واشنطن وطهران في عهد ترامب الثاني بين التصعيد والانفراج: هل تعود المفاوضات النووية؟
![](https://i0.wp.com/strategianews.net/wp-content/uploads/2025/02/WhatsApp-Image-2025-02-06-a-15.42.30_8be5d01a.jpg?resize=780%2C470&ssl=1)
قسم البحوث والدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية 06-02-2025
مع إعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لولاية ثانية، بات مصير العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران محط اهتمام دولي، لا سيما في ظل التوترات المستمرة حول الملف النووي الإيراني. فبعد سنوات من العقوبات القصوى، والتصعيد العسكري، والمواجهة الدبلوماسية، تطرح تساؤلات حول ما إذا كان ترامب سيواصل نهجه السابق في ممارسة الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران، أم أنه قد يسلك طريقاً مغايراً يقود إلى تسوية جديدة.
رسائل متبادلة بين ترامب وطهران: هل هناك بوادر تغيير؟
خلال حملته الانتخابية، بعث ترامب برسائل توحي برغبته في تجنب صراع جديد في الشرق الأوسط، حيث أكد أنه لن يسمح باندلاع حرب عالمية ثالثة، بينما وجه إلى إيران رسالة مباشرة مفادها: “لا أريد أن أؤذيك”. هذه الإشارات قوبلت بموقف إيجابي حذر من الجانب الإيراني، إذ صرّح نائب الرئيس الإيراني، جواد ظريف، بأن بلاده تأمل في أن يفي ترامب بتعهده بعدم الدخول في مواجهات عسكرية. كما لمّح إلى أن طهران لا ترى موقف ترامب سلبيًا بالكامل، ما يعكس استعداداً ضمنياً للتفاوض.
لكن الموقف داخل طهران لا يزال منقسمًا حيال فكرة استئناف المحادثات النووية مع واشنطن. ففي حين يؤيد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ومعه أعضاء حكومته، الانخراط في عملية تفاوضية جديدة، لا يزال المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، متحفظًا إزاء العودة إلى طاولة المفاوضات. فمنذ انسحاب ترامب الأحادي من الاتفاق النووي عام 2018، أعرب خامنئي عن شكوكه في جدوى المفاوضات مع الولايات المتحدة، ووصفها في خطاب شهير عام 2018 بأنها “خطأ”. ورغم أن موقفه ظل متصلبًا لفترة طويلة، إلا أن لقاءه مع علماء نوويين في يونيو 2023 أظهر نوعًا من المرونة المشروطة تجاه استئناف المحادثات، ما دفع بعض المراقبين إلى تفسير ذلك بأنه دعم ضمني لموقف حكومة بزشكيان الساعي لإعادة التفاوض.
سياسة الضغط الأقصى: عودة أم تغيير في الأسلوب؟
منذ وصوله إلى البيت الأبيض في ولايته الأولى، انتهج ترامب سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران، وهي استراتيجية استمرت في عهد الرئيس السابق جو بايدن، الذي لم يلغِ العقوبات، بل شدد بعضها. لكن وفقًا للمبعوث الأميركي السابق الخاص بإيران، برايان هوك، فإن إدارة ترامب الثانية ستعود لتلك السياسة، ولكن “دون نية تغيير النظام الإيراني”.
رغم هذه التصريحات، لم تتضح بعد ملامح السياسة الأميركية الجديدة تجاه إيران. فبينما قد يعيد ترامب فرض المزيد من العقوبات للضغط على طهران، فإن هذا المسار يحمل مخاطر اقتصادية عالمية، خاصة فيما يتعلق بأسواق النفط. ويعتقد مراقبون أن ترامب قد يسعى هذه المرة إلى توظيف سياسة الضغط القصوى كورقة مساومة في أي مفاوضات مقبلة، خصوصًا إذا كانت واشنطن ترغب في توسيع نطاق المحادثات ليشمل البرنامج الصاروخي الإيراني والسياسات الإقليمية لطهران، وهي مطالب رفضتها إيران منذ عام 2013، مؤكدة أن المفاوضات يجب أن تقتصر على الملف النووي فقط.
وفي حال فشل المسار التفاوضي، قد يؤدي استمرار العقوبات إلى اضطرابات داخلية في إيران، على غرار الاحتجاجات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في 2018 و2019. وهذا السيناريو قد يدفع طهران إلى اتخاذ قرارات أكثر تشددًا، مثل تقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، مما سيزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
أزمة الثقة بين طهران وواشنطن: العقبة الكبرى أمام أي اتفاق جديد
أحد أكبر التحديات التي تواجه أي مفاوضات محتملة هو انعدام الثقة بين طهران وواشنطن. فبالنسبة لإيران، لم يكن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 مجرد نقض لتعهدات أميركية سابقة، بل كان ضربة كبيرة لمصداقية الولايات المتحدة في أي مفاوضات مستقبلية. كما أن تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية واغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في 2020، زاد من حالة التوتر بين الجانبين.
هذا الإرث من المواجهات جعل إيران أكثر حذرًا، حيث ترى أن أي اتفاق يتم التوصل إليه خلال ولاية بايدن قد يصبح بلا قيمة في حال عودة ترامب إلى السلطة، وهو ما انعكس على فشل المفاوضات غير المباشرة بين البلدين خلال 2021-2022. ومع ذلك، فإن إعلان ترامب أنه لن ينسحب من أي اتفاق جديد قد يكون نقطة إيجابية تشجع طهران على إعادة النظر في المفاوضات.
وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أكد أن أي محادثات مستقبلية يجب أن تتضمن ضمانات أميركية واضحة بعدم الانسحاب من الاتفاق، مشيرًا إلى أن “استعادة الثقة لا تتم بالكلمات فقط، بل من خلال إجراءات ملموسة”.
هل يمكن أن يكون هناك طريق ثالث؟
وسط هذه التعقيدات، ظهرت مقترحات من الجانب الإيراني لمحاولة كسر الجمود الدبلوماسي. فبحسب مصادر مقربة من مكتب المرشد الأعلى، فإن إيران تدرس إمكانية تقديم عرض دبلوماسي إلى الولايات المتحدة يتمثل في إعادة فتح قنوات دبلوماسية محدودة، تقتصر على تقديم الخدمات القنصلية، كإشارة إلى حسن النية.
في المقابل، قد يكون ترامب منفتحًا على مقترحات مماثلة، خاصة أن أولوياته السياسية تتركز على التنافس مع الصين أكثر من الدخول في مواجهة جديدة مع إيران. كما أن أي انفراجة في العلاقات قد تساعده في تخفيف التوترات في الشرق الأوسط، مما يتيح له التركيز على أهدافه الاستراتيجية الكبرى.
أي مستقبل للعلاقة بين طهران وواشنطن؟
في ظل الظروف الحالية، تبدو العلاقة بين إيران وإدارة ترامب الثانية محكومة بسيناريوهين رئيسيين: الأول هو استمرار سياسة الضغط الأقصى، مع احتمال تصعيد التوترات إذا لم تؤتِ العقوبات ثمارها. أما السيناريو الثاني، فهو الدخول في مفاوضات جديدة، لكن بشروط أكثر تعقيدًا من السابق، تشمل ملفات أمنية وعسكرية إقليمية.
ورغم أن العداء التاريخي بين الطرفين يجعل أي تقارب صعبًا، فإن المصالح الاستراتيجية لكل منهما قد تفرض عليهما البحث عن حلول وسط. وفي النهاية، سيظل العامل الحاسم هو مدى قدرة الطرفين على تجاوز أزمة الثقة، ووضع آليات تضمن استدامة أي اتفاق محتمل، بعيدًا عن التقلبات السياسية الأميركية والإيرانية.