أخبار العالمبحوث ودراسات

هل يقضي “ثعلب تركيا” على طموح أردوغان السياسي؟

الدكتور عمرو_فاروق– باحث في الاسلام السياسي

هل يتحول رئيس المخابرات العامة التركية، هاكان فيدان، إلى منافس شرس وقوي للرئيس رجب أردوغان خلال الإنتخابات الرئاسية المقبلة في 2023؟، أم سيحتفظ بمنصبه كخادم وكاتم أسرار الخليفة التركي في إطار تحقيق إمبراطوريته العثمانية الجديدة؟

الكثير من علامات الإستفهام تدور حول تحركات رئيس جهاز المخابرات التركية، الملقب بـ”ثعلب تركيا”، الذي وضع مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية والتنفيذية تحت سلطته، ويتمتع بنفوذ بالغ جعله المتحكم والمحركة الفعلي للسياسات الداخلية والخارجية منذ تقلده لمنصبه عام 2010.

يعتبر فيدان المسؤل الأول عن إدارة العمليات العسكرية والاستراتيجية التي تقوم بها تركيا في منطقة الشرق الأوسط، كما أنه الشخص الأكثر تأثيراً على أردوغان وقراراته تجاه الشرق الأوسط، وكان الأداة الحسم في إنقاذ مشروع جماعة “الإخوان” و”حزب العدالة والتنمية” من السقوط والإنهيار، خلال عملية “الإنقلاب” التي خطط لها عدد من قيادات الجيش التركي، في 15 يوليو 2016، بجانب دوره المؤثر في تكبيل حزب “العمال الكردستاني”، و”جماعة فتح الله كولن”.

رغم أن فيدان يمثل رجل المخابرات القوي والمتحكم في السياسات الداخلية والخارجية، فإن ذلك لا ينفى تطلعاته وطموحه لممارسة العمل السياسي، لاسيما أنه عقب تقديم استقالته من منصب رئيس جهاز المخابرات في فبراير 2015، أعلن نيته خوض الإنتخابات البرلمانية على قوائم حزب “العدالة والتنمية”، الأمر الذي أقلق أردوغان بشدة، ودفعه للضغط عليه في التراجع عن قراره والعودة مرة أخرى لمنصبه السيادي.

يرى فيدان في نفسه المؤهلات السياسية التي تؤهله ليصبح رئيس تركيا القادم، إذ تخرج في الأكاديمية الحربية البرية عام 1986، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية من الولايات المتحدة الأمريكية، كما حصل على الماجستير، ثم الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة “بيلكنت” عام 2006، تحت عنوان: “دراسة مقارَنة بين أنماط عمل أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والتركية”.

ربما يكون فيدان الوجه البديل والمقبول من الإدارة الأمريكية، وعدد ليس بالقليل من زعماء الدول الأوروبية بحكم إدارته للكثير من الملفات المتعلقة بالسياسة التركية، في ظل توتر العلاقات بين أردوغان وواشنطن، فضلاً عن توليه استراتيجية التقارب السياسي مع كل من مصر والمملكة العربية السعوردية، والإمارات، فيما عرف بـ”دبلوماسية الباب الخلفي”، والتي تبلورت على مستوى الأجهزة الأمنية والاستحباراتية.

عمل فيدان على إعادة تطوير نشاط جهاز المخابرات التركية بما يتلاءم مع توجهات أردوغان الإقليمية، إذ يقول عنه سفير الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق في تركيا والعراق، جيمس جيفري، إن: “فيدان هو وجه الشرق الأوسط الجديد، وعلينا أن نعمل معه؛ لأنه يستطيع إنهاء المهام، لكن يجب عدم افتراض أنه الصديق الساذج للولايات المتحدة؛ لأنه ليس كذلك، وأنه مساعيه لا تهدف إلى تقويض دور واشنطن، وإنما خدمة مشاريعها الإقليمية”.

رغم سيطرة المرجعية التاريخية الدينية على طموحات النظام السياسي التركي بقيادة أردوغان، وقربه وتماهيه الشديد مع أهداف التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، حول مفاهيم “دولة الخلافة”، أو الدولة “العثمانية الجديدة”، التي تمثل مرتكز الهيمنة الروحية والسياسية على العالم العربية والإسلامي، وتبنيه ما يعرف بـ”توجهات الإسلام العلماني” أو “الإسلامية الليبرالية”، فإن فيدان، ليس بعيداً عن تلك التوجهات ومؤسساتها التوسعية الاستعمارية على المستوى الفكري أو السياسي.

إذ أن فيدان عرف عنه تشدده الديني، خلال انتماء للقوات المسلحة التركية التي استقال منها برتبة “ضابط صف”،بعد 15 عاماً من الخدمة، ورغم أن تلك الفترة شهدت طرد كل من تظهر عليه سمات التدين، فإنه انتدب للعمل ضمن أهم مؤسسات”الناتو” في المانيا، ما وضع الكثير من علامات الإستفهام حول تحركاته، ليتنقل عقبها بين عدة مناصب سياسية، أهمها تعينه مستشاراً لوزير الخارجية في عهد أحمد داود أوغلو،ثم مستشاراً لرئيس الوزراء لشؤون الأمن الدولي والسياسة الخارجية عام 2007 ، ثم نائباً لرئيس الاستخبارات التركية عام 2009، ومنها رئيساً للمخابرات العامة عام 2010.

كما لا يمكن تجاهل دوره وإيمانه بسياسة “العودة إلى الجذور” التي اتبعها أردوغان، وفق رؤية وزير الخارجية الأسبق، أحمد داود أوغلو، صاحب نظرية “العمق الاستراتيجي” وسياسة “صفر مشكلات” مع دول الجوار، ومحاولة عودة تركيا إلى العالم العربي والإسلامي، بعد انقطاع طويل فرضته سياسة التتريك والاتجاه نحو الغرب.

الكثير من الملفات الفاعلة والخاصة بتنفيذ السياسات التركية المتماسة مع ملف جماعات الإسلام الحركي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، تقع تحت مسؤولية فيدان، سواء المتمثلة في جماعة “الإخوان” أو “وهيئة تحرير الشام”، أو تنظيم “داعش”، أو تنظيم “القاعدة”، لا سيما أن ثمة تقارير اسىتخباراتية غربية وثقت علاقة الجانب التركي بالكيانات الأصولية المسلحة.

كان فيدان المخطط الأول للعب بورقة جماعة الإخوان ومكونات الإسلام السياسي، وتحويلهم لأدوات لمعارضة السياسة المصرية (نموذجاً)، بهدف تفكيك جبهتها الداخلية وظهيرها الشعبي الداعم للنظام الحاكم، ومحاولة خلق حالة استقطابية تجاه المشروع التركي فكرياً ونفسياً، وتصدير ملامحه تحت عباءة الدين.

كما يعد فيدان المهمين على ملف المرتزقة السوريين ونقلهم إلى العمق الليبي، واستخدامهم كميليشيات تنفيذ استراتيجية “حرب الشوارع”، ودعم ممثلي جماعة الإخوان والكيانات الأصولية المسلحة للدخول في مواجهات مباشرة مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، فضلاً عن تهديد عمق الأمن القومي المصري من الجانب الغربي،والسيطرة على الوضع السياسي والأمني في التراب الليبي، وإعادة ترتيب المشهد فيما يخص ترسيم الحدود، وخريطة التنقيب في شرق المتوسط المتعلقة بالغاز الطبيعي.

بصمات فيدان، كانت واضحة في الداخل السوري، من خلال دعم “الجيش السوري الحر”، وكذلك “هيئة تحرير الشام”، التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، الذي يتم تقديمه حالياً كزعيم ومعارض سياسي لنظام الرئيس بشار الأسد، في محاولة لتمكينه على غرار ما تم تنفيذه في الساحة الأفغانية على يد حركة طالبان.

مخطط فيدان في صناعة النفوذ السياسي الخارجي وتنفذ الاستراتيجية التوسعية التركية تم من خلال اعتماده المباشر على مجموعة من المؤسسات، في مقدمتها شركة “صادات” للاستشارات الدفاعية والأمنية، التي أسست عام 2012، تحت رعاية المخابرات التركية، ولعبت دوراً في تدريب ونقل المليشيات المسلحة المحسوبة على الجماعات الأصولية في العمق العربي والأفريقي.

ثاني تلك المؤسسات تتمثل في”وكالة التعاون والتنسيق” (تيكا) التركية، التي تولى فيدان مسؤوليتها عام 2003، وتحولت لذراع قوي لحزب “العدالة والتنمية”، وتضم (61) مكتباً في (59) دولة، وتمارس دورها الإستخباراتي الاستعماري، تحت غطاء العمل الإغاثي، وبناء المساجد التي تحمل التوجهات الإخوانية والإشراف عل نشاطها ودعمها مالياً، وبلورة خطابها الديني من خلال دعاة وخطباء متأثرين بالمنهجية القطبية البناوية.

اتخذ فيدان من المؤسسات التعليمية مرتكزاً فاعلاً في تنفيذ أجندة حزب”العدالة والتنمية” التوسعية، عبر تأسيس منظمة “المعارف” التركية عام 2016، التي تمتلك حالياً 30 فرعاً في أفريقيا، وحوالي 340 مدرسة في 45 دولة، وتقدم خدمات تعليمية كجزء من استراتيجية “تركنة” المجتمعات الأفريقية، وبناء أجيال جديدة تحمل الأطروحات الفكرية لجماعة الإخوان ومشروع “استاية العالم”، التي رسم ملامحها حسن البنا وسيد قطب، يضاف إلى ذلك مؤسسة “هدائي”التي تعد من أهم أذرع حزب “العدالة والتنمية” وعملت على اختراق 16 دولة إفريقية منذ 2005.

الداخل التركي على موعد مرتقب مع الكثير من التواترت والتغييرات السياسية خلال الأشهر القليلة المقبلة، في ظل تراجع شعبية الرئيس رجب أردوغان، ومن ثم حزب “العدالة والتنمية”، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والانغماس المتزايد في معارك السياسات الاستعمارية الخارجية، ما ينذر بضرورة إيجاد وجه سياسي قوي قادر على حسم المشهد لصالحه، بعيداً عن الساسة التقليدين أمثال عبد الله جول، وأحمد داوود أوغلو، وعلي باباجان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق