على الرغم من المساعي الأمريكية لإثارة الفوضى: “مبدأ الصين الواحدة ثابت”
عادل الحبلاني-باحث بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية اولعسكرية بتونس
يبدو أن استراتيجية واشنطن التي تقوم على المحافظة بكل الطرق على منطق الأحادية القطبية تحولت إلى استراتيجية واهية كذبها الواقع و كذبتها عودة الدب الروسي من جهة والتنين الصيني من جهة ثانية كقوتين اقليميتين قادرتان على انهاء الثقافة الامبراطورية لأمريكا, ويبدو أن التعنت والاصرار الأمريكي على خلق حالة من الفوضى ودعم فكرة استقلال تايوان عن جمهورية الصين الشعبية سوف يأخذ منحا أكثر تصعيدا خاصة وأن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان زادت من تصعيد التوتر بين تايوان والصين الشعبية من جهة وراكمت من حالة اللا حرب واللا سلم بين أمريكا والصين من جهة ثانية.
ما الذي تريده أمريكا من وراء دعمها لتايوان ؟
وماهي أهم الرسائل التي وجهتها جمهورية الصين الشعبية الى كل من أمريكا وتايوان ؟
تابع الرأي العام العالمي ووسائل الاعلام والقنوات الاخبارية لحظة بلحظة زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان, خطوة اعتبرها الكثير من المهتمين بالشؤون الدولية خطوة استفزازية لجمهورية الصين الشعبية وفعل متهور في السياسات الخارجية الأمريكية, وحيث أن هذه الزيارة لقيت دعما كبيرا من المتشددين الديمقراطيين والجمهوريين ومجلس النواب الأمريكي، فذلك يعود بالأساس إلى محاولات منع الصين وروسيا من تشكيل حلف تنضم إليه دول أخرى, يؤدي إلى بروز قوة جدية تهدد عالم القطب الواحد, بالإضافة إلى ذلك, يمكن اعتبار زيارة بيلوسي ودعم أمريكا لتايوان عسكريا بمثابة الخطوة الاستباقية التي تحاول من وراءها أمريكا تأكيد نفوذها في شرق آسيا أي مزيد دعم تحالفاتها وإقامة تحالفات جديدة وذلك من خلال بث حالة من التخويف والرعب في قارة آسيا من تغلل التنين الصيني, وتجنبا للسيناريو الروسي في اوكرانيا الذي زعزع أركان البيت الأبيض وأظهر حالة من التلكؤ والريبية في السياسات الخارجية لواشنطن ومواقفها الرسمية وبشر فعليا بنهاية الهيمنة الأمريكية على العالم ليس نظريا فحسب بل أيضا عمليا, سيم وأن التوتر بين روسيا وأمريكا تجاوز مرحلة التعطل السياسي والديبلوماسي ليتصل بحالة من التأهب العسكري.
وبالعودة على زيارة بيلوسي يمكن فهم أن واشنطن تخلت تماما عن ديبلوماسية الغموض لتكشف عن نواياها الحقيقية الرامية إلى العمل بكل الوسائل الممكنة على تحقيق استقلال تايوان او على الأقل إثارة الفوضى لتحقيق مصالحها المتمثلة أساسا في المحافظة على تواجدها العسكري في بحر الصين الجنوبي وفي نطاق ما تطلق عليه أمريكا ” سلسلة الجزر الأولى” والتي تتضمن قائمة بالأراضي الصديقة للولايات المتحدة.
وحيث أن الغطرسة الأمريكية والتعنت في السياسات الخارجية لواشنطن وعدم قبولها بالمتغيرات الاقليمية والعالمية الكبرى وعدم تسليمها بأن العالم أصبح فعليا متعدد الأقطاب وأن محاولات خلق الفوضى والتوترات والنزاعات كما كانت تفعل دائما, لم يعد بالأمر المجدي لا نظريا ولا عمليا, فإن الرد الصيني جاء مدويا على الصعيدين الديبلوماسي والعسكري. أما على المستوى الأول فإن بيان الخارجية الصينية الذي راوح بين الحكمة والحدة الديبلوماسية فقد جاء رافضا لزيارة بيلوسي إلى جزيرة تايوان الصينية معتبرا أن هذا الفعل المتهور والمستفز للصين هو تعدى صارخ وفاضح على سيادة الصين الشعبية وأمنها القومي وهو تدخل غير مشروع ولا مبرر في الشؤون الداخلية الصينية وأن جزيرة تايوان ليست إلا آراضي صينية وأن ليس هناك مجال ولا إمكانية لإقامة أي دولة داخل الدولة الواحدة والموحدة الصين الشعبية, وأن كل محاولات ضرب مبدأ ” صين واحدة” هو ضرب من ضروب العبث السياسي, وذلك إما بالعودة إلى ما أتفق عليه المجتمع الدولي وتمخض عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1971 والذي يؤكد أن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الممثل القانوني الوحيد للصين في منظمة الأمم المتحدة.
وحيث أن هذا الأساس الذي أقامت عليه 181 دولة علاقات ديبلوماسية واقتصادية وتجارية مع جمهورية الصين الشعبية ومن بينهم أمريكا, التي تحاول اليوم بعد خروجها من ديبلوماسية الغموض خرق هذا الاتفاق من خلال دعمها لجزيرة تايوان واقامة تحالفات مع اللوبي التايواني, فإن مبدأ الصين الواحدة هو مبدأ لا نقاش فيه وهو أساسا لكل العلاقات الممكنة مع جمهورية الصين الشعبية وأن أي محاولة لنقض هذا المبدأ هي تعدي على السيادة الصينية و على أراضيها.
أما على المستوى العسكري والذي يمثل الوجه الآخر واللامتساح في صورة ما تعطلت كل السبل السياسية والديبلوماسية والسلمية, حيث تابع العالم حالة التأهب القصوى التي رافقتها المناورات العسكرية بالذخيرة الحية والأسلحة الثقيلة بحرا وجوا في مضيق تايوان. وإذ تقوم السياسة الخارجية الصينية على ديبلوماسية السلام, فإنها لن تكون متسامحة البتة مع المحاولات الأمريكية والطفولية السياسية لحكومة تايوان وأن ذودها عن سيادة أراضيها وأمنها القومي ليس أمرا لا للتفاوض ولا للنقاش.
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستوعب بعد واقع أن منطق القطب الواحد قد إنتهى وأن المتغيرات في موازين القوى وظهور قوى إقليمية جديدة جعل من العالم متعدد الأقطاب، ويبدو أنها لازالت ماضية في سياسات خلق الفوضى والتوترات بين الدول غير مدركة أن ليس هناك مجال للعودة إلى ما عاشه العالم من هيمنة أمريكية طيلة أكثر من قرن. يبدو أنها لم تدرك بعد أن ما تسعى إلى تحقيقه من وراء دعم تايوان ليس الا ضرب من ضروب العبث الذي سوف تكون نتائجه وخيمة على الداخل الأمريكي خارجه.