أخبار العالمأوروبابحوث ودراسات

الإتحاد الأوروبي يتعرض لخطر الانهيار الداخلي… ومؤشرات الإنقسامات أصبحت كبيرة

يشهد الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة انقسامات حادة حول العديد من القضايا. وتأتي هذه الخلافات من جذور تاريخية وثقافية واقتصادية مختلفة، تشمل على سبيل المثال السيادة الوطنية، الهجرة حيث تُعد من أكثر القضايا إثارة للجدل داخل الاتحاد الأوروبي.

حيث تختلف الدول الأعضاء حول كيفية التعامل مع تدفقات المهاجرين في ضل وضع دولي أنهكته الحروب، كما ثير قضايا المناخ وسياسيات الدفاع والسياسات الاقتصادية صراعات داخل الاتحاد حيث تُقسم الدول الأعضاء حول كيفية إدارة السياسة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بالإنفاق العام والضرائب.

ظهرت انقسامات حول كيفية تعزيز سياسة الدفاع للاتحاد الأوروبي في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية وحرب الشرق الأوسط وتواصل عمليات التسليح الممنهج لإسرائيل دون اعتبار لأي قرارات دولية بوقف التسليح. وتُطالب دول مثل بولندا ودول البلطيق بزيادة الإنفاق العسكري وبناء جيش أوروبي مشترك بينما تفضل دول أخرى مثل ألمانيا، نهجًا أكثر دبلوماسية وتركيزًا على التعاون مع الناتو.

كذلك يُواجه الاتحاد الأوروبي، معركة مالية صعبة مع اقتراب موعد تجديد ميزانيته متعددة السنوات للفترة من 2028 إلى 2034.

 وتأتي هذه المعركة في وقت حرج، حيث تُلقي الحرب في أوكرانيا والركود الاقتصادي العالمي بظلالها على الكتلة وتختلف الدول الأعضاء حول كيفية تخصيص الأموال مع التركيز على الدفاع أو الاستثمارات الخضراء أو دعم الصناعة الزراعية وتُطالب بعض الدول بزيادة الإنفاق على الدفاع لدعم أوكرانيا وتعزيز الأمن الأوروبي بينما ترفض دول أخرى ذلك خوفًا من زيادة عبئ الديون حيث تبحث عن مصادر جديدة لتمويل ميزانيتها، بما في ذلك زيادة مساهمات الدول الأعضاء أو فرض ضرائب جديدة على مستوى الاتحاد الأوروبي.

ملف الهجرة أحد أكثر الملفات تعقيدًا وإثارة للجدل في الاتحاد الأوروبي. أذ تُواجه الدول الأعضاء تحديات كبيرة في كيفية التعامل مع تدفقات المهاجرين واللاجئين وضعف سلوكيات التواصل الدبلوماسي مع دول شمال افريقيا مما يُؤدي إلى انقسامات عميقة بينها ذلك ان صندوق النقد الدولي لا يزال يستعمل لغة التهديد والوعيد في ضرب اقتصاديات الدول النامية واستعمال ملف الهجرة كنقطة ضعف على ان تصبح الدول المحاذية لشريط المتوسط “حارسا على سواحلها الاوروبية “.

يبقى ملف الهجرة الملف الشائك، ويثير الكثير من الإنقسامات والخلافات ما يهدد تماسك الاتحاد الأوروبي لا سيما عندما نتحدث عن توزيع اللاجئين داخل التكتل وفق اتفاقية دبلن أو مبدأ التضامن، لكن هناك إجماع أوروبي تقريباً حول تشديد الإجراءات، رغم الاختلاف في الآلية وهذا يعني تحول جديد في سياسات الاتحاد.

إن تزايد عدم الاستقرار في أفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، وفي الشرق الأوسط “الحرب على غزة” وزعزعة الاستقرار الإقليمي التي أطلقتها الحرب” وفي أوروبا الشرقية “أوكرانيا” يهدد بزيادة في معدلات الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي، ونتيجة لذلك فإن تزايدا موازيا في التحركات نحو الاتحاد الأوروبي تصاعد التوترات السياسية داخل الدول الأعضاء وفيما بينها بسبب إدارة اللجوء.

أن الانقسام الحاصل هو بالأساس يرجع لعدم التجاوب بين دول الاتحاد بخصوص استراتيجية توزيع المهاجرين واللاجئين بشكل متساوٍ بين الدول الأعضاء وتتحمل بعض الدول مثل اليونان وإيطاليا، عبئًا أكبر من غيرها.

كما تُغذّي مشاعر الحقد تجاه الجاليات المسلمة من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة في ضل المصادقة على قانون جديد وهو تجريم معاداة السامية في فرنسا وألمانيا كما توجه هذه الدول  اتهامات لروسيا، بالتدخل في ملف الهجرة بهدف زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي محاكاة لفشلها في تجاوز الازمة.

 وربما يُستغل الانقسام من قبل الأحزاب الشعبوية لتعزيز أجندتها “المناهضة للهجرة”، مما يُهدد القيم الأوروبية في أسوأ سيناريو، وهو تفكك الاتحاد الأوروبي وتهديد أمنه.

من جهة أخرى لا تزال الهجرة تُشكل تحديًا كبيرًا للاتحاد، مع تباين مواقف الدول الأعضاء بشأن كيفية التعامل معها، مما يُؤدي إلى خلافات ونزاعات كما تُعاني بعض الدول الأعضاء، مثل اليونان وإيطاليا من أزمات اقتصادية ومستويات مرتفعة من البطالة بينما تتمتع دول أخرى، مثل ألمانيا، باقتصادات قوية.

تزداد حدة النقاش حول ما إذا كانت هذه “الانتخابات” ستُحسم على أسس وطنية أو أوروبية، فمع اقتراب موعد انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي للعام 2024، تشير الدلائل إلى أن التركيز في العديد من الدول الأعضاء، وخاصة فرنسا ينصب على القضايا الوطنية مع تركيز الناخبين على القضايا المحلية مثل تكاليف المعيشة والهجرة  ذلك أن أغلب دول القارة قد شهدت أزمات اقتصادية، وأمنية، وصحية، ومناخية، والهجرة، والتي خلقت هويات سياسية تمر عبر البلدان وفيما بينها.

علاوة على ذلك يواجه الاتحاد الأوروبي تحديًا كبيرًا في علاقته مع فرنسا، إحدى الدول الأعضاء المؤسسة إذ تشير استطلاعات الرأي إلى ازدياد انعدام الثقة بالمؤسسات الأوروبية بين الفرنسيين.

بالرغم من ذلك يُعرب ما يقرب من 60٪ من الفرنسيين عن الفوائد العملية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مثل “منطقة شنغن” و”اليورو” ويحظى طموح الرئيس إيمانويل ماكرون لبناء “أوروبا قوية” بدعم شعبي_إسرائيلي واسع.

مستقبل أوروبا في خطر بسبب تلاعبات اليمين المتطرف، حسب وزيرة البيئة الإسبانية، “تيريزا ريبيرا”، حيث حذرت من أن مستقبل الاتحاد الأوروبي “معرض للانهيار” بسبب استغلال بعض السياسيين للتوترات الحاصلة على الساحة السياسية لتحقيق مكاسب و إثراء غير مشروع.

إن “انهيار المشروع الأوروبي” سيكون أحد أكثر الأحداث كارثية في التاريخ الحديث. حيث يتم استخدام ورقات لأدوات مثل الطاقة والغذاء والمعلومات المضللة والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي كأدوات “حرب حديثة وتكتيكاته ولغته المتصهينة”.

هذا ويصف المجتمع الاوروبي أن ما يحصل بالداخل الاوروبي هو “تطفل ماضي أوروبا الاستبدادي على حاضرها الديمقراطي الواهم قوة”… وفق المنظور الغربي .

كما تُنتقد تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي اعتبرت فيها بعض أعضاء أقصى اليمين “وكلاء الرئيس الروسي بوتين” .

شهد الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه عام 1993، تحديات وصراعات داخلية وخارجية وتُثار تساؤلات حول مستقبله، خاصة مع تصاعد بعض المشاعر “المناهضة لأوروبا” في ضل خضوعهم لتوترات جيوسياسية مطبقة يحتكم فيها الغرب الى الإنبطاح الأمريكي واللوبيات العميلة وتزايد الانقسامات بين الدول الأعضاء.

وهو ما غذى مشاعر الإستياء من النخبة الأوروبية تجاه السياسة الاوروبية الحديثة التي بدأت تنفضح شيئا فشيئا كلما غرق الشرق الأوسط برصاص سلاحهم.

وقد شكّل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي “بريكست” ضربة قوية للمشروع الأوروبي، وأثار مخاوف بشأن احتمال خروج دول أخرى. تُشكل الحرب في أوكرانيا تحديًا جديدًا للاتحاد، حيث تتباين مواقف الدول الأعضاء بشأن كيفية التعامل مع روسيا والعقوبات المفروضة عليها.

يقول “مايكل غالر” عضو البرلمان الأوروبي وخبير السياسة الخارجية في الكتلة الديمقراطية في البرلمان الأوروبي “أصبح واضحاً من جديد للسياسيين وصناع القرار في الاتحاد الأوروبي أنه لا يمكن الدفاع عن أوروبا إلا “بمساعدة الناتو” وهذا هو السبب في أن البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي لا تتنافس بأي حال من الأحوال مع الناتو وأن “الدفاع الجماعي يجب أن يستمر بالتعاون مع الناتو في المستقبل المنظور”.

 تصريح يثري الفرضية القائلة بأن الاتحاد الاوروبي في حالة انقسام جذري في الوقت الذي تضعف فيه خطوات الإصلاح السياسي والأمني والاقتصادي للاتحاد دون استعادة دوره على الساحة الدولية، ولعب دور سلبي في كثير من القضايا الشائكة وفي مقدمتها الصراع الروسي الغربي، وهذا يعني  تبعيته المستمرة في قراره للولايات المتحدة، في ضوء تغيرات جيوسياسية تشهدها القارة العجوز والعالم بشكل عام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق