محنة كورونا تفضح أنانية الدول وهشاشة الروابط الإنسانية
برلين-ألمانيا-23-03-2020
نشرت مجلة (دير شبيغل)الألمانية،مقالا للكاتب نيلس مينكمار،
تحدث فيه عن فشل دول الإتحاد الأوروبي في اتخاذ موقف تضامني جماعي ومساعدة بعضها البعض في محاربة فيروس كورونا، مما يدل على عدم فاعلية هذا الإتحاد في محنة كالتي تمر بها البشرية اليوم.
يقول مينكمار:بالتأكيد لن ينسى الإيطاليون الطائرة التى هبطت مليئة بطاقم طبي وإمدادات إغاثة من الصين ، أو بمعنى أدق لن ينسى الإيطاليون حقيقة عدم وصول مثل هذه الطائرات من أي دولة أوروبية أخرى مثل ألمانيا أو فرنسا أو بلجيكا،لذلك كانت أوروبا مخيبة للآمال فى ظل هذه الأزمة حتى الآن..
إنها صدمة حقيقية أن نرى الإتحاد الأوروبى ضعيفا ويتلاشى. فكم عدد السياسيين الذين كرسوا خطابات لا تنتهى مشيدين فيها بفضائل هذه المنظمة؟.. وكم مرة تم ضرب المثل بأوروبا كحل نهائى ضد القومية واللاعقلانية والميول غير الليبرالية؟
عندما ساءت الأمور، تُركت كل من إيطاليا وإسبانيا لتدافع عن نفسها بمفردها.. كانت هناك تبادلات ومساعدات بالتأكيد من خلال بعض القنوات، كما كان هناك تواصل بين وزراء الصحة على المستوى الإقليمي، لكن العمل كان كالمعتاد في حين كان الوضع يتطلب التفكير خارج الصندوق.
بالطبع، المعركة الفعلية ضد محاربة هذا الوباء والسيطرة عليه، هي أولا معركة محلية، ثم معركة إقليمية ووطنية، لذلك كان ينبغي على أوروبا أن تندفع للعمل لمساعدة الأشخاص المسؤولين عن إدارة الوباء في شمال إيطاليا ومدريد. ولما كان من الصعب إرسال العمال، كان من المنتظر التبرع بالمواد والأموال ــ كبعض الإجراءات الرمزية التي تعبر عن التضامن الأوروبي.
سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، ورئيس المجلس الأوروبى تشارلز ميشيل إلى اليونان منذ وقت ليس ببعيد للإشادة بالحزم الذي يستخدم للدفاع عن الحدود الخارجية للإتحاد الأوروبي ضد اللاجئين، وفي غضون ذلك، أوقفت أوروبا على عجل الحق في اللجوء، الذي من المفترض أن يتمكن اللاجئون منه في أي وقت ــ وهي خطوة لم يجرؤ حتى ترامب على اتخاذها.
يا له من عمل بطولى: تأمين الحدود الخارجية لأوروبا لإبعاد اللاجئين والمستغيثين! بل على العكس من ذلك، فإن إبعاد المدنيين العزل بلا رحمة وتركهم في أسوأ الظروف لأسابيع ليس عملا بطوليا على الإطلاق. وعلى أي حال لا يبدو أن هناك الكثير من التضامن داخل الإتحاد الأوروبي هذه الأيام، حيث تفاجئ دولة تلو الأخرى جيرانها بقواعدها الخاصة.
وبدلا من بذل جهود متضافرة لتطويق الإصابات الأكثر تضررا وتقديم الدعم لها، تم إغلاق الحدود بشكل تعسفي والذي ليس له أي تأثير نظرا لأن الفيروس قد وصل منذ فترة طويلة إلى جميع البلدان، لكنه أسهم في إحداث تدمير رمزي ومستفحل للثقة بين البلدان الأوروبية.
فعلى سبيل المثال، اتخذت ألمانيا إجراءات على طول حدودها مع فرنسا الأسبوع الماضي، وصفتها برلين بأنها “إغلاق الحدود”، ولكن في باريس، أشاروا إليها فقط على أنها “تشديد الرقابة”.. إجراء مثير مثل هذا، لم يكلف البلدين المعنيين حتى عناء إصدار إعلان مشترك!
وبينما يُسمح للطائرات القادمة من إيران والصين، وكلاهما من البلدان التي تفشى فيهما الوباء، بالهبوط دون أي عوائق في المطارات الألمانية، إلا أن الركاب من لورين الذين يريدون الذهاب إلى عملهم في ساربروكن يتعرضون للمضايقة على الحدود.
لسوء الحظ، يرسل كل هذا رسالة واضحة للغاية: الإتحاد الأوروبي هو خيال، وحلم بعيد يوتوبي يسعى إلى إبقاء الناس سعداء. ولكن عندما لا تعرف أي دولة ما الذي يجب فعله، فهي تقوم فقط بإعادة ضباط الجمارك إلى نقاط الحدود كما كان الحال قديما.
وإذا كان يؤدى ذلك إلى التقاط صور تلفزيونية سريعة لإعطاء الانطباع بأن شيئا ما يتم فعله، إلا أن هذه الحقيقة لا تكشف إلا عن العجز.
يذكر ميخائيل غورباتشوف في مذكراته كيف أنه، بصفته عضوا شابا في المكتب السياسي للإتحاد السوفيتي، شهد ذات مرة نقاشا حول مكافحة البطالة. فكر الرفاق الأكبر سنا في إرسال الشرطة إلى المنتزهات ودور السينما للقبض على العاطلين. وعندما سأل عما يفترض أن يحققه هذا، رد زملاؤه بأنهم اعتادوا على حل كل مشكلة بواسطة الشرطة وهذه هي الطريقة التى سيتعاملون بها مع هذه المشكلة أيضا.
والآن ترتكب الحكومات الأوروبية نفس الخطإ المتمثل في اتخاذ إجراءات غير كافية. وبدلا من التعاون مع بعضها البعض لمواجهة الوباء، فإنها تلجأ إلى التفكير المختلف والتوبيخ المتبادل.
يثني كل وزير صحة أوروبي على شعبه ــ ومدى حنكة الباحثين، ومدى شجاعة طاقمهم الطبي، ولكن يمكننا أن نتخيل كم ستكون الأشياء أفضل إذا تعاونت أوروبا في هذه الأزمة.
وبنفس الطريقة التى تقوم بها شركات العطور الفرنسية الآن بإنتاج جل لتعقيم اليدين، يمكن لشركة “سيمنس” والشركات الصناعية الأخرى أن تبدأ أيضا في إنتاج المعدات الطبية وتوفير مستشفيات حاويات لمواجهة نقص أعداد الأسِرة في المستشفيات.
فى النهاية، هذا هو الهدف الذي أنشئ الإتحاد الأوروبي لأجله. ففى كل مكان، تؤدى المحنة التي أحدثتها الأزمة إلى ظهور تحالفات ومبادرات جديدة وشجاعة متجددة من جانب الوسطاء السياسيين.
وستكون مهمة الدول الأوروبية الأولى بمجرد انتهاء هذا الوباء إعادة التفكير في أوروبا وإعادة بنائها بطريقة جديدة وأفضل. فلسنا بحاجة إلى الإتحاد الأوروبي كما تمثله المفوضية الأوروبية في الوقت الحالي.. وفي الواقع، لقد انهار بالفعل ليصبح غبارا في أيدي أولئك الذين يحاولون التمسك به.