هل فشلت زيارة بلينكن الى المنطقة؟
إعداد الدكتور محمد الهاشمي كانب وباحث عراقي
السبت 13-01-2024
الجولة التي قام بها وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن أخيرا إلى المنطقة والتي شملت دولاً عديدة مثل مصر والسعودية وإسرائيل. بات على أثرها يكرر كلمة التطبيع كثيراً، وجملة تكامل إسرائيل مع دول المنطقة، في نفس الوقت يؤكد “نحن ملتزمون بإقامة دولة فلسطينية”.
وفيما كان بلينكن يواصل جولته سارع زعماء التطبيع عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله، ومحمود عباس لعقد قمة في الأردن، ولم يصدر عنهم سوى هذه الجملة “لن نسمح بتهجير الفلسطينيين، وايصال المساعدات الى غزة”، وكمن يتأبط سراً.
الواضح ان مشروع بلينكن والذي عرضه على قادة الدول التي زارها، كان واضحا ومضمونه، إذا استمرت الحرب وخسرتها اسرائيل فهذا يعني التالي:
1- انتصار لإيران.
2- صعود المقاومة المدعومة من إيران بالمنطقة كقوة فاعلة.
3- هيمنة إيرانية على البحار والمحيطات.
4- صعود المسلمين الشيعة كقوة سياسية ودينية بالمنطقة.
5- حدوث انقلابات وتحولات لدى دول المنطقة وستكون دول التطبيع وأصدقاء الغرب ميدانها.
6- سيكون انتصار إيران مدخلا لروسيا والصين، وضمور نفوذ امريكا والغرب.
بلينكن اقنع مصر بالتعاون معها في قضية الديون وتأجيل المستحق منها على الاقل، ودعم الاستثمار من قبل دول الخليج، وعدم السماح لأثيوبيا بالحصول على ميناء على البحر الاحمر، بالإضافة الى التخلص من إخوانية حماس.
كما اقنع بلينكن محمود عباس بان مستقبل دولة فلسطين المفترضة ستكون بيده، والتخلص من خصومة المقاومين.
بلينكن اقنع أيضاً ملك الأردن بأنه الرابح الأكبر لان الوضع بالداخل الأردني صعب، وكذلك على الحدود مع سوريا والعراق وإسرائيل.
ودفع لهم مبلغ 450 مليون دولار كرواتب للجيش والقوات الأمنية قال عنها رئيس الوزراء الصفدي بأنها دعم سياسي.
بلينكن أقنع إسرائيل أن لا خيار أمامهم سوى القبول بمشروع الدولة الفلسطينية وفق المقاس الأميركي أي دولة بلا أسنان مقابل ضمان قبول السعودية بالتطبيع، وتشكيل تكتل بين دول التطبيع وإسرائيل على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية الخ… كما حذر إسرائيل من مغبة الاستمرار بالحرب.
بلينكن اقنع تركيا بأن لها اليد الطولى بالمنطقة، وان جزءً من التكتل بين دول التطبيع وإسرائيل، وإخراج إيران من المعادلة برمتها. واقنع السعودية انه ليس أمامها من طريق سوى القبول بالمشروع التطبيعي، وإدارة ملف التكتل الجديد كقوة اقتصادية وأمنية قوية بالمنطقة، والتخلص من الشيعة كأزمة تهدد وجود آل سعود، والتخلص من أنصار الله بضربة موجعة تضعف دورهم أمام دول المنطقة، وأمام جمهورهم، وترسل رسالة الى بقية فصائل المقاومة الإسلامية أنهم تحت طائلة القصف إذا تمادوا.
بلينكن اقنع اليونان بحل مشاكلهم مع تركيا مقابل دعم المشروع. كما أرسل مبعوثين الى لبنان لحل الأزمة سلميا بين المقاومة وبين الكيان الإسرائيلي مقابل ضمانات، وعودة الوضع الاقتصادي بلبنان مثل سابق عهده، مقابل تحييد حزب الله والتوقف عن ضرب الجيش الإسرائيلي.
وبشأن أنصار الله حصلت أمريكا على قرار بإدانتهم بمجلس الأمن للتهيؤ لضربهم، ومنعهم من مهاجمة السفن الإسرائيلية، والتجريء على أمريكا.
تم تكليف مصر وقطر باستخلاص أسرى إسرائيل بواسطة نظام الهدن مع حماس مقابل مساعدات وضمان حياة قادة حماس.
من هذا نفهم أن أمريكا لعبت على أيجاد عدو مشترك -بنسب مختلفة- لهؤلاء جميعا اسمه إيران، وتأكيد ذلك جاء على لسان بلينكن بعد اختتام زيارته للقاهرة حيث أكد على أن المنطقة أمام طريقين:
- الأول هو “تكامل إسرائيل مع ضمانات والتزامات أمنية من دول المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة وإقامة دولة فلسطينية.. على الأقل طريق للوصول إلى تلك الدولة”.
- وثانياً، “الاستمرار في رؤية الإرهاب والعدمية والدمار على يد حماس والحوثيين وحزب الله، وكلهم مدعومون من إيران”، وأن الطريق الأول هو الأفضل “لعزل وتهميش إيران ووكلائها الذين يسببون الكثير من المتاعب لنا ولكل الآخرين تقريبا في المنطقة.
قبل اسبوع كانت “إسرائيل” مصرة على إبادة أهالي غزة، لكن مشروع محكمة العدل الدولية ودور دولة جنوب افريقيا، وما فيه من حرفية عالية، وتداعياتها أضعف حكومة نتنياهو، بالإضافة إلى حجم الخسائر التي تكبّدها جيش الاحتلال الإسرائيلي والضغط الخارجي والداخلي.
ثمة رسائل إلى روسيا بهدنة او إذا اقتضى الأمر وقف إطلاق نار مؤقت لتخفيف الضغط على أوروبا، وهناك رأي لمنح روسيا المناطق التي احتلتها. وهناك مبعوث إلى اليمن لحل مشكلتهم مع السعودية مع حزمة امتيازات.
قد يبدو السيناريو غير واقعي، ولكن تلك هي الحقيقة التي وجدت أمريكا نفسها في حال من العجز لإيجاد مخرج لمصير إسرائيل الذي بات يحاصر أمريكا نفسها في كل الميادين، ويؤثر على كافة مصالحها بالعالم.
كيف ستتم مواجهة هذا المخطط:
- إن أنصار الله أجابوا بان أي هجوم أمريكي سيواجه بالرد، ولابد من وقف إطلاق النار في غزة، وقد حصلوا على إذن الرد من القيادة وبقوة. فيما أمريكا جرجرت بريطانيا معها الى ضرب أهداف في اليمن بسبب تجرؤ أنصار الله للدنو من البوارج الأميركية، وأرسلت رسالة إلى حلفائها بان أنصار الله ليسوا من الصعوبة مواجهتهم، فيما سترسل الوسطاء بقوة إلى “أنصار الله” وأصدقائهم بأن هذه الضربة غير مؤثرة، ويمكن تجاوزها، وأمريكا تعدكم بحل مشكلة غزة وتعويضكم عن كل الخسائر الناتجة عن الضربة. لكن الحقيقة تقول إن أمريكا عقدت المشهد بالمنطقة، وبيان القوات المسلحة اليمنية بعد العدوان صريح “إن هذا العدوانَ الغاشمَ لن يثنيَ اليمنَ عن موقفِه الداعمِ والمساندِ لمظلوميةِ الشعبِ الفلسطينيِّ، والقوات المسلحة اليمنية تؤكدُ استمرارَها في منع السُّفُن الإسرائيلية أوِ المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من المِلاحة في البحرين العربيِّ والأحمر.
- حزب الله في لبنان أجاب ببيان واضح لن نقبل بأي تفاوض قبل وقف إطلاق النار في غزة كما أدان العدوان الأميركي البريطاني على اليمن.
- حماس ردت في بيان واضح أيضا “إن إدارة قطاع غزة شأن وطني فلسطيني، ولن نسمح للاحتلال الإسرائيلي وداعميه بالتدخل، أو فرض الوصاية علينا. وأن الفصائل الفلسطينية تؤكد موقفها الوطني الموحد، بأنه لا اتفاق ولا تبادل للأسرى إلا بوقف شامل للعدوان على شعبنا في غزة. فيما أدانت الهجوم على اليمن.
- إيران اتصلت بالسعودية وأبلغتها بان أي حل للقضية الفلسطينية لابد ان يكون بيد أهلها، ولن نقبل بأي حل يخرج المقاومة من المعادلة، وان إيران جاهزة لكل التوقعات.
هذا التحشيد غير موضوعي بالنسبة لأمريكا وعملائها بالمنطقة، ويغلب عليه الترقيع، فالمقاومة في عز انتصاراتها، ولاتزال صاحبة اليد العليا و”خزينها” البشري والعسكري والسياسي في تصاعد، وأن أمريكا ستذهب مرغمة أن تمنح الصين فرصة الدخول لحل الأزمة، مع ملاحظة هي أن واحدة من أسباب عدم استخدام الفيتو من قبل الصين وروسيا ضد قرار إدانة الحوثيين لتوريط أمريكا بالشرق الأوسط.
في كل الأحوال أن جميع هذه التداعيات تؤكد قرب زوال إسرائيل، وتراجع النفوذ الأميركي وأفوله.