كيف بنت مصر أقوى نظام دفاع جوي في الشرق الأوسط؟

قسم البحوث والدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية 26-09-2025
درع السماء
تُعد قوات الدفاع الجوي المصري إحدى ركائز القوة العسكرية للبلاد، وقد تأسست رسميًا في فبراير 1968 بعد حرب الاستنزاف، لتتولى مسؤولية حماية السماء المصرية من مختلف التهديدات. ومنذ ذلك الحين، شهدت هذه القوات عملية تحديث مستمرة نقلتها من الاعتماد على المنظومات السوفيتية القديمة إلى شبكة متطورة تجمع بين أنظمة بعيدة، ومتوسطة، وقصيرة المدى من مصادر متعددة.
القوة البشرية
تشير التقديرات إلى أن قوات الدفاع الجوي المصري تضم ما بين 60 إلى 80 ألف فرد عامل، إضافة إلى عشرات الآلاف في الاحتياط، مما يجعلها واحدة من أكبر قوات الدفاع الجوي في المنطقة. وتتميز بهيكل تنظيمي مستقل يوازي في أهميته القوات الجوية والبحرية والبرية، الأمر الذي يعكس مركزية “حرب الدفاع الجوي” في العقيدة المصرية.
العقيدة متعددة الطبقات
ترتكز عقيدة الدفاع الجوي المصرية على مبدأ “التغطية المتكاملة”، بحيث تعمل المنظومات المختلفة ضمن طبقات مترابطة لمواجهة التهديدات الجوية، بدءاً من الطائرات المقاتلة وصواريخ كروز، وصولاً إلى الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.
-
أنظمة بعيدة المدى
S-300VM “Antey-2500” الروسية:
تأكد حصول مصر عليها منذ عام 2017 تقريباً. وتُقدَّر الوحدات بين كتيبة وأربع كتائب، بمدى اعتراض يصل إلى 200 كم مع قدرة على مواجهة الصواريخ الباليستية متوسطة المدى.
HQ-9B الصينية:
ترددت تقارير غير مؤكدة عن تعاقد مصر عليها، لكن لا يوجد إعلان رسمي يؤكد دخولها الخدمة حتى الآن.
نظام الدفاع الجوي الصيني “HQ-9”
نظام الدفاع الجوي الصيني “HQ-9”
-
أنظمة متوسطة المدى
Buk-M2 الروسية:
منظومة مؤكدة الوجود، بمدى يصل إلى 45 كم، وتُعتبر من أكثر الأنظمة فعالية ضد الطائرات وصواريخ كروز.
IRIS-T SLM الألمانية:
أبدت مصر اهتماماً بها وظهرت تقارير عن عقود موقعة، لكن الأعداد الدقيقة غير معلنة. ويُتوقع أن تلعب هذه المنظومة دوراً بارزاً في السنوات القادمة بفضل دقتها وقدرتها على مواجهة الطائرات المسيّرة.
-
أنظمة قصيرة المدى
Avenger الأمريكية:
منظومة دفاع جوي قصير المدى أميركية الصنع، تعتمد على صواريخ FIM-92 Stinger، ومصممة للتعامل مع الطائرات على ارتفاع منخفض، المروحيات، الطائرات المسيّرة، وبعض الأهداف الخفيفة. حصلت مصر على عدد من أنظمة Avenger ضمن برامج المساعدات العسكرية الأميركية، لتعزيز قدرات الدفاع الجوي القصير المدى وحماية الوحدات البرية.
Crotale الفرنسية:
منظومة دفاع جوي قصير المدى فرنسية الصنع، طُورت في الأساس في ستينيات القرن الماضي من قبل شركة Thomson-CSF (تاليس حالياً)، ومصممة لاعتراض الطائرات على ارتفاع منخفض وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار. حصلت مصر على منظومات Crotale منذ ثمانينيات القرن الماضي، وذلك ضمن خطط تنويع مصادر التسليح وتحديث الدفاع الجوي بعد معاهدة كامب ديفيد.
Tor-M1 الروسية:
منظومة دفاع جوي قصيرة المدى روسية الصنع، مصممة لاعتراض الطائرات، المروحيات، صواريخ كروز، والقنابل الموجهة بدقة، إضافة إلى الطائرات المسيّرة. حصلت مصر على دفعات من منظومات Tor-M1 خلال العقد الأول من الألفية، لتعزيز قدرات الدفاع الجوي القصير المدى.
الأنظمة القديمة والتحديثات
لا تزال مصر تحتفظ بمنظومات Hawk الأميركية وKub السوفيتية بعد تطويرها، حيث أُدخلت عليها تحسينات في الرادارات والبرمجيات وربطت ضمن شبكة القيادة الحديثة، ما يجعلها قادرة على أداء أدوار داعمة.
الرادارات والقيادة والسيطرة
لا يقتصر الدرع الجوي المصري على البطاريات الصاروخية، بل يعتمد بشكل أساسي على شبكة واسعة من رادارات الإنذار المبكر تغطي المجال الجوي بالكامل. وتشمل هذه الشبكة رادارات روسية، أميركية، وصينية، إلى جانب تطوير محلي لرادارات بعيدة المدى.
مصر طورت أنظمة قيادة وسيطرة (C4I) لربط مختلف الطبقات في شبكة مركزية تسمح بتبادل البيانات في الزمن الحقيقي.
هذا التكامل يتيح لمصر التعامل مع أسراب الطائرات أو الهجمات المركبة بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
البعد الاستراتيجي
يمثل هذا التنوع في مصادر التسليح (روسيا، الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، وربما الصين) سياسة مصرية واضحة لتقليل الاعتماد على مورد واحد وضمان استمرارية الإمداد والصيانة.
كما يُظهر تركيز الجيش على حماية الممرات الاقتصادية مثل قناة السويس وحقول الغاز في البحر المتوسط، إضافة إلى المراكز السكانية الكبرى، حرصاً على تحقيق الردع الاستراتيجي في مواجهة أي تهديد إقليمي.
الخاتمة
رغم أن بعض تفاصيل عقود التسليح المصرية تبقى غير معلنة بالكامل، فإن المؤكد أن القاهرة بنت واحداً من أكثر أنظمة الدفاع الجوي تعقيداً في المنطقة. وبحسب تصنيف Global Firepower لعام 2025، يحافظ الجيش المصري على موقعه ضمن أقوى 15 جيشاً في العالم، والأول عربياً، وهو ما يعكس مكانة استراتيجية مدعومة بدرع جوي متكامل يوازن بين ما هو تقني وما هو عقائدي.
المصدر: الدفاع العربي