مصر تُكثّف خططها الوقائية لإدارة تداعيات «سد النهضة» وسط تحذيرات من تقلبات مائية غير مسبوقة في حوض النيل

قسم الأخبار الدولية 28/11/2025
كثّفت مصر خلال الأيام الأخيرة تحركاتها الفنية والمؤسسية للتعامل مع التأثيرات المتصاعدة لـ«سد النهضة» الإثيوبي، في ظل ما تصفه القاهرة بـ«الإدارة العشوائية وغير المنضبطة» لتشغيل السد، وما ترتّب عليها من تقلبات مفاجئة في مناسيب نهر النيل خلال الأسابيع الماضية. وجاءت هذه الخطوات بينما أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن حكومته «أعدّت تصورًا واضحًا للإجراءات الفنية اللازمة لمواجهة أي ضرر مفاجئ قد ينتج عن تشغيل السد»، مشيرًا إلى وجود متابعة يومية للتطورات مع وزارة الري.
وشهدت مصر والسودان في سبتمبر الماضي ارتفاعًا مفاجئًا في مستويات المياه بعد تشغيل السد رسميًا، حيث غمرت مياه الفيضان مدنًا سودانية عدة، بينما تأثرت قرى مصرية – لا سيما في البحيرة والمنوفية – بارتفاع غير مسبوق في مناسيب النهر، مما أدى إلى غمر أراضٍ زراعية ومنازل في مناطق طرح النهر.
وردّت القاهرة على هذه التقلبات عبر سلسلة إجراءات فنية، من بينها تصريف كميات محددة من المياه في توقيتات دقيقة على مدار العام، بهدف الحفاظ على البنية التحتية المائية ومنع حدوث تسرّبات أو ضغوط على شبكات الري. كما لجأت الأسبوع الماضي إلى فتح «مفيض توشكى» لتصريف المياه الزائدة خلف السد العالي، بعد أن سجّلت وزارة الري ما وصفته بـ«تصريفات إثيوبية غير مستقرة» للنيل الأزرق.
وترافق ذلك مع استخدام منظومة مراقبة تعتمد على صور الأقمار الصناعية لرصد إيراد النيل لحظيًا، ومتابعة مخزون بحيرة ناصر بشكل يومي، إلى جانب تنفيذ خطة واسعة لتطوير الترع والمصارف وصيانة القناطر ومخرّات السيول تحسبًا لأي طوارئ. كما أطلقت الحكومة في أكتوبر مشروعًا قوميًا لإنتاج خرائط رقمية لقاع النهر وفرعيه بهدف زيادة القدرة الاستيعابية للمجرى والتعامل بكفاءة مع تقلبات الفيضانات.
وأوضح الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، أن مصر «استعدّت لجميع السيناريوهات المحتملة سواء الفيضانات أو نقص الإيراد»، مؤكدًا أن تطوير مفيض توشكى وعمليات تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي تمثّل مسارات رئيسية لتعويض أي عجز مائي. لكنه حذّر من استمرار «سوء إدارة وتشغيل السد من الجانب الإثيوبي»، مؤكدًا أن مصر قد تلجأ لتحركات إضافية إذا استمرت التقلبات الحالية.
وفي السياق نفسه، رأى خبير المياه ضياء الدين القوصي أن «الخطر سيظل قائمًا طالما أن مصر لا تشارك في إدارة السد»، مشددًا على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا يحدد قواعد الملء والتشغيل بشكل واضح، حتى لا تبقى دولتا المصب معرضتين لمخاطر التصرّفات المفاجئة.
وأشار مدبولي إلى أن مصر «لا تعارض المشروعات التنموية في دول حوض النيل»، لكنها تتمسك بعدم التسبب في أي ضرر لدول المصب، مؤكدًا أن «مفيض توشكى أصبح عنصرًا أساسيًا في خطة الدولة لاستيعاب فائض المياه وضمان إدارة آمنة للنهر». ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه مصر تحديات مائية متزايدة، ما يدفعها لتوسيع أدوات الرصد والتحكم وضبط المنظومة المائية بأعلى درجات الكفاءة.



