لماذا لم تعزل إسرائيل دوليا؟ رغم الإبادة الجماعية التي تهزّ العالم
قسم البحوث والدراسات الدولية
تونس 19-02-2024
تقديم :
غزة ثم رفح عرض الحدود المصرية تسير الدبابات الإسرائيلية نحو ارتكاب جرائم إبادة أفدح جيش الإجرام والهمجية، جيش وحكومة من دون أخلاق… العالم يستنكر والعرب صامتون وإسرائيل تصدّر الحرب الى الدول المجاورة وتفتح الواجهات في منطقة الشرق الأوسط وخاصة فتح دبهة مصر.
منذ قرابة شهر أصدرت 5 دول قرارات حكومية-رسمية، تقضي بوقف تصدير السلاح الى الكيان الصهيوني من ذلك القرار الصادر عن المحكمة الهولندية الذي قضى بوقف تصدير قطع سلاح غيار الطائرات الحربية” أف-35″ نحو إسرائيل.
قرار أتى ضمن سلسلة من القرارات المشابهة اتخذتها دول أخرى، ما دفع بعض المحلّلين لاعتبار هذه الخطوات تسير بالاتجاه الصحيح نحو معاقبة إسرائيل وعزلها دولياً بهدف تقييد أفعالها.
إلا أن تفحّص طبيعة هذه الإجراءات يبيّن أنها “لم تصل حتى الآن إلى مستوى الردّ المطلوب” على جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة والضفة الغربية، من دون أن يعني ذلك التقليل من القيمة السياسية والإنسانية لإجراءات بعض الدول التي قرّرت أن لا تكون شريكة أو متواطئة أو صامتة تجاه هذه الجرائم التي يشاهدها الجميع على الهواء مباشرة والصمت على الجرم المشهود بحد ذاته جريمة .
تفعيل القرارت القضائية التي تقضي بوقف تصدير السلاح
في العام 2021، ناهزت واردات الكيان الصهيوني من الأسلحة الأمريكية 80.5 بالمائة تليها الهند ب 9.58 بالمائة . أما ايطاليا التي كانت تورد تصدر أسلحتها ضد الفلسطينيين والذي قدر بحسب التقرير ذاته من 1.78 فقد تراجع في كل من ايطاليا وبلجيكا:
وذلك على أثر الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الشهر الماضي في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، فضلاً عن التدهور غير المقبول للوضع الإنساني في قطاع غزة وهذه المساعدات كانت تشمل طائرات هيلكوبتر ومدفعيات بحرية.
قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل
سجلت كل من برشلونا ودول أمريكا اللاتينية الحالات الأكبر في قطع دبلوماسيتها مع الكيان حيث قطعت بوليفيا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب الحرب، ولحقت بها دولة بيليز. واستدعت دول أخرى، كولومبيا وتشيلي وهندوراس، سفراءها من إسرائيل. واجهت دولة الاحتلال ردود فعل مماثلة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، حيث سحبت تركيا والبحرين والأردن سفرائها أمّا في أفريقيا، فقد اتخذت دولتان إجراءات مماثلة وهما تشاد وجنوب أفريقيا.
الدول العربية تتورط في كذبها المكشوف
وفق التحديث الأخير الذي نشره الموقع الالكتروني للحكومة الإسرائيلية، لا تزال العلاقات الدبلوماسية قائمة مع الكثير من هذه الدول العربية، بما في ذلك دولاً عربية مطبّعة مع الاحتلال، ولا سيما الإمارات العربية والمغرب ومصر. أما فيما يتعلّق بالبحرين، فعلى الرغم من تأكيدها مغادرة السفير الإسرائيلي من المنامة وسحب السفير البحريني من تل أبيب، تول الحكومة الصهيونية أن البحرين لم تبادر بأي قطع لعلاقاتها ولا شيء من هذا القبيل… وأضافت أن العلاقات بين البلدين مستقرة.
وعلى الرغم من تأكيد المملكة العربية السعودية أنه لن يكون هناك اعتراف سعودي بالكيان الصهيوني ما لم يتم الإعتراف باتفاقية العام 1967، ووقف العدوان الإسرائيلي على غزة، تقارير إعلامية كثيرة كشفت عن استمرار الاتصالات بين السعودية وإسرائيل، ومشاركة السعودية في فكّ الحصار على إسرائيل الذي ضربته حركة “أنصار الله” اليمنية في البحر الأحمر، عبر السماح باستخدام أراضيها لعبور البضائع من دبي إلى الأراضي المحتلة، فضلاً عن تقارير تفيد بمشاركة السعودية في اعتراض صواريخ ومسيّرات أُطلقت من اليمن باتجاه “أم الرشراش ” إيلات.
إفريقيا حازت على النصيب الأكبر من نصرة القضية العادلة امام المجتمع الدولي
المحاولات الدولية الأكثر جدّية لعزل إسرائيل ومعاقبتها، جاءت من جنوب أفريقيا التي رفعت الدعوى أمام محكمة العدل الدولية بشأن انتهاكات الأخيرة لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وقد تبعها طلب قدّمته نيكارغوا وبوليفياو بنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي.
نتيجة للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، طلبت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة من إسرائيل القيام بكلّ الخطوات اللازمة لمنع التحريض على الإبادة الجماعية والمعاقبة عليه، إلا أنها لم تتوصّل إلى قرار بوقف إطلاق النار بحجّة “عدم الاختصاص” وعدم قدرة المحكمة على فرض قرار مماثل في صراعات ليست بين دولتين وإنما بين دولة ومنظّمة (المقصود حركة حماس).
محاولات العزل اقتصادياً وحارس الازدهار
على صعيد آخر لا تزال المحاولة سارية لعزل إسرائيل اقتصادياً، تتمثّل بالهجمات المتكرّرة لحركة أنصار الله اليمنية على السفن ذات الصلة بإسرائيل في البحر الأحمر، الأمر الذي كان من الممكن له أن يفاقم من أزمة التجارة الإسرائيلية، إلا أن هذه المحاولة تعرّضت إلى إدانة دولية، فقوبلت بإنشاء ما سُمِّي بتحالف “حارس الإزدهار” بين دول عدّة لردعها، وقيام الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بهجوم عنيف على مواقع تابعة لأنصار الله في اليمن.
جر المنطقة الى الحرب : “رفح”
فيما لا تزال غزة تتعرّض للإبادة الجماعية، والتلويح بارتكاب المزيد من المذابح في رفح، لا يبدو أن إسرائيل قد ارتدعت بل على العكس. الى اليوم لم تتعرّض إسرائيل لأي من العقوبات كما جرى مع روسيا مثلاً إثر العملية العسكرية لأوكرانيا منذ 2022، علماً أن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين غير مسبوقة في كلّ الحروب التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب الباردة وإطلاق العنان للهيمنة الأميركية الأحادية على العالم برمّته.