أخبار العالمأوروباإفريقيابحوث ودراسات

ماكرون في أفريقيا .. “بين إعادة التراث المنهوب شراكة أم إستعمار جديد؟”

تكشف الجولة الأفريقية الأخيرة للرئيس الفرنسي ماكرون عن واقع جديد لم يعد فيه النفوذ الفرنسي كما كان، في ظل تحول التحالفات وتزايد النفوذ الروسي والصيني.وتحمل الرحلة، التي بدأت في موريشيوس وتختتم بمنصة قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، طابعًا عاجلًا مع تبقي نحو 18 شهرًا فقط على نهاية ولايته في 2027.ماكرون، الذي بدأ ولايته بوعود بتفكيك إرث الاستعمار الفرنسي وإقامة شراكات قائمة على المساواة، يجد نفسه اليوم في سباق لإصلاح تحالفات متصدعة بينما تتوسع رقعة المنافسة الدولية في القارة، بحسب موقع “ذا أفريقا ريبورت”.

لكن هذه الطموحات اصطدمت بواقع محفوف بالتحديات، مثل موجة انقلابات عسكرية في منطقة الساحل، بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي أدت إلى طرد القوات والدبلوماسيين الفرنسيين وفرض انسحاب عسكري كامل بحلول 2025.

في هذا الفراغ، برزت قوة مرتزقة فاغنر الروسية واستثمارات الصين، التي قدّمت بدائل جذابة للمجالس العسكرية الأفريقية، بما في ذلك التمويل والبنية التحتية والتكنولوجيا العسكرية.كما بدأت بعض الدول تتخلى عن الفرنك الأفريقي، في حين تبحث دول مثل أنغولا عن شركاء متعددين بعيدًا عن النفوذ الفرنسي التقليدي.في هذا السياق، يصبح الهدف الفرنسي بإعادة التوازن لشراكاته في أفريقيا تحديًا مركبًا، خاصة مع استمرار التنافس على النفوذ .

ينطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جولة أفريقية جديدة تمتد من 20 إلى 24 نوفمبر 2025، تشمل أربع محطات رئيسية هي موريشيوس وجنوب أفريقيا والغابون وأنغولا، في إطار مساعٍ لإعادة تموضع فرنسا في القارة بعد تراجع نفوذها خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في مناطق كانت تُعد تقليديا ضمن المجال الحيوي لباريس، بحسب ما أفاد تقرير “أفريكا ريبورت”.

ويستهل ماكرون جولته بزيارة إلى موريشيوس يومي 20 و21 نوفمبرالجاري، قبل أن يتوجه في الـ22 من الشهر ذاته إلى جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، حيث يشارك في أول قمة لمجموعة العشرين تُعقد على أرض القارة.منذ خطابه الشهير في جامعة واغادوغو عام 2017، والذي اعترف فيه بـ”جرائم الاستعمار الأوروبي”، سعى ماكرون إلى تقديم نفسه بوصفه رئيسا فرنسيا مختلفا في تعاطيه مع أفريقيا، متعهدًا بإنهاء السياسة التقليدية التي اتسمت بها علاقات باريس مع مستعمراتها السابقة، كما ذكر التقرير.

وقد أطلق ماكرون سلسلة وعود شملت إعادة التراث المنهوب، ورفع السرية عن أرشيف اغتيال الزعيم البوركيني توماس سانكارا، وتعزيز الشراكات الأكاديمية، غير أن هذه المبادرات سرعان ما تراجعت أمام سلسلة من التصريحات التي اعتُبرت متعالية ومهينة في السياق الأفريقي. في ذات السياق فقد شهدت منطقة الساحل خلال السنوات الأخيرة سلسلة انقلابات عسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ترافقت مع تصاعد الغضب الشعبي ضد فرنسا، مما أدى إلى انسحاب القوات الفرنسية تباعا من هذه الدول، كما وثّق تقرير أفريكا ريبورت.

في مؤتمر السفراء المنعقد ، أثار ماكرون موجة انتقادات جديدة حين قال إن القادة الأفارقة “نسوا أن يشكروا فرنسا” على تدخلاتها العسكرية، مما أثار ردودا غاضبة من رؤساء السنغال وتشاد، وفقا لما ذكره التقرير.كما وُجهت له اتهامات بازدواجية المعايير، إذ دان انقلابات الساحل بشدة لكنه دعم انتقالا عسكريا في تشاد بعد وفاة إدريس ديبي، وسعى لبناء علاقات وثيقة مع قادة انقلابيين في الغابون، فضلا عن تمسكه بعلاقات مع رؤساء مخضرمين مثل الحسن واتارا في كوت ديفوار، وبول بيا في الكاميرون، ودينيس ساسو نغيسو في الكونغو، في تناقض صارخ مع خطابه الإصلاحي في واغادوغو.رغم نمو التبادل التجاري بين فرنسا وأفريقيا بنسبة 33% بين عامي 2017 و2024، فإن حصة فرنسا من إجمالي تجارة القارة تراجعت من 5.5% إلى 3.2%، وفقا لأرقام أوردها تقرير أفريكا ريبورت.

وبين خطاب القطيعة واستمرار الواقعية السياسية، تبقى “الأجندة التحولية” التي روّج لها ماكرون مشروعا غير مكتمل ويعكس تراجعا في النفوذ الفرنسي وفتحا للمجال أمام قوى دولية جديدة مثل روسيا وتركيا والصين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق