.