أخبار العالمبحوث ودراسات

المشروع الأوراسي: العقيدة البوتينية في احياء إمبراطورية السوفيات

28-09-2023

إعداد فاتن الجباري قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية

إشراف ومراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

تقديم :

     في إعترافات متلفزة و مثيرة للجدل للرئيس الفرنسي الحال “إيمانويل ماكرون”، قال : “لا شكَّ في أننا نعيش نهاية الهيمنة الغربية على العالم والتي امتدّت ثلاثة قرون، فالأمور تتغير وقد تعمّقت كثيراً بسبب تراكم أخطاء الغرب في أكبر القضايا وأخطر الأزمات على السلم والأمن الدوليين، وبسبب الاختيارات الأميركية لعدة سنوات، والتي أدت إلى إعادة الصراعات في الشرق الأدنى والأوسط وأماكن أخرى… إنّه أيضاً ظهور قوى جديدة اليوم، لا شكّ أننا قلّلنا من شأنها وفي مقدمتها الاستراتيجية الروسية والصين، والحقّ يقال إنها تقود منذ بضع سنوات إلى المزيد من النجاح…”

تصريحات كانت محل تجاذب وتحليل من خبراء وباحثين ومتابعين لشأن الدولي:

كيف سعت إيديولوجية بوتين الى إحياء مجد الأمبراطورية الأوراسية؟

ماهي القارة الأوراسية  :

 “أوراسيا” اسم مركب من كلمتي أوروبا وآسيا ويشير إلى كتلة دولية تضم بعض دول قارتي آسيا وأوروبا المتلاصقة عند الحدود الجغرافية.

وتظم ” أوراسيا” مجموعة من 92 بلداً ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 4.6 مليار نسمة  منهم اذربيجان، روسيا البيضاء، روسيا، جيورجيا، قازقستان، قرغيزستان، مولدوفا وطاجيكستان) ويتكلم سكانها عدد من اللغات أبرزها:  الأرمنية ، الماندرين ، الفارسية، التركية، الروسية،  الاندونيسية، العربية ، الهندية ، الألمانية…

صراع “العقائد الاستراتيجية

تستلهم السياسة الروسية خطواتها وفق ما سُمي حقاً “العقيدة الأوراسية”، والتي ترتكز على قاعدتين أساسيتين:

  • الأولى: بناء الشراكات والتقارب مع قوى مناوئة أو متوجسة من النفوذ الأمريكي.
  • الثانية: توسيع أراضيها التي تشكل قوساً جغرافياً استراتيجياً، وتضم أراضي شاسعة فيها مخزون من أكبر مخازن الثروة الباطنية في العالم. 

في دول القوقاز الواقعة على بحر القزوين،  توجد مدينة “باكو”  وهي العاصمة السياسية لأذربيجان والتي كانت منذ القرن الخامس عشر رمزا تاريخيا أُحرِز تقدما كبيرا في الفنون والعمارة والتجارة وخط عبور دولي للمنطقة الأوراسية بأكملها صوب أوروبا، عملتها  الوطنية المانات الأذربيجاني.

إقتصاد أذربيجان من الاقتصادات القوية في العالم، وهي تعتمد بدرجة كبيرة على الإستثمارات الأجنبية التي بدورها تعمل على تحريك العجلة الاقتصادية وتزيد من معدلات النمو الاقتصادي فهي تعتمد على الموارد الطبيعية وأهمها الغاز الطبيعي.

الأهمية الإقتصادية لإقليم كاغورنو كاراباخ :

  • يمر الغاز الأذري بمحاذات الإقليم و الحدود الآذرية مع أرمينيا
  • تطمح اذربيجان الى ان تصبح مصدرا مهما للطاقة بالنسبة الى اوروبا
  • هذا الأنبوب الغازي الاستراتيجي يمر من اذربيجان ثم الى جورجبا ثم الى تركيا و منها نحو اليونان وصولا الى ايطاليا ويتوزع على السوق الأوروبي.
  • تصدر وزارة الطاقة في اذربيجان حوالي 8.7 مليار متر مكعب من الغاز رقم مهم و تعتبر تركيا أكبر مشتر له وهو العمود الرئيسي لها كما ناه مصدر لتنويع إمدادات الطاقة لأوروبا خصوصا بعد الحرب الروسية الاوكرانية
  • اقليم عاد الى واجهة التركيز ومحل انظار للدول المحيطة به وخصوصا منها روسيا وتركيا وايران واسرائيل و اوروبا 

العقيدة الأوراسية والبوتينية في إحياء الامبراطورية :

ظلت الجغرافيا الكلمة السرية الدائمة في الاستراتيجية الروسية “الجيوبوليتيك الدفاعي” قديماً وحديثاً؛ ولهذا فقد آمن الزعماء الروس في كل مراحل تاريخهم بالتفكير الإمبريالي لتحييد التهديدات داخل الفضاء الأوراسي “أوراسيا في الخرائط الروسية تشمل القارة الأوروبية والآسيوية بما فيها أجزاء من إفريقيا والشرق الأوسط بمساحة تتجاوز 54 مليون كم2”.

في صميم عقيدة  الرئيس بوتين يكمن الهاجس الأكبر في اعادة  إحياء الإمبراطورية الأوراسية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بما فيه من جمهوريات سوفياتية، على النطاق الأوراسي وهنا يعتبر الجغرافي البريطاني “ماكيندر”،  ان المشروع القيصري هو إعادة النسيج الكامل لجغرافية روسيا بدول الجوار لأنها تمثل  التوأم التاريخي بمجالها الترابي  وتنوعها الإثني  وغناها بالموارد الطبيعية وخصوصية قوانينها وقِيمها الوطنية وتقدم إنتاجها التكنولوجي والصناعي والعلمي والثقافي   في اقرب ما يكون الى الفكر الروسي الخالص وابعد ما يكون عن اختلاف بُنيها وتحالفاتها السياسية الخارجية  مع كل حليف اخر في شرق العالم وغربه في وقتنا الراهن  .

أن مواكبة هذا التطور العسكري و رقمنة التسلح و رصد وقائع التاريخ وظواهر التبدل الحضاري  كلها علامات مدروسة جاءت على ذكرها اطروحة ابن خلدون ” المقدمة ”  حينما ذكر تعاقب الدورة الحضارية للأمم والإمبراطوريات وهو ما تجلت عليه العقيدة الأوراسية   وكأنها امبراطورية تضم الدول الآسيوية والأوروبية والإفريقية، وتكون أولى حلقاتها دول الاتحاد السوفييتي السابق بوصفها منطقة نفوذ خالصة لروسيا أمام التمدد الغربي.

ومن هنا بدأ عصر التحالفات الذي ينبني على عقد شراكات وثيقة وفرض نفوذ اقتصادي وسياسي وأمني على الدول  سواء الدول التي تشاركها الحدود أي لروسيا ، أو من خلال  التدخل العسكري عند اللزوم وهو الأمر الذي حدث في جورجيا والقرم وأوكرانيا، أو أبعد من ذلك جغرافيا كما في سوريا وليبيا وإفريقيا الوسطى.

سقوط نظرية أمركة العالم وصعود المشروع الأوراسي

تقول المسؤولة السابقة في المخابرات الوطنية الأميركية والباحثة في معهد بروكينغز “انجيلا ستنت” في تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية ان:  ايديولوجية المشروع الأوراسي تؤسس لفكرة محورية تعتبر فيها ان “الحضارة الغربية، حضارة يجب ان تتهاوى  لأنها لم تتمكن من خلق مجموعات بشرية حضارية بما في ذلك  محاولاتها للتحديث والتطور  مادامت تسير وفق مصالح غربية تقوض إرادة الدول المتوسطة والصغيرة، وتستغل ثرواتها وتستنزف مواردها  وهذا المشروع حامله عقيدة الرجل القيصر الذي يسعى برؤيته الإمبراطورية وعقيدته الأمنية بفضل استراتيجية الطاقة التي تغذي العالم، والردع العسكري من خلال منظومات صاروخية فوق صوتية قادرة على إهلاك أي دولة على الأرض، أضف لذلك ثقة الحلفاء بروسيا، وعضويتها في مجلس الأمن الدولي.

يُذكّر النخبة الروسية السياسية والعسكرية على الدوام بأن الانهيار السوفييتي كان أكبر كارثة جيوسياسية عظمى في التاريخ المعاصر، فقرابة 25 مليون روسي وَجدوا أنفسهم خارج التراب الروسي، و هنا تصبح أوراسيا منصة تفاعلات سياسية وعسكرية واقتصادية.

كل ذلك عكس رغبة بوتين في بناء شراكة حقيقية مع الصين وضم تحالف البريكس، وابرام اتفاقات حمائية لدول وأنظمة في إيران ومصر والهند وسوريا والجزائر وحتى دول الخليج، وهو ما يمثل حسب خبراء انتصاراً مرحلياً لعقيدة بوتين، بل قفزة في تاريخ الصراع على الجيوبوليتيك بين القوى.

بين نظريات أمركة العالم والمشروع الأوراسي تشكلت كانت سياسة القبضة الحديدية التي انتهجها الرئيس الأمريكي الأسبق “هاري ترومان” مع الاتحاد السوفييتي في خمسينيات القرن العشرين، مستغلاً التفوق الأمريكي وتصدر زعامة العالم الرأسمالي ووراثة مستعمرات الإمبراطوريات القديمة، والاجتياح العجيب للعالم بأسره من طرف القوى الصناعية الغربية بعد الانهيار السوفييتي، قد دفعت إلى الاعتقاد بأن توحيد البشرية ثقافياً أمر ممكن وشيك وخاصة مع تشكل مركز ديناميكي لابتكارات تقنية فائقة؛ اقتصادية وسياسية وفكرية، ويُقابل هذا المركز أطرافاً جامدة ومهمشة في العالم بحاجة لبناء وتنمية.

ولكن ظل التوتر يتصاعد بين روسيا وبجانبها الصين من جهة، ومن جهة أخرى الولايات المتحدة الأمريكية وخلفها العالم الغربي، نتيجة الانعطافة الأمريكية الحادة .

خلاصة:

 لقد خلق هذا الأمر يقظة قصوى لدى المعسكرات الشرقية وحذراً استراتيجياً، مما دفع القيصر الروسي بوتين وخلال سنوات حكمه إلى إقفال منطقة القوقاز في وجه حلف الناتو وأمريكا، وجاء التوسع الروسي في جورجيا وسوريا والقرم ودعم إيران  وليبيا  من حيث الرد العسكري على حالة التمدد الأمريكي غي هذه المناطق.

كما ان ظهور وحدات سياسية جديدة، مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية والهند، يبدو أمراً طبيعياً لإحداث توازن دولي، وهذا الأمر نظَّر له كثير من المفكرين الاستراتيجيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق