آسياأخبار العالمأمريكاالشرق الأوسطبحوث ودراسات

واشنطن تعيد تعريف الشرق الأوسط وشمال افريقيا عبر التنافس مع الصين

نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” مقالا للباحثة المتخصصة في شؤون التدخل الصيني والروسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل بمعهد هدسون، زينب ربوع، تناولت فيه التحول الأبرز في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط كما تعكسه استراتيجية الأمن القومي لعام 2025، واصفةً هذا التحول بأنه الأهم منذ حرب العراق.

وأوضحت الباحثة أن الإطار الجديد للاستراتيجية الأمريكية يهدف إلى إعادة توجيه الموارد نحو التنافس بين القوى العظمى، مع التركيز على خفض التكاليف وتقاسم الأعباء مع الشركاء الإقليميين، دون التخلي عن المصالح الأمريكية الأساسية في المنطقة.

وبحسب المقال، ما تزال هذه المصالح تتمثل في ضمان أمن الطاقة، وحماية حرية الملاحة في مضيق هرمز والبحر الأحمر، ومواجهة إيران، إضافة إلى ضمان أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر اتفاقيات أبراهام.

وترى الكاتبة أن هذا التحول كان ضروريًا، إذ تعاملت السياسة الأمريكية لأكثر من عقد مع الشرق الأوسط بوصفه مشروعًا لبناء الديمقراطية.

وأشارت إلى أن احتجاجات عام 2011 بدت في بدايتها وكأنها تؤكد صحة هذا النهج، إلا أن واشنطن تذبذبت لاحقًا بين دعم المتظاهرين ومجاراة حلفائها من الأنظمة الاستبدادية، ما أدى إلى ارتباك سياسي أضعف مصداقيتها لدى مختلف الأطراف.

وفي هذا السياق، لفت المقال إلى أن الولايات المتحدة بدت وكأنها تخلت عن رئيس النظام المصري الأسبق حسني مبارك، بينما وقفت مكتوفة الأيدي في البحرين إزاء قمع المعارضة، وأسهمت في إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا دون خطة واضحة لمرحلة ما بعده، فيما أعلنت في سوريا أن “الأسد يجب أن يرحل” من دون اتخاذ خطوات حاسمة لتحقيق ذلك.

وترتب على هذا التخبط، وفق الكاتبة، تكاليف باهظة، إذ أجبر ضعف الدول واستمرار الصراعات واشنطن على إدارة الأزمات بطريقة تفاعلية، ما ضيّق هامش تركيزها الاستراتيجي، في وقت كانت فيه الصين تبرز كمنافس رئيسي للقوة الأمريكية. وبينما انشغلت الولايات المتحدة بتداعيات سياساتها، تحرك خصومها لاستغلال الفراغ.

واعتبرت “ربوع” أن إيران كانت أول من استثمر هذا الواقع، مستفيدة من ضعف الدول العربية لتوسيع نفوذها عبر الوكلاء، حيث تحولت العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى ركائز في استراتيجيتها الإقليمية.

وأشارت إلى تطور حزب الله إلى قوة عسكرية موازية تمتلك ترسانة تضم نحو 100 ألف صاروخ وآلاف القذائف، في حين حوّل الحوثيون اليمن إلى منصة للإكراه الإقليمي، ووسّعوا هجماتهم بعد أكتوبر 2023 لتشمل طرقًا بحرية تمر عبرها ما بين 12 و15 في المئة من التجارة العالمية.

وبيّنت الباحثة أن نموذج طهران قائم على استغلال ضعف الدولة، حيث يزدهر وكلاؤها في البيئات التي تعجز فيها السلطة المركزية عن احتكار القوة، وتبقى فيها الحدود مفتوحة، وهي ظروف وفرها الربيع العربي بشكل واضح.

في المقابل، أوضحت أن الصين استغلت الفراغ ذاته بأسلوب مختلف، إذ قدمت نفسها بديلًا غير أيديولوجي، يركز على السيادة والاستقرار والانخراط الاقتصادي دون شروط سياسية، ما جعل حكومات إقليمية تشعر بخيبة أمل من الخطاب الأمريكي حول الديمقراطية تميل إلى اعتبار بكين شريكًا أكثر قابلية للتنبؤ.

ووسعت الصين نفوذها بشكل منهجي، فأصبحت زبونا رئيسيا للطاقة في المنطقة، واستوعبت الجزء الأكبر من صادرات النفط الإيراني، موفرة لطهران شريان حياة اقتصاديا يخفف من وطأة العقوبات الأمريكية.

كما حصلت شركات صينية على حصص في مصافي النفط ومنشآت الغاز الطبيعي المسال في الخليج، وامتدت مبادرة “الحزام والطريق” إلى موانئ تمتد من البحر المتوسط إلى بحر العرب، فيما أسهمت شركات صينية في بناء شبكات الجيل الخامس وبيع أنظمة مراقبة، ما خلق تبعيات رقمية في دول المنطقة.

وبحلول أوائل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الصين والشرق الأوسط 500 مليار دولار سنويًا، متخطّيًا حجم التجارة الأمريكية مع المنطقة، من دون أن تتحمل بكين أعباء أمنية تتناسب مع هذا النفوذ الاقتصادي، إذ استفادت من نظام أمني ما تزال الولايات المتحدة تضمنه.

وتحدثت الكاتبة عن تلاقي الديناميكيتين الصينية والإيرانية في محور ناشئ يقوّض الاستراتيجية الأمريكية، حيث توفر الصين لإيران دعما اقتصاديا وتكنولوجيا، فيما تُحدث طهران اضطرابا استراتيجيا يخدم مصالح الطرفين.

وأشارت إلى أن مشتريات الصين من النفط الإيراني، التي تتم غالبا عبر شبكات شحن غير شفافة، تدر مليارات الدولارات سنويا تبقي النظام الإيراني قادرا على الوفاء بالتزاماته رغم العقوبات.

وعلى الصعيد العسكري، عززت التكنولوجيا الصينية قدرات إيران في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ، وهي الأنظمة التي انتقلت إلى حزب الله والحوثيين ووصلت إلى القوات الروسية في أوكرانيا.

وترى الباحثة أن هذا الواقع يفسر إعادة صياغة استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 لمفهوم الشرق الأوسط من زاوية التنافس بين القوى العظمى بدلًا من نشر الديمقراطية، لكنها تشدد على أن تنفيذ هذا التحول يتطلب فهمًا أعمق لأهمية المنطقة في الصراع مع الصين.

وحددت ثلاثة عوامل حاسمة:

  • أولها أن الطاقة ما تزال عنصرًا مركزيًا، إذ يمتلك الشرق الأوسط قرابة نصف احتياطيات النفط المؤكدة عالميًا، ويعتمد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية على هذه الموارد. كما تستورد الصين أكثر من 40 في المئة من نفطها، يمر أكثر من نصفه عبر ممرات مائية تسيطر عليها البحرية الأمريكية، وتسعى بكين إلى تقليص هذا الاعتماد عبر الاستحواذات وعلاقات التوريد الخليجية.
  • أما العامل الثاني فيتعلق بالجغرافيا، حيث يشكل الشرق الأوسط حلقة وصل بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتعد ممراته المائية حيوية للتجارة العالمية. وتشير الكاتبة إلى أن استثمارات الصين في الموانئ، من بيرايوس إلى جوادر وجيبوتي، تشكل شبكة لوجستية تجارية اليوم، وقد توفر وصولًا عسكريًا مستقبلًا، معتبرة أن تخلي واشنطن عن هذه الجغرافيا سيقيد نفوذها العالمي.
  • ويتمثل العامل الثالث في طبيعة النظام الإقليمي الذي تشكل بعد الربيع العربي، إذ ترى الباحثة أن اتفاقيات أبراهام عززت تعاونا أمنيا بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ودول الخليج، شمل تبادل المعلومات والدفاع الصاروخي، وأسهم في كبح التوسع الإيراني، بينما سمح تقارب بكين مع طهران للصين بتقديم نفسها وسيطا قادرا على خفض التوترات، كما ظهر في التقارب السعودي الإيراني.

وحذرت من أن تعميق اتفاقيات أبراهام سيُبقي النموذج الأمريكي متفوقا، في حين أن انهيارها قد يجعل النموذج الصيني، القائم على الانخراط الاقتصادي دون التزامات أمنية، أكثر جاذبية لقوى إقليمية تبحث عن تهدئة قصيرة الأمد.

وتوقفت الباحثة عند اختبار هذا النموذج في السابع من أكتوبر 2023، حين أدى هجوم حماس إلى ضغط منسق من قوى موالية لإيران على جبهات عدة، شملت إطلاق حزب الله آلاف الصواريخ، وهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، واستهداف ميليشيات لمواقع أمريكية في العراق وسوريا.

وأشارت إلى أن الدور الصيني ظل غير معلن، لكن مشتريات النفط مولت الجهاز العسكري الإيراني، فيما كشفت اتهامات وزارة الخارجية الأمريكية لشركة صينية مرتبطة بالجيش بتزويد الحوثيين بصور أقمار صناعية عن مدى ارتباط الدعم الصيني بالهجمات على القوات الأمريكية.

واعتبرت أن نجاح الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية والأردنية في التصدي لهجوم إيراني واسع في أبريل 2024 أكد قيمة البنية الأمنية القائمة، لكنه لا يعني بالضرورة ترسيخها.

وأكدت على أن مهمة الرئيس دونالد ترامب تتجاوز إعادة ضبط العلاقات، إذ تتمثل الضرورة الاستراتيجية في تحويل اتفاقيات أبراهام من ترتيبات ثنائية إلى إطار أمني متكامل بقيادة أمريكية، يشمل تعميق التعاون الدفاعي والاستخباراتي وتوسيع الشراكة لتشمل السعودية.

وأشارت إلى أن سوريا تمثل الاختبار المباشر لهذا التوجه، إذ خلق سقوط الأسد فراغا تتباين حوله رؤى تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أن قدرة واشنطن على إدارة هذا التوتر ومنع عودة النفوذ الإيراني أو الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة ستكون حاسمة.

وختمت بأن استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 تسعى إلى رؤية الشرق الأوسط كما هو، لا كما كان يُتصور في 2011، وأن نجاحها مرتبط باستعداد واشنطن للاستثمار في الشركاء، والمنافسة بواقعية، وإدراك أن الشرق الأوسط ليس هامشا في التنافس بين القوى العظمى، بل إحدى ساحاته المركزية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق