كيف تكون السياسة الديبلوماسية للصين سلاح ضد همجية واشنطن؟
قسم البحوث والدراسات الديبلوماسة والعلاقات الدولية
تونس 29-02-2024
تقديم :
أحرز النفوذ الدبلوماسي الفعلي لبكين في الشرق الأوسط خطوة هامة فعلا. فلقد تمكنت الصين من تأسيس سياسة ديبلوماسية شفافة وذات مصداقية مقابل تعرية ديبلوماسية واشنطن “الفجّة والهمجية” وبالتالي اسقطت نظرية الهيمنة والحرب أمام فرصة إحلال السلام الإنساني المشترك والإحترام المتبادل لسيادة كل دولة مهما كان حجمها.
تحويل الضغط الدبلوماسي والرأي العام الدوليين ضد واشنطن
تمكنت بكين منذ أمد طويل من العمل كوسيط نزيه في أزمات الشرق الأوسط بما أنها تستوفي شرطين أساسيين، هما
- تمتعها بعلاقات وثيقة وشفافة قائمة على معادلة التوازن في العلاقات سواء كانت اقتصادية أم عسكرية من أجل إحداث التغيير والمحافظة على النتائج الإيجابية التي ترغب فيها الصين لصالح سائر دول المنطقة التي يتم تحقيقها هناك.
- ومن جهة أخرى أن الصين لا تستعمل أسلوب السلاح رغم امتلاكها للأسلحة الدمار الشامل. ولا ينطبق أي من ذلك على الولايات المتحدة الامريكية فيما يتعلق بمصالح الرأس الواحد واليد العليا الغليظة المهيمنة و”العقلية الأمريكية المصدرة للحرب المتاجرة بالدم”.
لقد فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في إكتساب نفوذ دبلوماسي كبير على أي دولة في الشرق الأوسط في ظل إتساع رقعة الدمار والكوارث وقتل مئات الآلاف من الأشخاص هناك وهو ما يمثل من وجهة نظر الصين عجز تام لسياسة الغرب الخارجية وفقدان واشنطن السيطرة على ضبط وتيرة أزمة الشرق الأوسط.
فأمريكا اليوم لم تعد قادرة إلا على التفكير في صيغة واحدة ألا وهي إبداء الاستعداد لبذل الدماء والأموال سعياً لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها العسكرية والاقتصادية وينطبق الأمر ذاته على ما هو حاصل اليوم في الشرق الأوسط وما تسميه “الأمن القومي الأمريكي في ما وراء البحار” وما تسميه حركات التحرر والمقاومة “الجرائم والهمجية للعدو الأمريكي”.
الاستراتيجية الجيوسياسية لحل الصراع العربي الفلسطيني
لطالما كان موقف الصين تجاه إسرائيل نتاج استراتيجيتها الجيوسياسية المعارض لمنطق الظلم والصهيونية. فخلال عهد ماو، كانت بكين الراعي الأول لـ “منظمة التحرير الفلسطينية” معتبرةً نضالها أحد جوانب النضال الأوسع نطاقاً ضد “الإمبريالية الغربية”.
واستمرت هذه العلاقة بالتطور حتى القرن الحالي منذ قضية الجدار العازل في الضفة الغربية، وإدانة الغارات الإسرائيلية على أسطول غزة، ثم التصويت لصالح تحقيق الأمم المتحدة في جرائم الحرب بعد نزاع غزة عام 2014، ثم التصويت الى جانب الاتحاد الإفريقي ضد اسرائيل أمام العدل الدولية في مطلع 2024 مع اعتماد الضغط الدائم لقرار وقف الحرب على غزة ودخول المساعدات بما في ذلك من الاندماج مع الحشد الدولي المناصر للقضية الفلسطينية.
لقد سبق وأن اعتمدت الصين حلا توافقيا وقدمت اقتراحها امام المجتمع الدولي حيث أصدر “الرئيس شي” خطته ذات “النقاط الأربع” بشأن السلام الإسرائيلي الفلسطيني ومعالجة النزاع بشكل جوهري.
وباشرت محادثات السلام السنوية التي استضافها “وانغ يي” حيث دعت جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، وتجنب العنف، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين والعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن اتفاق الدولتين وقد كان من أهم نتائج هذه المحادثات كسب الدعم العربي والدولي لما قدمه “الرئيس الصيني شي” في نقاطه الأربعة.
خلاصة
يشكل هذا النهج بعدا صارخاً عن جمود واشنطن الدبلوماسي في حل القضايا الدولية التي بقيت عالقة حتى اليوم مهددة السلم العالمي بحرب شاملة والتي سعى المسؤولون الصينيون إلى تجنب التورط فيها رغم مصالح الصين التجارية هناك طريق الحرير على حساب مزيد جر الحرب وتوسع رقعتها وتهديد التراث الإنساني المشترك بالنسبة للصين.
بل إنه يعكس استراتيجية بكين الرابحة بالمقارنة مع ما تتبناه واشنطن وتسجيل النقاط السياسية والديبلوماسية في الجنوب العالمي بكسب تأييد دولي واسع النقاط للنموذج الصيني العادل.