مؤتمر برلين: هل يفرض وصاية جديدة على ليبيا ؟
طرابلس-ليبيا-15-1-2020 زهور المشرقي
بدأ العدّ التنازلي لمؤتمر برلين الذي تحتضنه العاصمة الألمانية برلين، وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سابقا عن تحركات بلادها الحثيثة لإنجاح المؤتمر وتجميع الأطراف الليبية المتنازعة منذ سنوات، علما أن المفاوضات التركية -الروسية التي احتضنتها موسكو قد فشلت برفض قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر التوقيع على “الإتفاقية”، في حين وقع السراج المدعوم من جماعات الإسلام السياسي في ليبيا والمنطقة وتركيا ّ.
وكثفت ميركل اتصالاتها مع قادة الدول المدعويين إلى المشاركة في المؤتمر وبحثت فرص إنجاحه لوضع رؤية مشتركة وآلية لنزع فتيل الأزمة.
الفعاليات الدبلوماسية الدولية الكبرى مثل مؤتمر برلين تهدف أساسا، إلى تأسيس” مسار دولي جديد” في ظل تغير موازين القوى على الأرض في ليبيا، ولهذا استهدف تكثيفُ العمليات التي يقودها الجيش الوطني، مدعوما بحلفاء إقليميين، تغيير المشهد السياسي الناتج عن اتفاق الصخيرات وإن كانت حكومة السراج لا تملك نفوذاً يتوافق مع تلك “شرعية”الصخيرات على أرض الواقع.
من هنا يسارع الجيش الوطني الليبي إلى حصر حكومة الوفاق في أضيق المساحات لضمان موقف تفاوضي متميز.
وفي ذات السياق ، علّق الدكتور طه علي، الباحث والمحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في حديث مع صحيفة (ستراتيجيا نيوز) اليوم الأربعاء 15يناير2020، على ما حدث في موسكو،مشيرا إلى أن حفتر وجد نفسه محشوراً في قلب ‘التفاهمات الروسية التركية’ التي تنطوي على تأمين موقف حكومة السراج التي باتت آيلة للسقوط،وفق قوله .
وأضاف، ” حفتر استشعر من أجواء موسكو بوادر لتكرار “نموذج سوري” جديد على أرض ليبيا يتقاسم فيه الروس والأتراك دوائر النفوذ، ويخسر الجيش الوطني المكتسبات التي حققها ، وهو ما يتعارض ــ أيضا ــ وبالضرورة مع الهدف الرئيس للجيش الوطني والذي يتمثل في تطهير البلاد من الميليشيات والتصدي لمخططات أردوغان الإقليمية.”.
أما بالنسبة لرد فعل الرئيس التركي،فقال الدكتور طه علي، إنه كشف عن حالةٍ انفعاليةٍ لدى الخليفة العثماني المتغطرس عكستها حدة مفرداته والتهديدات التي وجهها للمشير خليفة حفتر، وهو ما رددته كافة وسائل الإعلام التابعة له، حيث شكل السب والتطاول على حفتر صلب الخطاب الإعلامي خلال الساعات الماضية، وتعكس تلك الحالةُ الإنفعاليةُ المأزقَ الذي أضحى عليه أردوغان وبخاصة مع فشل مساعي استغلال الجبهتين التونسية والجزائرية للدخول إلى ليبيا وذلك بالتزامن مع تحرير مدينة سرت من قبضة الجيش الوطني وقيام الأخير بتوسيع منطقة الحظر الجوي فوق العاصمة الليبية طرابلس.
حفتر من جانبه، ألقى خطابا يعكس تفوقه على الأرض، وقد فرض شروطاً تضمنت مهلة ما بين 45 ـ 90 يوما لقيام الميليشيات بتسلم أسلحتها، مع تشكيل لجنة من الجيش الوطني مدعومة من الأمم المتحدة لحصر أسلحة الميليشيات بالإضافة إلى استبعاد الوساطة التركية اعتقادا منه أن أردوغان ليس وسيطاً بقدر ما هو طرفٌ في الأزمة الليبية بحكم مصالحه وطموحاته الإقليمية. وتابع محدث (ستراتيجيا نيوز): “خطاب حفتر الأخير تضمّن قدرا من توظيف التاريخ الإستعماري لتركيا في ليبيا بغرض التأثير على الرأي العام وتوجيهه نحو التصدي لأردوغان، كما تضمن الخطاب الموجه إلى كل من الشعب الليبي والتركي نفسه للتصدي لأردوغان الذي وصفه بـ “المعتوه” لأربع مرات في نفس الخطاب”.
وأضاف:في ضوء ذلك، يتوقع أن تشهد الأيام القليلة المتبقية على مؤتمر برلين تسارعا في وتيرة الأحداث وخاصة على مستوى العمليات النوعية لضمان موقفٍ تفاوضي قادر على التصدي للموقف التركي ونظرا لتطلعات أردوغان إلى تصدر المشهد في برلين على أن يصبح صاحب الصوت الأعلى، انطلاقا من واقع يسعى الرئيس التركي إلى تثبيته بموجب الإتفاقيتين اللتين وقعهما مع السراج، أكّد طه علي أنه من المتوقع أن تشهد أروقة مؤتر برلين صداما يستبعد أن يكتب للمؤتمر النجاح في ظل تلك الأجواء.
ويمثل مجلس النواب الليبي الركيزة الأساسية في العملية السياسية بليبيا باعتباره الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد، فضلا عن دوره الكبير في إمكانية تعديل اتفاق الصخيرات وتحديدا المادة الثامنة التي تحدد المناصب العسكرية للقيادات الليبية.
وتشهد ليبيا منذ أحداث فبراير 2011 انتشارا لميليشيات مسلحة وجماعات متطرفة مسلحة تبسط سيطرتها على مؤسسات الدولة الليبية كالمصرف المركزي بالعاصمة وغيره من المنشآت المهمة، وتستنزف موارد الشعب الليبي بالحصول على اعتمادات مالية ضخمة من المجلس الرئاسى، وعدد من الشخصيات التى تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان.
يذكر في سياق تاريخي،أن مؤتمرا عقد في برلين 1878 في الفترة الواقعة بين الثالث عشر من يونيو وحتى الثالث عشر من يوليو من نفس العام ،حيث جمع القوى الأوروبيّة الكبرى والدولة العثمانيّة، وذلك بعد الصحوة من الحرب الروسيّة العثمانيّة التي وقعت بين عامي 1877 وحتى 1878، وقد كان الهدف الرئيسي لهذا لمؤتمر هو إعلان استقلال دول البلقان، بالإضافة إلى إعادة صياغة معاهدة سان ستيفانو، وإبقاء السيطرة العثمانيّة على إسطنبول، حيث حاول مضيف المؤتمر أوتو فون بسمارك الموازنة بين الأطماع الإمبراطوريّة الروسيّة، والمملكة المتحدة، والإمبراطوريّة النمساويّة المجريّة.
وقد اعترف المؤتمر بشكل رسمي باستقلال كلّ من الجبل الأسود، وصربيا، ورومانيا، لتصبح هذه الدول على التوالي السابعة والعشرين، والثامنة والعشرين، والتاسعة والعشرين المستقلة في العالم.
فماذا سيقدم مؤتمر برلين2020 إلى ليبيا المنقسمة ؟