قراءة في كتاب الاخلاقيات والحرب هل يمكن أن تكون الحرب عادلة في القرن الحادي والعشرين؟
قسم البحوث والدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 25-10-2024
كتاب “الأخلاقيات والحرب” يطرح السؤال المهم: هل يمكن أن تكون حروب القرن الحادي والعشرين عادلة؟
ولا يقدم جواباً، وهو في أصله رسالة أكاديمية تقوم على فرضيات مثل التساؤل عن معايير الحرب العادلة، انطلاقاً من نماذج من الحروب والأحداث الجارية في العالم.
تأمُّل ظاهرة الحرب لم ينقطع منذ البدايات الأولى للتفلسف، فهو حاضر بقوة في فلسفة القدماء، وفي فلسفة المحدثين لدى هوبز وهيجل، وفي فلسفة المعاصرين، خاصةً لدى كارل فون كلاوزِﭬﻴﺘﺲ Clausewitz, ولعل أبسط تعريف للحرب هو أنها حل للنزاع بين الأعداء أو الخصوم بالقوة العسكرية، حينما لا يكون هناك سبيل آخر لحل النزاع.
ومع ذلك، فإننا يمكن أن نحذف الشطر الثاني من هذه العبارة؛ لأن هناك من الفلاسفة من يرون أن الحرب ظاهرة متأصلة في الطبيعة البشرية: فالعدوان عند هوبز- على سبيل المثال- لا يحتاج إلى تبرير؛ لأنه متأصل في غريزة البشر التي تدفعهم إلى الحفاظ على حياتهم ومصالحهم في مواجهة الآخرين؛ ولهذا فإنه يؤكد على قول القدماء: “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان” ، فذلك هو الأصل في “حالة الطبيعة” وهي الحالة السابقة على نشأة الدولة أو المجتمع السياسي وربما يفسر هذا أيضًا تعريف كلاوزِﭬﻴﺘﺲ للحرب بأنها “عمل عدواني يستهدف إخضاع العدو لإرادة المعتدي”. وعلى هذا يمكن القول بأن نشأة المجتمع السياسي كان ضرورة للتطور البشري في سعيه إلى تحجيم غريزة العدوان.
العرض ينتقل بنا من فلسفة أفلاطون وأرسطو “قبل الميلاد” الى أطروحات توما الأكويني “القرن الرابع عشر الميلادي” وغيره من فلاسفة القرون الوسطى، ثم فلاسفة العصر الحديث منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، ولعل السبب الرئيسي وراء هذا التشعب يتمثل في ان الكتاب في أصله هو رسالة تقدم بها الكاتب للحصول على درجة الدكتوارة، مما يفسر الطابع الأكاديمي والبعد التاريخي التحليلي ذا الطبيعة الخاصة لهذا الكتاب .
ان تتبع تحليل الكاتب والتطبيقات التي قام بها لمعايير الحرب العادلة على بعض النماذج العربية ومن بينها حربا الخليج وواقعية تدمير المفاعل النووي العراقي، وعملية الرصاص المسكوب في غزة، يدفعنا الى بلورة اقتراح ان يعكف المحللون والمتخصصون العرب القانونيون منهم والسياسيون على بحث هذا الموضوع، واعداد دراسة موازية لا تقتصر على التقييم الموضوعي لمقولة فيشر فقط، ولكن تهدف أيضاً الى طرح ملف متكامل يتضمن تطبيق معايير الحرب العادلة على الحروب المتتالية التي تخللت تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، وربما يكون ذلك تحت مسمى: “تقليد الحرب العادلة والصراع العربي – الاسرائيلي”، ومما لا شك فيه ان من شأن هذه الدراسة ان تمثل اضافة مهمة على المستوى الأخلاقي والأكاديمي والسياسي.
يرى الباحث أن هناك حاجة لتقوية آليات التنفيذ في المجال الدولي من خلال العمل النشط للمؤسسات: من قبيل المحكمة الجنائية الدولية. فالامتناع عن دعم المطالب الدولية المتصلة بالأخلاقيات، يسهل وقوع إبادة جماعية على النحو الّذي عرفته راوندا سنة 1994.
ولهذا نرى الباحث يؤكد على ضرورة انقاذ ملايين الأشخاص من الذبح في غزة وسورية والعراق والسودان وليبيا وذلك من خلال التدخل الانساني . وهو بالتالي يؤكد على ضرورة أن تجعل الدول الحرب عادلة.
إذ إن تقليد الحرب العادلة إنما يعلمنا أن الحرب تكون عادلة فقط إذا ما استندت إلى سلطة عادلة وقضية عادلة. وإذا ما اعتبر أن الذهاب إلى الحرب باعتبارها ملاذاً أخير لتحقيق العدالة إنما هو الذهاب إلى العدالة نفسها، بشروط تحقيق الأخلاقيات الفردية نفسها، وليس بانتهاكها، إن في غزة أو في سورية أو في ليبيا ومالي.
يمكن ادراج الكتاب تحت مظلة الكتب التي تجمع بين الماضي والحاضر، وبين الخبرة العملية والمبادئ النظرية، وبين الفلسفية المجردة والواقع التطبيقي، ما قد يجعله صعباً على الفهم الى حد كبير، خاصة في قسمه الأول الذي تطغى عليه الصفة النظرية، فضلاً عن الاطلالات التاريخية الكثيرة التي تعود بنا الى فترة الحرب البلوبونيزية بين آثينا واسبرطة في القرن الخامس قبل الميلاد، والمقولات التي ذهبت الى أنه ليست هناك علاقة بين الأخلاقيات والعلاقات بين الدول.
من هو مؤلف الكتاب؟
ديفيد فيشر، ولد بالمملكة المتحدة – درس الآداب والفلسفة وعمل بوزارة الدفاع البريطانية، حصل على درجة الدكتوراه في الأخلاق “موضوع هذا الكتاب”، كما حصل عليها من جامعة أكسفورد، لم يعمل في السلك الأكاديمي بالجامعات، وأصبح المستشار العسكري بمكتب رئيس الوزراء، ثم مستشاراً عسكرياً في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.