موسكو-روسيا-18-12-2019
نشر مركز(كاتيخون) الروسي،اليوم الأربعاء،مقالا بعنوان: “لماذا يُعرِّبُ الإخوان المسلمون بني عثمان؟”، للأستاذ الجامعي والباحث في الشؤون الإقليمية، وفيق إبراهيم،جاء فيه: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلب من صديقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعمال واردات النفط في شمال شرق سوريا، لتمويل بناء مدينة داخل الحدود السورية لتوطين نحو مليون نازح فيها.
أما شرّ البلية فإن أردوغان نفسه هو الذي أقر بهذه الواقعة التي تشكل بمجملها مشروع سرقة بين لصَّين اثنين: فلا الأميركي هنا هو صاحب النفط ولا التركي الراغب به هو شريكه، وكلاهما مشروع استعمار جديد يستعملان فيه قواهما العسكرية المباشرة وتعاون بعض الأطراف المحلية معهما من أكراد ومنتحلي صفة معارضات وإخوان مسلمين يتوهمون بأن الله أرسلهم لإنقاذ الأمة، إنما عبر حراب بني عثمان التي استنزفت دماءً من شعوب المنطقة بكثافة نهر الأمازون.
لكن مجرد إدلاء الرئيس التركي بهذا التصريح هو إقرار واضح بفشل وساطاته النفطية مع الأميركيين، لأن هؤلاء عازمون كما يبدو على سرقة البترول لحسابهم وبواسطة منظمة “قسد” الكردية التي تشكل بموجب ثقافتهم الإستعمارية التاريخية تغطية سورية لسطوهم.
من الجهة التركية، يشكل “الإخوان المسلمون” السوريون و”بعض المعارضات” اليائسة ومنظمات من تركمان وسوريين ما يعتقدون أنه غطاء سوري، عربي وأممي للإستعمار العثماني الجديد في كامل المنطقة العربية بدءً من سوريا وحتى ليبيا.فـ “الإخوان” تنظيم أممي يُفترض أنه يعتبر المسلمين من كل الأجناس متساوين ويعملون على تأسيس فدرالية لهم على شاكلة الدولة الإسلامية القديمة.
هؤلاء “الإخوان” منضوون اليوم في إطار سياسات حزب العدالة والتنمية التركي الذي يُشكل فرعاً منهم.
للإيضاح فإن الفروع الأساسية للإخوان هي عربية من مصر والسودان ومجمل دول المنطقة إلى جانب فروع صغيرة في بعض الدول الإسلامية كانت تلتحق دائماً بالمركز العربي للإخوان، بما فيها الفرع التركي، الذي يجمع بين إسلامية مستترة في معظم الأحيان لأن تركيا مبنية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي على أساس دولة مدنية غربية الإتجاه، لذلك فحزب العدالة والتنمية يجسد حداثة تركيا وعثمانيتها وإسلاميتها، إنما عند الطلب والحاجة وليس كصفة دائمة.
لذلك وبعد فشل المحاولات التركية للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي استدار أردوغان للإستفادة من العنصرييْن العثماني والإسلامي وكان “الإخوان المسلمون” العرب خير مطية لاقتحام المنطقة العربية، وكيف لا وهم الحالمون بالإمبراطورية القديمة وسلاطينها، وهو أردوغان سلطان من بني أوغلو يرتدي زي أمير للمؤمنين يقف إلى جابنه فقيه إخواني ومخطط عثماني.
لقد اصطدمت طموحات “العثماني” أردوغان في شرق سوريا بجشع النفوذ الأميركي الذي سبقه وسارع إلى تثبيت وجوده في مواقع في ريفي الحسكة ودير الزور حول حقل (العمر) النفطي، وحقول (الحبسة) ومعامل الغاز فيها وأرياف القامشلي.
ما أنهى أية إمكانية لتقدم عثماني نفطي برايات الإخوان وبيارقهم.. وهكذا يفعلون في اليمن، حيث يعمل حزب الإصلاح الإخواني اليمني على المشاركة في تقسيم اليمن بدعم تركي مكشوف يخوض صراعاً إخوانياً تركياً على بعض مناطق الجنوب اليمني مع السعودية والإمارات، إنما داخل عباءة الأميركيين..
هؤلاء “الإخوان” يحملون العثمانيين أيضاً إلى السودان، فيصبح لتركيا نفوذ كبير في الخرطوم العربية،لكنه لا يضارع نفوذهم في مصر لأن “الإخوان المسلمين” المصريين العرب هم القوة الثانية بعد الجيش المصري ولا ينقصهم لتسلّم السلطة فيها، إلا مباركة أميركية – بخلفية إسرائيلية وكثير من الدعاء.
وللترك نفوذ في العراق الذي يمتلكون فيه تنظيمات إخوانية وتكفيرية تسرح في الأنبار والوسط، هذا إلى جانب احتلالهم لقسم نفطي هام من أنحائه الشمالية يبررونه بخوفهم من تأثير المشاريع الكردية عليهم.كما ينقل “الإخوان المسلمون” العرب الليبيون، الترك على كواهلهم نحو بلاد النفط والغاز في ليبيا، فيعقد رئيس الحكومة فايز السراج الإخواني اتفاقاً معهم يمنحهم حقوق الدفاع عن البر والبحر الليبيين، إلى أن يتبين أن “الإخوان” الليبيين يمنحون شرعية للعثمانيين كي يسيطروا أو يشاركوا في نهب ثروات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط بما فيها الأجزاء الليبية، وذلك مقابل حكم “السراج” ضد خصمه اللواء حفتر المهيمن على معظم مساحة ليبيا.
وهكذا يظهر بوضوح أن المشروع الغربي الإستعماري الذي يجتاح الشرق الأوسط منذ قرنين تقريباً يريد ثروات المنطقة، ولا يختلف المشروع التركي عنه بأي شيء، فإذا كان الغرب استخدم شعارات الترويج للديموقراطية والحضارة وتدمير أسلحة الدمار الشامل مستعيناً ببعض الإقطاع العربي والبورجوازيات الفاقدة وطنيتها والأقليات الطامحة لكيانات تجسد طموحاتها التاريخية، فإن الأتراك لعبوا بدورهم على نفس الأساليب مستحضرين البعد الإسلامي باثنتين من نماذجه: الأحزاب التكفيرية و”الإخوان المسلمون” للتمدد في العالم العربي والسطو على موارده من مصادر الطاقة التي تفتقر إليها تركيا.
ولم يتورّع المشروع التركي عن دعم حزب الإصلاح الإخواني في اليمن دافعاً إلى مناوشات حربية بينه وبين القوى المؤيدة للسعودية والإمارات في بعض محافظاته (حضرموت وعدن وتعز)، مفجراً توتيراً كبيراً في الصراع الدولي للهيمنة على البحر الأبيض المتوسط مع مصر وقبرص واليونان و”اسرائيل” وسط استياء أميركي منه، لمحاولاته وضع اليد على ليبيا بحراً وبراً للسيطرة على إمكاناتها الضخمة من الغاز والنفط.
طيف أردوغان موجود أيضا في الجزائر والسودان من خلال “الإخوان المسلمين”. لقد أساء أردوغان إلى علاقاته بالأميركيين بموافقته في مؤتمر أستانا مؤخرا على إدانة مشروع سرقة النفط السوري من شمال شرقي سوريا فسارع الكونغرس الأميركي إلى استصدار عقوبات سريعة على تركيا أدّت إلى صدور تهديد تركي بمناقشة حاجة تركيا إلى قاعدتين أميركيتين هما “انجليريك” و”كورجيك”..
بذلك يتبين أن “الإخوان” هم جسر لعبور الأتراك إلى المنطقة العربية، وبعض أنحاء العالم الإسلامي.لكن لسوريا وجهة نظر أخرى تساوي فيها بين العثمانيين والغربيين ومعهم “الإخوان المسلمون” الذين شكلوا في الماضي ممراً للبريطانيين وحالياً للأتراك.
إن الشمال الشرقي السوري هو الميدان الذي بوسعه تحطيم الحلف العثماني الإخواني والحلف الأميركي مع قسد، بما يؤكد مرة جديدة أن قلب الشرق هو سوريا بعنفوانها وتاريخها المجيد.