مشاركة أبو بكر بشير محمد من الصومال في المؤتمر الصيني العربي لحوار الحضارات بالصين: “تعزيز الحوار الحضاري والتشارك في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد”

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية 24-11-2025
شارك السيد أبو بكر بشير محمد مستشار أول لرئيس مجلس الوزراء للشئون العربية والإسلامية من جمهورية الصومال الفيدرالية بكلمة تحت عنوان “تعزيز الحوار الحضاري والتشارك في بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد” وذلك ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية في يومي 17 و 18 من نوفمبر 2025م في مدينة بيجين – الصين “تبادل خبرات الحكم والإدارة بين الصين والدول العربية واستكشاف طرف التحديث”
وهذا نص الكلمة كاملة:
السيدات والسادة،
أصحاب السعادة،
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني ويشرفني أن أشارك معكم في هذا المؤتمر الذي أعتبره نوعيا في عنوانه، ومواضيعه، ومشاركيه، والذي يأتي في وقت بالغ الأهمية والحساسية يمر فيه عالمنا الحاضر منعطفات خطيرة وتقلبات غير محسوبة العواقب، الأمر الذي يجعل الحوار بين الشعوب والدول والحضارات أمرا يفرضه العقل السليم ويستوجبه المنطق الرصين.
إن الصين والعرب يمثلان حضارتان عريقتان، يتشاركان الجغرافيا والتاريخ، ومثلا شرق الكرة الأرضية تمثيلا يتجلى بأبهى صوره في الفنون والأدب ما يعني أن الحضارتين أديا أدوارا وجودية في الرحلة الإنسانية على هذا الكوكب الذي نعيش فيه.
إن تعزيز الحوار الحضاري بين الصين والدول العربية أمر في غاية الأهمية في الوقت الحاضر حيث يشهد العالم بحراك غير مسبوق قد نختلف تنبآت مآلاته لكننا لا نختلف على حساسيته ومخاطره كما لا نختلف في امتلاكنا على القدرة اللازمة في تحويله إلى فرص إذا وظفنا قدراتنا كدول وكشعوب وكمنظمات ومنصات أكاديمية وعلمية.
إن التجربة الصينية في الحوكمة والإدارة جديرة بالاهتمام، لقد أثبتت هذه التجربة خلال العقود الماضية أن النجاح ليس وليد الصدفة، بل نتاج رؤية طويلة المدى، وتخطيط استراتيجي صارم وقدرة فائقة على تحويل التحديات إلى مشاريع ملموسة تلبي تطلعات الشعوب.
من المدن الذكية إلى التحول الرقمي، ومن إدارة البنية التحتية العملاقة إلى حوكمة مؤسسية دقيقة، تقدم الصين نموذجا يمكن للدول العربية الاستفادة منه بشكل عملي وواقعي، لا كنقل أعمى أو غير رشيد للنماذج، بل كالهام لبناء قدرات محلية مؤسسية ترتقي بالإدارة العامة وتحسن الخدمات وتعزز الشفافية والكفاءة.
وفي المقابل تمتلك الدول العربية رصيدا متنوعا من الخبرات الإدارية والحضارية، وتجارب ناجحة في إدارة التنوع المجتمعي والثقافي والديني، حيث تعتبر الشعوب العربية من أكثر شعوب العالم حفاظا على التعايش وقبول الآخر بما يملك من خصوصيات ثقافية ودينية، ما يجعل العالم العربي مركزا عالميا مؤثرا وملتقا حضاريا للبشرية في الشرق والغرب وفي الشمال والجنوب، فهذه الخبرات العربية يمكن أن تكون نافذة للصين لتطوير فهمها للتحديات الإقليمية، وفرصة لبناء شراكات أكثر توازنا وعمقا في منطقة استراتيجية حيوية على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وهنا يكمن جوهر التعاون الحقيقي، الاستفادة المتبادلة بين الجانبين، بحيث يتحقق التحديث دون أن يفقد أي طرف هويته واستقلال قراره، وتحفظ التوازنات الدولية والإقلمية، ويصبح العمل المشترك مبنيا على التكامل وليس على الاستنساخ أو التفرد، وهذا هو التحدي، وهذا هو الهدف، وهو ما يجعل من الشراكة العربية – الصينية فرصة فريدة لبناء نموذج عملي يدمج بين قوة التنفيذ الصينية وعمق الرؤية العربية ليصبح مرجعا للشراكات الاستراتيجية في المستقبل.
السادة والسيدات،
إن العالم من حولنا يتغير بوتيرة غير مسبوقة، والتحديات كبيرة، والمنافسة باتت لعبة لا تخضع لمعايير أخلاقية أو قانونية في كثير من الأحوال، ومن لا يتحرك بذكاء وجرأة سيجد نفسه خارج المشهد، ولدينا كل الامكانات المادية والبشرية اللازمة لبناء نموج حضاري تكاملي، فعلينا كحضارتين جارتين يشتركان الجغرافيا والتاريخ بناء شراكات استراتيجية متوازنة تقوم على المصالح لا على الصراع والتناطح.
إن العلاقات الصومالية الصينية ضاربة في التاريخ، فلقد كان الصوماليون من أوائل الشعوب العربية والأفريقية التي أنشأت علاقات تجارية وثقافية منذ آلاف السنوات، كما كانت الصومال من الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة.
إن الصومال بحكم موقعه الاستراتيجي الرابط بين أفريقيا وآسيا، وبكونه بلدا عربيا أفريقيا يملك أطول ساحل في أفريقيا، ولديه ثروات طبيعية متنوعة يقدر لعب دور محوري في بناء علاقات عربية صينية علما بأن السوق الأقريقي يمثل اليوم وجهة عالمية للاقتصاد الدولي.
السيدات والسادة،،،
اسمحوا أن أعبر عن عمق شكري و تقديري للجامعة العربية بقيادة الأمين العام الدكتور أحمد أبو الغيط بجهوده المضنية في تقديم النموذج الحضاري العربي إلى العالم، ولا أشك في أن مثل هذه المؤتمرات التي من خلالها تستشكف الشعوب عن تجارب غيرها من شأنها احداث نقلة نوعية لا في التفكير وحسب بل في العمليات والاستراتجيات، وتعزز فرص التفاهم والتعاون والتكامل، كما لا يفوتني في هذا المقام أن أعبر عن بالغ شكري للحكومة الصينية وشعبها العظيم على هذه الاستضافة التي تعبر عن كرم وشرف هذا الشعب الصديق…وفي الختام، نتمنى أن تكون مخرجات هذا المؤتمر على مستوى تطلعات شعوبنا، وعلى مستوى التحديات والفرص الموجودة أمامنا كحضارتين متجاورتين يتشاركان التاريخ والجغرافيا، كما نتمنى أن يكون المؤتمر انطلاقة جديدة لحوار عربي صيني مؤسس على المصالح المشتركة في كافة المجالات الإدارية، والاقتصادية، والثقافية والتعليمية.
وشكرا لكم على حسن استماعكم…



