أخبار العالمإفريقيا

مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء: تحالف جزائري-نيجيري-نيجري لتعزيز أمن الطاقة في أوروبا وإفريقيا

في خطوة تعكس التحولات الجيوسياسية المتسارعة في قطاع الطاقة، اتفقت الجزائر ونيجيريا والنيجر على تسريع تنفيذ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يمتدّ لأكثر من 4128 كيلومترًا، ويربط بين كبرى احتياطيات الغاز في إفريقيا والأسواق الأوروبية المتعطشة للطاقة. وتأتي هذه الاتفاقيات الجديدة لتحديث دراسة الجدوى، وتحديد أطر التعويضات، وضمان السرية المعلوماتية، كجزء من استراتيجية أكثر واقعية لتنفيذ المشروع، بعد سنوات من التأجيل بسبب التحديات الأمنية والتمويلية.

المسار الفني والاستراتيجي للمشروع

يهدف الخط إلى نقل ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، حيث سيعبر نيجيريا ثم النيجر وصولًا إلى الجزائر، التي ستتكفل بتوجيهه نحو أوروبا عبر أنبوب “ترانسميد” الممتد إلى إيطاليا عبر تونس، أو من خلال تسييله في منشآتها الساحلية وإرساله عبر الناقلات البحرية. ويعد المشروع مكسبًا استراتيجيًا للدول الإفريقية الثلاث، حيث يعزز مكانة الجزائر كمركز إقليمي للطاقة، ويفتح أمام نيجيريا فرصة لتوسيع نطاق صادراتها، بينما تستفيد النيجر من العائدات المالية ومشروعات البنية التحتية التي سترافق تنفيذ الخط.

التحولات الجيوسياسية والدفع الجديد للمشروع

على الرغم من أن الفكرة تعود إلى عام 2009، فإن المشروع لم يشهد تقدمًا فعليًا حتى 2022، حينما وقّعت الدول المعنية مذكرة تفاهم لتفعيله. ومع تفاقم أزمة الطاقة العالمية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، تحوّل المشروع إلى أولوية لدول الاتحاد الأوروبي الساعية إلى تنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على الغاز الروسي. وقد شجع ارتفاع أسعار الغاز عالميًا الجزائر ونيجيريا على تجاوز العقبات السابقة، بما في ذلك تحديات التمويل، والأوضاع الأمنية في مناطق العبور، والضغوط الجيوسياسية التي تحيط بالمشروع.

التحديات القائمة وفرص النجاح

لا يخلو المشروع من تحديات معقدة، بدءًا من ضرورة تأمين التمويل الضخم الذي يُقدّر بعشرة مليارات دولار، وصولًا إلى المخاطر الأمنية في منطقة الساحل، التي تشهد نشاطًا متزايدًا للجماعات المسلحة. كما تواجه الدول الثلاث ضغوطًا من أطراف دولية أخرى، مثل روسيا والصين، التي تملك مصالح في أسواق الطاقة الإفريقية، وتسعى إلى توجيه تدفقات الغاز وفق حساباتها الاستراتيجية.

لكن في المقابل، يشكّل المشروع فرصة ذهبية لإفريقيا لتعزيز حضورها في أسواق الطاقة العالمية، خاصة وأن الجزائر، التي تعدّ أحد أكبر مصدري الغاز في العالم، تمتلك بنية تحتية متطورة وشراكات قوية مع أوروبا، مما يجعلها الشريك المثالي لنيجيريا في تحقيق هذا الطموح الطاقوي. كما أن انخراط المؤسسات المالية الدولية في دعم مشروعات الطاقات البديلة قد يساهم في تأمين جزء من التمويل المطلوب، خاصة في ظل توجهات أوروبا نحو استثمارات الطاقة النظيفة والمتجددة.

نحو مرحلة التنفيذ الفعلي؟

في ظل هذه المعطيات، يمثل الاتفاق الأخير خطوة حاسمة نحو ترجمة المشروع إلى واقع ملموس. ويعكس الحراك المتزايد من قبل الدول الإفريقية رغبة واضحة في الاستفادة من المتغيرات العالمية لصالحها، وإعادة رسم خريطة إمدادات الطاقة. ويبقى نجاح المشروع مرهونًا بقدرة الدول الثلاث على تجاوز العقبات الأمنية والسياسية، وتأمين التمويل اللازم، وطمأنة الشركاء الأوروبيين بشأن استقرار الإمدادات. وإذا تحقق ذلك، فقد يصبح أنبوب الغاز العابر للصحراء أحد أهم مشروعات الطاقة في إفريقيا خلال العقود القادمة، مؤسسًا لشراكات اقتصادية أوسع بين الشمال والجنوب، وقوة دفع جديدة للاستقلال الطاقوي الإفريقي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق