أخطر رجل في العالم!
الكاتب والمؤلف جمال الدين طالب: قسم البحوث والدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية 23-01-2025
وصف الكاتب والباحث الفرنسي باسكال بونيفاس، الملياردير الأمريكي (الجنوب إفريقي الأصل) إيلون ماسك بأنه ليس أغنى رجل في العالم فقط، إنما هو أيضا أخطر رجل في العالم، أخطر على العالم حتى من دونالد ترامب، العائد لرئاسة الولايات المتحدة، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والذي لعب ماسك دورا كبيرا فيه سواء بالدعم المالي أو عبر منصة “اكس” التي يمتلكها. فقد تبرع ماسك، مالك شركتي “تسلا للسيارات الكهربائية” و “سبيس إكس”، بمبلغ 259 مليون دولار لدعم حملة ترامب في انتخابات 2024، جعله أكبر الممولين لحملة رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة.
كما حول ماسك “أكس” (تويتر سابقا) إلى ذراع ترويجي لترامب، إلى درجة أن ماسك قام في يوم الانتخابات، بنشر حوالي 200 تغريدة، للترويج لرسائل مؤيدة لترامب واتهامات حول تزوير الانتخابات. وقد حققت هذه التغريدات مشاهدات وصلت إلى 955 مليون مشاهدة، عبر التلاعب بالخوارزميات وإبراز المحتوى الداعم لترامب والمروج لماسك نفسه، وحسابه الشخصي المتابع من قبل أكثر من 213 مليون متابع.
وقد حقق ماسك عوائد مالية ملموسة من استثماراته السياسية في ترامب، حيث ارتفعت أسهم شركة “تسلا” بنسبة 13% بعد فوز ترامب، وقفزت ثروة ماسك، في يوم واحد بقيمة 62.8 مليار دولار، ليصل إجمالي ثروته إلى 447 مليار دولار!
وبفضل هذا الدعم أصبح ماسك حليفا قويا لترامب ويلعب الآن دورا رئيسيا في فريقه، حيث من المقرر أن يرأس وزارة كفاءة الحكومة لمحاسبة الإنفاق الحكومي. وقد وعد ماسك وترامب، بجعل الولايات المتحدة “قوية لقرون”، خلال تجمع للملياردير الجمهوري في واشنطن عشية تنصيبه.
حقق ماسك عوائد مالية ملموسة من استثماراته السياسية في ترامب، حيث ارتفعت أسهم شركة “تسلا” بنسبة 13% بعد فوز ترامب، وقفزت ثروة ماسك، في يوم واحد بقيمة 62.8 مليار دولار، ليصل إجمالي ثروته إلى 447 مليار دولار!وقال ماسك على المنصة إلى جانب ترامب “هذا الانتصار هو حقا البداية. ما يهم هو إحداث تغييرات كبيرة وإرساء أسس لتكون أمريكا قوية لقرن من الزمن، لقرون وإلى الأبد”.
وبالدور الذي لعبه في فوز ترامب زاد غرور ماسك وشعوره بـ”التغول” وزاد ترويجه للخطاب العنصري واليميني المتطرف في منصة “إكس” ومحاولة التأثير السياسي في أوروبا بدعم حزب “البديل” اليميني العنصري المتطرف في ألمانيا مثلا. وباستمرار تحريضه في بريطانيا، بإعلان دعمه حزب “ريفورم” اليميني المتطرف المعادي للمسلمين وزعيمه نايجل فاراج ووعده بدعم الحزب بـ100 مليون دولار، قبل أن ينقلب ماسك عليه و يدعو للإطاحة به من زعامة الحزب بين عشية وضحاها، بعدما اختلف فاراج معه بشأن دعوة ماسك لإطلاق سراح تومي روبنسون، زعيم جماعة “الرابطة الإنجليزية” العنصرية المعادية للإسلام والمسلمين، المسجون بسبب ازدراء القضاء ونشر الأكاذيب في قضية فتى لاجئ سوري تعرض لاعتداء عنصري في مدرسة انجليزية.
وقد شن ماسك حملة جديدة للتحريض على العنف والكراهية والتفرقة في بريطانيا، حيث أعاد قبل نحو أسبوعين نشر تغريدة تتضمن معلومات مضللة عن قيام لاجئ مسلم بقتل ثلاثة فتيات صغيرات في منطقة ليفربول شمال إنجلترا، في الصيف الماضي، على الرغم من تأكد منذ أشهر أن القاتل هو شاب ولد في بريطانيا، وه يعاني من مرض التوحد واضطرابات عقلية، وقد جاء والداه من رواندا، وليس مسلما، بل هو مسيحي ومن عائلة مواظبة على التردد على الكنيسة.
وفي الصيف الماضي لعبت منصة “اكس” ومالكها ماسك دوراً كبيرا في تسميم الأجواء، والتحريض على أعمال البلطجة التي تعرضت لها بريطانيا، التي استهدفت بشكل خاص المسلمين ومساجدهم على خلفيه هذه الجريمة البشعة.
وبتشجيع مفضوح من “اكس” وماسك روجت مواقع وحسابات مرتبطة بروسيا لهذه الكذبة بأن مسلما هو من وراء هذه الجريمة النكراء، ولعب المؤثر (المحرض) الأمريكي ـ البريطاني المقيم في رومانيا، المدعو أندرو تيت، الذي يدعي أنه أسلم ـ (بما جر له ذلك من متابعين وأنصار من المسلمين بكل مفارقات ذلك!) ـ دورا كبيرا في الترويج لها كذلك.
ومع توسع أعمال الشغب والبلطجة التي شهدتها ليفربول ومدن أخرى من بريطانيا، زادتها منصة “إكس”، اشتعالا بتشجيع من ماسك نفسه، الذي ذهب إلى التحريض على الحكومة البريطانية والزعم أن “الحرب الأهلية أمر لا مفر منه في بريطانيا”، وتأجيج الخطاب والحسابات المعادية للمسلمين بشكل مفضوح، وتحت أجندة يمينية متطرفة، وإن فيها أيضا جانب انتهازي (مثله مثل ترامب) مثلما حدث مع هجومه وتحريضه ضد الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، بزعم أنها ليست امرأة!
وهناك من أعطى تفسيرا طبيا لسلوك إيلون ماسك في “اكس” بإصابته بمتلازمة أسبرجر، أو اضطراب طيف التوحد، وهو اضطراب في النمو العصبي تتميز بصعوبات كبيرة في التفاعل الاجتماعي والتواصل غير اللفظي بالإضافة إلى أنماط مقيدة ومتكررة من السلوك والاهتمامات.
في هذا السياق فبعد مرور أشهر عما حدث في بريطانيا، عاد ماسك لإعادة نشر المعلومات المغلوطة عن المسلمين فيها، بل وطالب بسجن رئيس وزرائها وزعيم حزب العمال كير ستارمر، بعد أن اتهمه بأنه “متواطئ بشكل عميق في قضية عمليات الاغتصاب الجماعي لفتيات بيض”!، التي اكتشفها ماسك في منشور عنصري استحضرها، رغم أنها حدثت قبل أكثر من 15 عاما، والتي تورط فيها أشخاص من أصل باكستاني من متعاطي الكحول والمخدرات، الذين منطقيا لا علاقة له بتعاليم الإسلام!
وعلى هذه الخلفية روج ماسك وكثير من الحسابات العنصرية المعادية للمسلمين على “اكس” إلى فزاعة أن “المسلمين رغم أنهم أقلية هم من يقومون بغالبية عمليات الاغتصاب والاعتداء الجنسي على فتيات قاصرات من البيض في بريطانيا”! رغم أن إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية نفسها تؤكد بالعكس أن الغالبية الساحقة من هذه الجرائم يقوم بيها بيض.
بالدور الذي لعبه في فوز ترامب زاد غرور ماسك وشعوره بـ”التغول” وزاد ترويجه للخطاب العنصري واليميني المتطرف في منصة “إكس” ومحاولة التأثير السياسي في أوروبا بدعم حزب “البديل” اليميني العنصري المتطرف في ألمانيا مثلا.ومن بريطانيا انتقل ماسك إلى ترويج أكاذيبه لتشمل أوروبا، حيث أعاد، مؤخرا، نشر إحصائيات كاذبة لحساب عنصري على “اكس” يروج إلى أن “الرجال من أصل غير أوروبي يرتكبون 84% من جرائم الاعتداء والاغتصاب، على الرغم من أنهم يشكلون حوالي 10% فقط من السكان”.
واستهدف المنشور العنصري المفبرك لحساب ينسب لعنصري أمريكي، والذي لا مصدر موثوق له، إلى أن “الجزائري أكثر عرضة لارتكاب جريمة الاغتصاب بـ 122 مرة من السويدي، والأفغاني أكثر عرضة بـ 69 مرة”.
وقد أعاد ماسك هذا المنشور العنصري على حسابه على “اكس”، وتفاعل معه بعبارة WOW “واو”!
ولم يكن هذا الموقف العنصري الإسلاموفوبي من ماسك مفاجئا، فقد أصبح له ولمنصته سجل أسود.
وفي هذا السياق يحاول إيلون ماسك تقديم نفسه على أنه حريص على القيم المسيحية، لكن ابنته فيفيان ويلسون، المتحولة جنسيا من ذكر إلى أنثى، فضحته على حسابها على منصة “ثريدز”، التابعة لمجموعة “ميتا”، التي تضم “فيسبوك”، والتي يملكها مارك زوكربيرغ، والمتهم هو أيضا بتشجيع الإسلاموفوبيا، وفي المقابل قمع أي نقد لإسرائيل والصهيونية، والتضييق على المحتوى الداعم لفلسطين.
ابنة ماسك فيفيان وصفت والدها بأنه “كاذب ومتعصب وشخص فظيع”. وقالت إنها اضطررت للخروج عن صمتها بعدما شاهدت والدها، وهو يدعي بأنه رب عائلة محافظ على القيم المسيحية، وكتبت قائلة إنه ليس “رب عائلة، إنما زانٍ متعدد العلاقات لديه ما لا يقل عن 12 طفلاً من ثلاث نساء، وأنه لا يتوقف عن الكذب بشأن أطفاله”.
ومضت تخاطب والدها: “أنت لست مسيحيًا، على حد علمي”. وأضافت: “أدرك أنك لم تطأ قدمك الكنيسة أبدًا”.
في شهر يوليو الماضي، ادعى ماسك أنه “مؤمن كبير بمبادئ المسيحية” وحذر من أن الدين “سوف يهلك بدون شجاعة مجتمعية”.
واتهمت ابنة ماسك والدها بأنه عنصري، هو المتهم بالترويج لخطاب تفوق العرق الأبيض، ونظريات عنصرية مثل “الاستبدال الكبير”، التي تروج لأن هناك مؤامرة لاستبدال السكان البيض المسيحيين في الغرب بالمسلمين! وذهب ماسك للقول “يجب علينا تأمين وجود شعبنا ومستقبل الأطفال البيض”.
وكتبت فيفيان مخاطبة والدها “أنت لست معقلًا للمساواة والتقدم.. لقد وصفت اللغة العربية بأنها “لغة العدو” عندما كنت في السادسة من عمري، وتم رفع دعوى ضدك عدة مرات بتهمة التمييز العنصري، وأنت من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.”
وكانت ابنة ماسك، البالغة من العمر 20 عاماً، تخلت عن لقب والدها، واختارت عام 2022 لقب والدتها ويلسون.
وكان الملياردير الأمريكي أثار ضجة في نوفمبر 2024 عندما دعم منشورا لمستخدم على منصة “إكس” اتهم اليهود بكراهية البيض وبأنه لا يكترث لمعاداة السامية “، وقد علق ماسك عليه قائلا “لقد قلتَ الحقيقة الفعلية”. لكن بعد تعرضه للانتقاد سارع ماسك للاعتذار، واصفا تعليقه بأنه “أغبى منشور قام به على الإطلاق”.
من بريطانيا انتقل ماسك إلى ترويج أكاذيبه لتشمل أوروبا، حيث أعاد، مؤخرا، نشر إحصائيات كاذبة لحساب عنصري على “اكس” يروج إلى أن “الرجال من أصل غير أوروبي يرتكبون 84% من جرائم الاعتداء والاغتصاب، على الرغم من أنهم يشكلون حوالي 10% فقط من السكان”.ولم يتوقف ماسك منذ ذلك الحين عن تقديم الطاعة للأوساط الصهيونية، حيث تمت دعوته بعدها بأسابيع لإسرائيل واستقبل من قبل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وقد زار معه إحدى المستوطنات التي هاجمتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، وأيَّد موقف نتنياهو بوجوب تدمير الحركة. ثم قام ماسك بعدها (برفقة ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات) بزيارة موقع معسكر إبادة اليهود النازي في “أوشفيتز ” في بولندا، وقد وصف نفسه بأنه كان “ساذجا” بشأن مدى انتشار معاداة السامية حتى وقت قريب، وزعم أن ذلك يرجع إلى أن معظم أصدقائه يهود، ولهذا لم يكن يرى في محيطه أي أثر لمعاداة السامية.
وقد صرح ماسك في مؤتمر صحافي نظمته جمعية اليهودية الأوروبية بعدها: “ما يقرب من ثلثي أصدقائي هم من اليهود، لدي ضعف عدد الأصدقاء اليهود مقارنة بأصدقائي غير اليهود، أنا يهودي من حيث الارتباط، وأنا يهودي من حيث الطموح”.
لكن هذا “اليهودي بالطموح”، كما يصف نفسه قام بتأدية تحية هتلر في حفل تنصيب ترامب وسط تصفيقات الحضور، مما أثار جدلا واسعا. وقد تحولت لقطة ماسك إلى أكثر الفيديوهات تداولا على منصته “اكس”!
واللافت أن ماسك أعلن رغبته في شراء منصة “تيك توك”. وقد يجد الطريق معبدا أمامه مع التهديد الذي يتعرض له التطبيق الصيني، ودعم ترامب، الذي تدخل لرفع الحظر مؤقتا عنه في الولايات المتحدة، لكنه قال إنه سيسمح للتطبيق بالاستمرار في العمل في الولايات المتحدة، “لكن بشرط ملكية أمريكية بـ 50% من تيك توك”.
وقد يدفع ترامب في اتجاه إجبار الصينيين على بيع المنصة أو نصفها لماسك أو على الأقل الفرع الأمريكي، الذي يمثل سوقا هائلة، حيث يستخدمه أكثر من 170 مليون شخص داخل البلاد.
وكشفت تقارير عن إجراء مسؤولين صينين محادثات أولية حول إمكانية بيع الفرع الأمريكي من “تيك توك” إلى ماسك، الذي لديه الإمكانيات المالية وبأكثر من اللازم لتكرار تجربته عندما فاجأ الجميع مع إعلان رغبته في شراء منصة تويتر في عام 2022، وهي الصفقة التي تمت فعلاً بسعر بلغ 44 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق بكثير قيمة المنصة، التي أدخل عليها ماسك تغييرات واسعة، وغيّر اسمها إلى “إكس” واستخدمها بفعالية خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة لدعم ترامب.
وبالمقارنة بـ”اكس” فإن تأثير “تيك توك” أكبر خاصة في أوساط الشباب، ومن شأن استحواذ الملياردير ماسك على المنصة أن يعطيه سيطرة كبيرة في عالم “السوسشال ميديا” تمنحه إمكانية تأثير أخطر وتجعله فعلا “أخطر رجل في العالم” بالنظر للأفكار الخطيرة التي يروجها، والجيوب المالية العميقة التي يمتلكها، والغطاء السياسي الكبير بأبعاد عالمية، الذي يوفره له ترامب، رئيس أكبر قوة في العالم.