أخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

ما هو مستقبل الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟

يقف الصراع الحالي بين إيران وإسرائيل عند مفترق طرق، ومع تصاعد حرارة المواجهة يبرز عدد من السيناريوهات المحتملة لمستقبل المشهد في المدى القريب والمتوسط:

السيناريو الأول: اندلاع حرب واسعة

يظل شبح الحرب الإقليمية الشاملة حاضرًا كأسوأ الاحتمالات. في هذا السيناريو قد تؤدي سلسلة حوادث أو حسابات خاطئة إلى تدحرج كرة النار بحيث تنخرط أطراف أخرى مباشرةً في القتال، فإذا ما وقع خطأ إستراتيجي كاستهداف إيران مصالح أمريكية في الخليج، أو سقوط صاروخ بالخطأ على مدينة خليجية أو تركية، فقد تتوسع دائرة الحرب سريعًا.

حرب واسعة تعني مواجهات مفتوحة على جبهات متعددة: إسرائيل تواجه إيران مباشرة بهجمات جوية وصاروخية مكثفة تتجاوز الضربات المحدودة الحالية، وإيران تطلق كل ما في جعبتها من صواريخ بعيدة المدى على مدن إسرائيلية، وربما منشآت نفط خليجية.

حزب الله يدخل المعركة بكامل ثقله من الشمال، مطلقًا آلاف الصواريخ يوميًّا، وقد تشتعل جبهة غزة من جديد، وتتحرك الميليشيات العراقية لاستهداف القواعد الإسرائيلية والأمريكية حيث تستطيع.

في البحر، قد تحاول إيران إغلاق مضيق هرمز، وشن هجمات بحرية عن طريق زوارق سريعة، وألغام ضد سفن تجارية أو بحرية إسرائيلية وأمريكية.

هذه الحرب الشاملة ستتجاوز قدرة أي طرف على السيطرة:

  • خسائر فادحة في الأرواح والبنى التحتية على الجانبين،
  • موجات نزوح جماعي، خاصةً من جنوب لبنان، وشمال إسرائيل، وربما من الخليج،
  • اضطراب اقتصادي عالمي،
  • قفز أسعار النفط إلى مستويات قياسية تعيد إلى الأذهان أزمات السبعينيات.

ومع أنه لا طرف يريد فعليًّا هذا السيناريو الكارثي، فإن خطر الانزلاق إليه نتيجة التصعيد وسوء التقدير يبقى قائمًا، ما دام كل جانب يشهر سيفه، ويضع إصبعه على الزناد في حالة تأهب قصوى.

السيناريو الثاني: استمرار الحرب المحدودة

السيناريو الأقرب واقعًا هو بقاء الصراع في نطاق الحرب المحدودة المدارة بضوابط خلفية تحول دون انفلاتها، بمعنى أن تستمر جولات التصعيد والتهدئة على نمط مدروس:

  • ترد إيران عن طريق ضربات محسوبة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، سواء مباشرة، أو من خلال جبهات وسيطة، كاليمن والعراق.
  • يوازي ذلك استمرار المناوشات على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية دون انزلاق حزب الله إلى مواجهة شاملة، وربما تبقي المنظمة الشيعية على تدخلها في حد إطلاق صليات رمزية، أو إسقاط مسيرات إسرائيلية لإبقاء الضغط، دون تخطي العتبة الحرجة. هذا الوضع يعني استنزافًا متبادلًا طويل الأمد دون ضربة قاضية: اقتصاد إيران يرزح أكثر تحت العقوبات والكلفة العسكرية، وإسرائيل تستنزف مواردها الدفاعية، وتعيش مدنها تحت تهديد مستمر، وإن كان محدودًا.
  • سيحاول المجتمع الدولي في هذا السيناريو إدارة الأزمة عن طريق تكثيف جهود التهدئة المؤقتة، ومنع تجاوز الخطوط الحمراء (كضمان أمن الملاحة الدولية، ومنع ضرب منشآت نووية عاملة قد تسبب كوارث بيئية).
  • قد نشهد هدنة غير معلنة بعد فترة من التصعيد، يعود فيها كل طرف إلى مداواة جراحه، وإعادة حساباته، دون توقيع اتفاق رسمي.
  • تستمر حرب الاستنزاف بالوكالة، وعن طريق الضغط الاقتصادي والسياسي، لكن دون مواجهات طاحنة مباشرة جديدة.

هذا السيناريو وإن كان يجنّب المنطقة كارثة الحرب الشاملة، يبقي حالة اللا سلم واللا حرب مخيّمة، بما تعنيه من توتر دائم، واحتمال اشتعال مفاجئ في أي وقت. إنه عمليًّا استمرار للوضع القائم خلال السنوات الماضية، ولكن على مستوى أخطر وأوضح، حيث تصبح الضربات المتقطعة جزءًا معتادًا من المشهد الإقليمي، ويتعايش الجميع مع نزاع مزمن قابل للاشتعال الموضعي بين حين وآخر.

ترسيخ حالة الردع المتبادل وحرب الظل: هناك احتمال آخر أكثر تفاؤلًا نسبيًّا يتمثل في نجاح الجهود الدولية والإقليمية في تبريد الجبهات، وعودة الطرفين إلى قواعد الاشتباك غير المعلنة التي سادت طيلة الأعوام الماضية.

في هذا السيناريو، وبعد جولة التصعيد الحالية الدامية، يدرك الجانبان أن المضي أبعد قد يهدد وجودهما، فيتراجعان خطوة إلى الوراء بوساطات مكثفة (ربما عن طريق قنوات عُمان، أو قطر، أو تركيا).

يُتوَصَّل إلى تفاهمات ضمنية عن طريق أطراف ثالثة تقضي بوقف الضربات المباشرة:

  • إسرائيل توقف الغارات العلنية على الأراضي الإيرانية،
  • وطهران تكبح جماح الميليشيات من إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل.

في المقابل، يستمر الصراع، لكنه يعود إلى حرب الظل تحت عتبة الحرب المفتوحة، أي يتم التركيز على العمليات السرية والاستخباراتية:

  • إسرائيل تصعّد التخريب الخفي لبرنامج إيران النووي عن طريق فيروسات إلكترونية، وعمليات اغتيال لعقول المشروع النووي،
  • وإيران ترد عن طريق حروب الأشباح باستهداف مصالح إسرائيلية في الخارج (سفارات، سياح، شركات)، وعمليات اختراق أمني داخل العمق الإسرائيلي عن طريق عملاء سريين.
  • تبقى جبهة لبنان والجبهات الأخرى في حالة ردع متبادل راسخ: حزب الله يمتنع عن التصعيد مقابل امتناع إسرائيل عن استفزاز كبير في لبنان أو ضرب إيران مباشرة، وهكذا… هذه المعادلة تعيد فرض ميزان خوف يمنع الجميع من الانفلات.

 بطبيعة الحال، سيبقى التوتر قائمًا، والمناوشات مستمرة، لكن ضمن خطوط حمراء محترمة من الطرفين: لا ضربات إسرائيلية مكشوفة على إيران، ولا هجمات صاروخية كبيرة من إيران أو حلفائها على إسرائيل.

 يستمر شد الحبال في الخفاء، وربما تعود طاولة المفاوضات النووية بدفع صيني روسي هذه المرة، مقابل تجميد نسبي لأخطر أنشطة إيران النووية، وتخفيف بعض العقوبات كإجراء لبناء الثقة.

هذا السيناريو أشبه بهدنة غير معلنة تعيد الصراع إلى وضعية “الحرب الباردة”، أو “الصراع المنخفض الحدّة”، فترة قد تطول أو تقصر بحسب التطورات. إيجابية هذا المسار أنه يجنب المنطقة حربًا مدمرة، ويتيح مجالًا -وإن ضئيلًا- لمساعٍ دبلوماسية أوسع في المستقبل، لكن سلبيته أنه لا يحل جذور المشكلة؛ فالخلاف الإستراتيجي والعداء الأيديولوجي سيستمران، ما يعني أن خطر الانفجار سيبقى كامنًا، ويحتاج إلى مجرد شرارة ليعود إلى الاشتعال ما لم تُعالَج أسباب الصراع العميقة.

غير أن هذا السيناريو، الذي يقوم على ترسيخ الردع المتبادل وحصر الصراع في مساحة الظل، يبقى هشًّا بطبيعته، ومهددًا من الداخل الإيراني نفسه، فاستمرار الضغط الخارجي، وتنامي التذمر الشعبي الداخلي، قد يفتحان الباب أمام سيناريو أكثر زلزلة: سقوط إيران، وتفكك ركائز الجمهورية الإسلامية من الداخل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق