أخبار العالمالشرق الأوسط

عدنان ليمام: الاعتراف بفلسطين يظل رمزياً ما لم يُترجم إلى سيادة فعلية تنهي واقع الاحتلال

أكد الدكتور عدنان ليمام، أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية، في مداخلة مطوّلة حول موجة الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين، أن هذه التطورات لا يمكن قراءتها إلا عبر مستويين مترابطين: قانوني وسياسي، مشيراً إلى أن الفصل بينهما يؤدي إلى قراءة سطحية للحدث الذي يتجاوز رمزية المواقف إلى عمق التوازنات الدولية الراهنة.

وأوضح الدكتور ليمام أن البعد القانوني للاعتراف يندرج ضمن مسار منضبط في إطار القانون الدولي العام، حيث لا يتحقق الاعتراف القانوني بدولة إلا إذا توافرت الأركان الجوهرية الثلاثة لقيامها: الإقليم المحدد، والشعب، والسلطة ذات السيادة. وأضاف أن هذه العناصر لا تُعدّ مجرد مفاهيم نظرية، بل هي شروط موضوعية تُقاس بمدى قدرة الكيان على ممارسة سلطاته على أرضه دون خضوع لقوة أجنبية. وأشار إلى أن قيام الدولة قانونياً يسبق الاعتراف بها، إذ يُعتبر الاعتراف حينها إجراءً كاشفاً لوضع قانوني قائم، وليس منشئاً له، أي أنه يقرّ بوجود دولة استوفت أركانها فعلاً.

وبيّن أن الهدف من الاعتراف الدولي لا يتمثل في منحه شرعية سياسية فحسب، بل في إدماج الدولة الجديدة ضمن منظومة العلاقات الدولية، بما في ذلك إبرام الاتفاقيات والانضمام إلى المنظمات، وممارسة الحقوق والالتزامات المترتبة على الدول ذات السيادة. وأكد أن السيادة تبقى حجر الزاوية في هذا البناء، فهي التي تمنح الكيان صفة الدولة وتميّزه عن الكيانات التابعة أو الواقعة تحت الاحتلال. لذلك، اعتبر أن أي اعتراف لا يُترجم إلى تمكين فعلي للسلطة الفلسطينية من ممارسة سيادتها الكاملة، يبقى اعترافاً ناقص القيمة القانونية، مهما بلغ حجمه أو عدد الدول الداعمة له.

وانتقل ليمام إلى البعد السياسي، موضحاً أن موجة الاعترافات الأخيرة تحمل رمزية عالية لكنها محدودة الأثر القانوني، إذ تتيح للسلطة الفلسطينية التحرك في فضاء دولي أوسع وتمنحها صفة “فاعل سياسي معترف به”، إلا أنها لا تُغيّر من طبيعة الواقع على الأرض، الذي ما زال محكوماً بمنظومة احتلال فعلي تُفرغ الاعتراف من محتواه القانوني.

وأضاف أن هذه الموجة تعبّر عن تحول تدريجي في المزاج الدولي، لا سيما في أوروبا، نتيجة تصاعد الغضب الشعبي من استمرار المأساة الإنسانية في غزة وتآكل مصداقية الغرب في الدفاع عن حقوق الإنسان. وأوضح أن بعض الدول، مثل فرنسا وبريطانيا، اختارت الاعتراف الرمزي بدولة فلسطين كوسيلة سياسية لتخفيف الضغط الداخلي دون الإخلال بعلاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، واصفاً هذا النهج بأنه مناورة سياسية “ماكرة” تهدف إلى التوازن بين الاعتبارات الأخلاقية والمصالح الجيوسياسية.

وأشار ليمام إلى أن هذه الدول، رغم توقيعها على اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، لم تلتزم فعلياً بمقتضياتها، إذ اكتفت بخطابات رمزية لا ترقى إلى مستوى التدخل القانوني أو الإجرائي المطلوب لوقف الانتهاكات ضد المدنيين في فلسطين. واعتبر أن هذا السلوك يعكس تملصاً واضحاً من الالتزامات الدولية ومحاولة للالتفاف على المسؤولية القانونية، مبرزاً أن “الموقف الأخلاقي” لم يعد كافياً في ظل ما يشهده العالم من توثيق لجرائم ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

واختتم الدكتور ليمام مداخلته بالتأكيد على أن الاعتراف الحقيقي بالدولة الفلسطينية لا يتحقق بعدد البيانات ولا بتوسيع التمثيل الدبلوماسي، بل بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على أرضه كاملة. واعتبر أن الانتقال من الاعتراف الرمزي إلى الاعتراف القانوني الفعلي هو ما سيمنح فلسطين مكانتها الكاملة في النظام الدولي، محذراً في الوقت ذاته من الاكتفاء بالتصريحات المطمئنة التي تُخفي خلفها عجزاً سياسياً وتواطؤاً قانونياً في مواجهة مأساة ممتدة منذ عقود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق