آسياأخبار العالم

زاباروجيا ليست تشرنوبل جديدة

تجري الحروب الإعلامية تزامنا مع ما يحصل ميدانيا، وذلك بهدف نشر الأفكار والمعلومات الزائفة التي من شأنها إما خلق تعاطف دولي كبير وإما تغطية حجم خسائر وإما للترويج لخطر قد يتهدد الإنسانية جمعاء، ولعل الحديث اليوم عن تشرنوبل جديدة متمثل في حريق زاباروجيا نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، يدخل في إطار الحرب الإعلامية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها.
فماهي الحرب الإعلامية ؟
تقوم الحرب الإعلامية أساسا على نشر الأفكار والمعلومات أو الإشاعات التي من شأنها أن تلحق ضررا على طرف بعينه، ويكون ذلك من خلال الترويج لوجهة نظر واحدة يتم عرضها على الجمهور إذا كانت محلية وعلى الرأي العام العالمي إن كانت ذات صبغة دولية، ويتم تسخير كل الوسائل السمعية والبصرية والإعلامية ومواقع التواصلالاجتماعي لإعطاء مشروعية لوجهة النظر تلك من خلال تقديم تقارير تجانب الشفافية والحيادية والموضوعية,وتمر هذه الحرب عادة بأربعة مراحل:

المرحلة التمهيدية:والتي يتم فيها الإعراب المتزايد على القلق حول قضية معينة ويتم تدويلها وتحويلها إلى قضية مصيرية ترتبط بها كل المشاكل الأخرى.

مرحلة التبرير: حيث تتصدر معظم نشرات الأخبار أنباء عن إعلان حالة الطوارئ والدعوة إلى تكاتف القوى المسلحة للسيطرة على الأزمة
-مرحلة التنفيذ: حيث تتحرك الآلة الإعلامية لحشد رأي الجماهير والحجب الإعلامي لكل رأي معارض.
-التداعيات:التسويق لعودة الحياة إلي طبيعتها بعد تظافر الجهود التي كانت وراء السيطرة على الأزمة.
من هنا يظهر حجم التظليل وعدم دقة المعلومات والزيف وتضخيم وافتعال وخلق القصص وحياكة السيناريوهات التي تجتذب أكبر عدد من المؤيدين، سعيا وراء تقديم صورة وردية عن القائمين عليها وصورة سوداء عن العدو المشترك.
في هذا السياق يمكن فهم ما يدور اليوم من خلال تشبيه ما حصل في زاباروجيا بتشرنوبل جديدة، حيث تصدر خبر اشتعال حريق قرب مفاعلات نووية أمر على غاية من الخطورة التي تتهدد العالم ويعود ذلك إلى ما أقدمت عليه روسيا وتدخلها العسكري، ذلك أن العناوين التي تصدرت أغلب الصحف ونشرات الأخبار وما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي يدخل في إطار الحرب الإعلامية التي تروج لرعب نووي يتهدد العالم وأن روسيا هي المسؤول المباشر عن ذلك. ولعل في تصريح الرئيس الأوكراني الذي انخرط في هذه الحرب الإعلامية إلى جانب أمريكا وأغلب الدول الغربية تقريبا، في محاولة لتأليب الرأي العام العالمي من خلال الاستعطاف والترويج لصورة مغلوطة على ما يحصل ميدانيا من خلال قوله “أن ليس هناك أي بلد آخر في العالم سوى روسيا أطلق النار على محطات للطاقة النووية” ما يفضح التضخيم وحجم الآلة الإعلانية التي تجندت لإعطاء مشروعية لركن روسيا في الزاوية.
حادثة تشرنوبل
هي حادثة نووية إشعاعية وقعت على خلفية انفجار في المفاعل رقم 4 قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا السوفيتية سنة 1986, والتي راح ضحيتها 36 من العاملين داخل المحطة, حيث تم إعلان منطقة تشرنوبل منطقة موبوءة, ويعود ذلك بالأساس إلى عملية محاكاة لتجربة لم تتوفر فيها شروط سلامة التجربة وخطورة التفاعلات النووية التي تفترض خبرة علية الدقة وتجنب الأخطاء والتأكد من استقرار المولدات والدورة الحرارية.
زاباروجيا ليست تشرنوبل جديدة
“حريق زاباروجيا يشعل الرعب النووي حول العالم”
عنوان صادم ومخيف وفيه اختيار جد مدروس لمدى تأثيره على الرأي العام الدولي, حيث تم تداول هذا الخبر العاجل بما يفيد من جهة بضرورة رفع حالة التأهب القصوى للدول وبث حالة من الرعب الكونية داخل نفوس الجماهير, ويتضمن من جهة ثانية رسائل تدين الجانب الروسي باعتباره المسؤول المباشر عن الدمار الشامل الذي قد يلحق الإنسانية, حيث جاءت ردود الفعل الدولية وخاصة منها الغربية وعلى رأسها أمريكا مجتمعة على تهديد روسيا للسلم الدولي.
إذ جاء على لسان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولنبرغ ما يلي ” الهجوم على محطة نووية يدل على الطابع المتهور لهذه الحرب ويؤكد أهمية سحب روسيا لقواتها والعودة للحوار والسلام.”
وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ” لقد تحدثت للتو الي الرئيس زيلينسكي بشأن الموقف الخطير في محطة زاباروجيا, يجب على روسيا أن توقف على الفور هجومها.”
وصرخ الرئيس الإستوني الان كاريس ” الرئيس بوتين أوقف هذا الجنون, أوقف هذه الحرب, لا تضف كارثة نووية إلى المأساة المستمرة.”
كل هذه التصريحات وغيرها التي غمرت تويتر والفاسبوك ونشرات الأخبار والتي تجندت الماكينات الإعلامية لإعطائها الحيز الأهم في تداول الأخبار ليست إلا ضروب من الاستمالة للرأي العالمي والدولي لإضفاء جانب من المشروعية عن خطوات قد تتخذ في هذا الغرض.
لكن وبالعودة على حيثيات هذا الحدث واستنادا إلى خبراء الطاقة النووية نعثر على ما يخالف ما جاء على لسان حلف شمال الأطلسي و عديد الدول التي بثت حالة من الفزع العالمي, حيث تؤكد وكالة بلومبرج بأن ليس هناك ما يدعو للخوف والرعب, ذلك أن الحريق لم يؤثر على العتاد الأساسية ولا على المستويات الإشعاعية, بالإضافة إلى ذلك فإن المفاعلات النووية محمية بهياكل احتواء قوية. كما أكد ديل كلاين، الرئيس السابق للجنة التنظيمية النووية الأمريكية والأستاذ في جامعة تكساس, بأن ليس هناك وجه شبه بين المفاعلات النووية الموجودة في زاباروجيا ومفاعلات فوكوشا في اليابان التي حدث فيها تسرب في سنة 2011 مؤكدا أن مفاعلات زاباروجيا الستة عبارة عن مفاعلات ماء مضغوط لديها هياكل احتواء حول المفاعل لمنع أي تسرب إشعاعي, مضيفا أن تصميم هذه المحطة محكم جدا بطريقة تسمح باستيعاب الاهتزازات الناتجة عن الهجوم ويعود ذلك إلى حمايتها بالمعدن والإسمنت السميك الذي قادر على استيعاب تحطم طائرة.
انطلاقا من تصريحات الخبراء ووكالات الطاقة النووية يمكن فهم حجم الحرب الإعلامية التي يخوضها الغرب وأمريكا للترويج إلى خبار تجانب الحقيقة سعيا منها إلى تأليب الدول واستعطاف الرأي العام العالمي وتوجيهه وفقا لاستراتيجياتها ومخططاتها ومصالحها الإقليمية والدولية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق