أردوغان يتورط في الصحراء الإفريقية وستبتلعه الرمال الليبية

إعداد بدرة قعلول : رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

يقول عمر سال، الباحث السنغالي بمركز الدراسات الدبلوماسية والإستراتيجية في باريس، والأستاذ بكلية العلوم السياسية في بوردو، إنه”منذ إطلاق النظام التركي برنامج الإنفتاح على إفريقيا عقب تولي حزب الحرية والعدالة السلطة في تركيا، تسارع نفوذ أنقرة في عدة دول أفريقية من بينها السنغال.

وأشار الباحث السنغالي أن “النظام التركي يلعب على جميع الجبهات في إفريقيا لبسط نفوذه في جميع أنحاء القارة”، ولم تعد تخفى على أحد أطماع أردوغان في إفريقيا، حيث تضخمت “الأنا” لدى السلطان العثماني الطامع الذ يتوهم أنه أصبح القوة العظمى ويمكنه أن يتجاوز كل الأعراف الدولية ويتخطى حدوده..

كما رصدت الكثير من التقارير الصحفية والعديد من الخبراء الدوليين المهتمين بالشأن الإفريقي حقيقة مساعي أردوغان الإستعمارية لاستغلال ثروات الشعوب الإفريقية، مستخدما في ذلك غطاء الدين كمدخل ليساعد مرتزقته الإرهابيين في السيطرة على الحكم. وصدر تقرير لـ(غلوبال سكوريتي) الأمريكي، كشف عن تحركات الدبلوماسيين الأتراك باستغلالهم المشاعر الدينية للتجمعات المسلمة في دول إفريقية، مثل النيجر ومالي ونيجيريا والسنغال من أجل مصالح تركيا والسيطرة على هذه الدول عبر تكوين شبكات مصالح ونفوذ واستخدام المال وتوزيع المساعدات وإقامة مراكز دينية تساهم في نشر الأفكار المتطرفة وتجنيد الشباب.

وقد تحدثت تقارير كثيرة عن دعم أردوغان حركة الشباب الصومالية وجماعة بوكو حرام بالإضافة إلى دعم جماعة تنظيم الإخوان الإرهابي، ولربما العقدة لدى أردوغان هي مصر،إذ كان يتمنى استمرار حكم الإخوان هناك، واستمرار نظام البشير في السودان، لكن قُطع عليه الطريق، لذلك نراه يناصب العداء ويحرك أذرعه ضد مصر باحثا عن أي منفذ للسيطرة على إفريقيا من شمالها الى غربها.

الأتراك لهم استراتجية عمل يحاولون من خلالها فرض أنفسهم بطريقة ناعمة في البداية، فهم يهتمون كثيرا بصورتهم في القارة بالتمويل المبطن للمشروعات الثقافية والرياضية والمساجد في إفريقيا، مستغلين الأوضاع الصعبة الإقتصادية والإجتماعية لدى السكان المحليين.

التوغل التركي يبدأ بالأساس بهيمنة ثقافية ودينية ثم تأتي بعد ذلك الخطوة المالية لتصل إلى التعاون والإتفاقيات العسكرية.. لقد أنشأت تركيا على سبيل المثال، مركزا ثقافيا ضخما في العاصمة السينغالية،وفي سنة 2018، شيدت مؤسسة “ديانيت” التركية ، في غانا،واحدا من أكبر المساجد في غرب إفريقيا، يتسع لـ 5 آلاف شخص، ومدرسة للأئمة.. وفي نهاية عام 2019، افتتحت جيبوتي أكبر مسجد في البلاد، بتمويل من ديانيت، وفي الكاميرون، تم بناء مجمع رياضي في دوالا، سيستضيف كأس الأمم الإفريقية 2021، من قبل مجموعة يانجان التركية وبتمويل من “ترك إكسيم بنك التركي”.
كما تسلل العثماني طامعا في التحصل على مفاتيح العديد من الدول الإفريقية، كتونس عبر أذرعه الاخوانية وليبيا عبر المليشيات المسلحة والإخوان، وكل همه إنقاذ نظامه وبلاده من الأزمات الداخلية عبر سعيه المحموم إلى استغلال وسرقة موارد دول القارة وكأنه رئيس عصابة دولية وليس رئيس دولة تحترم الأعراف الدولية.

وضمن محاولاته اختراق العمق الإفريقي وخاصة دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء وغرب القارة، كانت زياراته إلى السنغال والجزائر وغامبيا..

وعلى مدار السنوات العشر الماضية، أصبحت تركيا شريكا تجاريا في العديد من الدول الإفريقية، في السنغال في والنيجر وتشاد والصومال وغيرها، بمشروعات خاصة في أعمال البني التحتية والمدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية والمساجد، الأمر الذي يعكس طموح أردوغان التوسعي في إفريقيا واستكمال ما لم يصل إليه أجداده العثمانيون في الغرب الإفريقي.

تحصلت تركيا على مشاريع هامة واستراتجية في السنغال مثل بناء مركز عبدو ضيوف الدولي للمؤتمرات، وقصر داكار الرياضي، وفندق راديسون في ديامناديو، والمدينة الجديدة التي تقع على بعد 30 كم من العاصمة، والمشاركة في تنفيذ القطار السريع الإقليمي، وإدارة مطار “بليز ديان” الدولي لمدة 25 عامًا.

ي عام 2018 تحصلت تركيا في السنغال على 29 مشروعا بقيمة أكثر من 700 مليون يورو، لرفع حجم التجارة إلى 400 مليون دولار على المدى القصير، أي ما يقرب من ضعف المبلغ في عام 2018، (250 مليون دولار).
الغريب في هذا الرئيس المهووس فتحه العديد من الجبهات والتحالف مع المتناقضات، ويتواجد على الساحة الدولية بغطرسة،حيث تترامى أذرعه في كامل المنطقة من الشرق الأوسط إلى إفريقيا.. فمن إدلب السورية إلى طرابلس الليبية إلى العراق إلى اليمن إلى دول البلقان إلى استفزاز و ابتزاز لدول أوربا.

مسار طويل لغمته تركيا بالفوضى والفتن الداخلية واستعمالها كل الطرق المنافية للقوانين الدولية لوضع اليد على الأرض والثروات وخاصة عقود إعادة البناء وعقود الإستثمار المفتوحة و الاتفاقيات المشتركة.

منذ 2011 بدأ أردوغان بالعمل على تعيين قيادات سياسية في الكثير من الدول يدينون له بالولاء مستخدما خاصة ورقة “الخوانجية” لأنه يعرفهم جيدا و يعرف أطماعهم و ملفاتهم و فسادهم كما يدرك تماما أطماعهم للحصول على السلطة، كما لا تفوت أردوغان الخبيث الشعارات “الإخوانية” المدسوسة في عباءة عثمانية، التي تخطط لمشروع توسعي من الشرق الأوسط وصولا إلى شمال أفريقيا و الساحل و الغرب الإفريقي.

استغل أردوغان الوضع في الصومال وأمر بتقديم مساعدات إنسانية ضخمة، وافتتح أكبر سفارة تركية في إفريقيا عام 2016، وأبرم اتفاقيات تجارية بمبلغ 250 مليون دولار، بالإضافة إلى 100 مليون دولار من الإستثمارات التركية، واللوجستية (شركات تركية تدير الميناء والمطار)، والمدارس والرعاية الصحية، ومستشفى أردوغان في مقديشيو.

وواصل تمركزه بعقد اتفاقيات تعاون عسكرية واستخباراتية مع قاعدة عسكرية في مقديشيو، حيث يتولى رجال أردوغان تدريب قوات الأمن المحلية التي تستخدم المعدات التركية والأسلحة والطائرات بدون طيار والمركبات في تبعية عسكرية كاملة.

كما ضمن أردوغان نفوذا سياسيا كبيرا في الصومال حيث تم تعيين مبعوث خاص في سنة 2018، وهو الأول في تاريخ تركيا، بهدف التأثير بشكل مباشر على الأجندة السياسية المحلية، فضلا عن المنح الدراسية المتعددة للطلاب المحليين للدراسة في تركيا تهئية لكي يصبحوا لمسؤولينعصب الإدارة والطبقة الحاكمة الموالية في المستقبل

وتحت غطاء الإستثمار والمساعدات يدخل المستعمر العثماني إلى إفريقيا التي أرهقتها المشاكل الداخلية من فقر وفساد سياسي وتفشي الإرهاب، بحيث أصبحت اغلب دول منطقة الساحل والصحراء والغرب الإفريقي تعاني من تداعيات التدخل التركي سواء من جانب النهب للثروات أو التدخل في الشؤون الداخلية.

ويمكن تسمية أردوغان اليوم،وبعد انكشاف نووياه، بأنه الأب الروحي للجماعات الإرهابية الموجودة في إفريقيا بسبب توفيره الدعمَ المالي لها وتوفير السلاح، وأصبحت هذه الجماعات تسيطر على مناطق واسعة في البلدان الإفريقية ، وهناك أسلحة ضبطتها العديد من دول القارة ومن بينها نيجيريا التي أعلنت صراحة أنها أسلحة قادمة من تركيا وأيضا من ليبيا التي تقع تحت سطوة الميليشيات المسلحة بغطاء إخواني،والتي أصبحت تحت التأثير التركي المباشر.