أخبار العالمأوروبابحوث ودراسات

“شبكة العنكبوت” الأوكرانية والضوء الأخضر الغربي… والحرب مفتوحة على كل الجهات

شنت أكرانيا عملية عسكرية في العمق الروسي، ما قد يكون إحدى أكثر عملياتها الهجومية ضد روسيا جرأةً وتعقيدًا من الناحية التقنية العسكرية الهجومية، وذلك منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في فبراير 2022… والمفاجئ للعملية الهجومية كان عشية مفاوضات تعتبر حاسمة في إسطنبول، في الأول من يونيو 2025.

وأفادت التقارير العسكرية بأن القوات الأوكرانية استخدمت 117 مسيرة هجومية في ضربة هجومية عميقة يقال أنها قد سربت الى العمق الروسي بعملية استخباراتية كبيرة.

استهدفت المسيارات الهجومية قواعد جوية روسية تقع على بُعد حوالي 4500 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، وهي مسافة غير مسبوقة لمثل هذا الهجوم. وقد حملت هذه الضربة أبعادًا تكتيكية ورمزية وسياسية خطيرة، من شأنها أن تُعيد خلط الأوراق وتعيد تشكيل أجواء المفاوضات الروسية الأوكرانية التي بدأت بتفوق ميداني وسياسي روسي، ولكن العملية الهجومية تقلب المعادلة وتُنذر بظهور تكتيكات جديدة في الصراع، خاصةً ما بعد حصول الردّ الروسي عليها. لأن روسيا قالت لن تسكت وسترد، والرد الروسي لن يكون متوقعا للأكرانيين ولحلف الناتو التي تقول تقارير عسكرية سرية أنّ الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية هو من خطط وأعدّ لهذه الضربة في عملية استخبارتية واختراق للصف العسكري الروسي.

كيف كانت العملية؟ وما هي أبرز تكتيكات العملية؟

ووفقًا للمصادر العسكرية الأوكرانية وكما سبق وأشرنا فإن هناك عملية أختراق كبيرة في الصف الروسي، فالعملية انطلقت من داخل الأراضي الروسية، لتجنب منظومات الاعتراض والدفاع الجوي الروسي المتطوّرة جدا، وعلى بُعد أمتار قليلة من منشأة تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي. (FSB)

 المعروف على الروس أنهم حرصين كثيرا على أمنهم القومي وأن الاستخبارات الروسية قوية جدا ولكن في هذه المرّة وبهذه العملية تكشف جانبا خطير من الإختراق، فالجانب الأخطر والأهم هو في كيفية تهريب الطائرات دون طيار FPV الى العمق الروسي.

وبحسب آخر المعطيات اتضح بأن المسيرات الهجومية كانت مُخبأة داخل منازل خشبية وهمية تم تركيبها على شاحنات، وعبرت الأراضي الروسية الشاسعة من دون أن تتفطن لها الاستخبارات الروسية وهذا يعبّر على عملية اختراق في الصفوف العليا للمخابرات الروسية.

وعند الوصول إلى منطقة التجمع، فُتحت أسقف الشاحنات عن بُعد، مطلقةً سربًا من الطائرات المسيرة نحو أهدافها: مطارات عسكرية روسية تستضيف قاذفات بعيدة المدى (مخصّصة لحمل الأسلحة النووية)، وبنية تحتية للإمدادات، وأصولًا جوية استراتيجية…

والسؤال الذي يطرح اليوم وبشكل ملحّ:

هل اللعبة النووية بين الكبار قد تغيرت؟

وعندما تضرب هذه الأهداف الاستراتجيةالروسية، هل ينتهي التوازن العالمي الذي كانت تحدثه روسيا بتهديدها النووي؟

بحسب التقارير العسكرية فإنّ الأهداف وطريقة نشر الدرونات الهجومية، على مستوى عالٍ من التخطيط والتنسيق، لا يمكن أن يكون أوكرانياً، بل من المؤكد وقوف العديد من الدول الغربية ورائه وحتى هناك من يقول بأن الأمريكان هم وراء هذا التخطيط والاختراق الكبير.

كما يجب أن نتعمّق في العملية التي تعتبر واسعة النطاق من داخل “أراضي الروسية” وهنا ندرك مدى الجاهزية والقدرات الإستخباراتية الكبيرة الأكرانية ومن معها لأنه لا يمكن للإستخبارات الأكرانية وحدها أن تقوم بهذا العمل، كذلك لا يجب أن نلغي احتمال وجود تواطؤ داخلي روسي- سواء من عملاء روس وأوكرانيين أو شبكات مرتزقة.

لكن المثير للجدل في هذه العملية “الاختراق” هو حجم “الخلل” الذي أصاب جهاز الأمن الداخلي لروسيا وخاصة الخلل في جهاز الاستخبارات الروسية، وحجم إخفاقات أجهزتها المخابراتية التي لم تستطع ردع أو إحباط أو تقديم الإنذار المبكر لحصول مثل هذه العملية وبهذا الحجم الاستراتجي فالعملية قد دخلت للعمق “النووي” الروسي.

وبحسب خبراء عسكريين فإن عنصر المباغتة والمفاجأة هو من أنجح العملية وفي نفس الوقت لا يجب ان نتحامل كثيرا على روسيا وعلى مستواها العسكري فلا يمكن أن نروّج كثيرا للعملية بالرغم من خطورتها حتى وصل البعض بالقول أن البنية التحتية العسكرية الخلفية لروسيا “هشّة جدا”، بحيث لم تستطع منظوماتها من رصد وصدّ هذه الطائرات الانتحارية… وهذا التقييم غير منطقي لأن الغرب يريد الترويج لهذه الفكرة، والعالم بأسره يعلم جيدا مدى القدرات العسكراية والاستخباراتية الروسية وليست هذه العملية من ستشكك بالمستوى العسكري الروسي بصفة عامة.

الترويج الغربي للعملية… وعدم تأكيد روسي

تروّج أوكرانيا أنها قد قلبت الطاولة على الروس وأن العملية أسفرت عن أضرار جسيمة استراتجية، بما في ذلك تدمير أو تعطيل ما يصل إلى 40 طائرة روسية بينها قاذفات نووية بعيدة المدى… وفي حين أن هذه الأرقام لا تزال غير مؤكدة من الجانب الروسي والوحدين المحتفلين والمروجين “للعملية الاكرانية” هما الاعلام الغربي_الامريكي والاكراني، ونحن نعتبر حتى إن كانت العملية ناجحة ولكن ليست بهذا التضخيم، وربما تكون العملية فعلا قد نجحت جزئيا وربما تمثل ضربة موجعة للطيران الاستراتيجي الروسي ولكنها لا يمكن ان تكون “الضربة القاضية” أو هي “الهزيمة الفعلية لروسيا”.

فهذه القاذفات بعيدة المدى والطائرات الحاملة للصواريخ المتمركزة في عمق روسيا لها دور أساسي لحملة موسكو الصاروخية على البنية التحتية الأوكرانية. وهذه الضربة العسكرية قد استهدفت مباشرة الحملات الجوية الروسية المستقبلية ضد أوكرانيا، وذلك بتعطيل هذه الأصول أو إضعافها مما سيؤدي إلى تأخير وتعطيل بعض قدرات الردع النووي الروسية فقط.

هل مفاوضات إسطنبول هي محدد العملية؟

من يعرف السياسية يؤكد ان الضربة العسكرية “النوعية الاكرانية” لها علاقة مباشرة مع مفاوضات اسطنبول ولم يكن توقيت العملية صدفة فقد وقعت الضربة قبيل بدء المفاوضات في إسطنبول، وهي محادثات تُعتبر إحدى القنوات القليلة المتبقية لحل النزاع المحتمل أو على الأقل لتهدئة مؤقتة.

لذلك شكّلت هذه العملية بالنسبة لأوكرانيا وحلفائها الغربيين، رسالة قوة وصمود وردع وأعادت توزيع الأوراق على طاولة المفاوضات، فهي عملية تحمل في طياتها رسالة سياسية ورسالة ميدانية ولكن الجانب الروسي في اسطنبول قد أعطى مسودة مقترحات للجانب الأكراني وبالتالي قد رد سياسيا على هذه العملية والأوراق لم يخلط كما كان متوقع من الجانب الغربي والاكراني.

كما تعتبر الضربة هي بمثابة “جرعة اكسيجان” لأكرانيا وهي في فترة حرجة جدا وبالتالي أوصلت رسالة مفادها أنها لم تنهك ولا يزال في جعبتها الكثير من المفاجآة للدب الروسي وللعالم، كما اوصلت لبوتن وجينرالاته أن كييف قادرة على مفاجأة خصمها بمناورات استراتيجية جريئة، وهذا ما يُعزز موقفها التفاوضي.

ولا ننسى ترامب الذي تقول بعض التقارير السرية، قد خففت هذه العملة العسكرية الاكرانية عليه حمل التفاوض والتقرب “المصطنع” لبوتن، فهو أكثر امريكي “يكره” بوتن ويكره روسيا، ولكن المصالح تقتضي من ترامب أن يقول أنه مع روسيا، ولهذا فقد أبدى اهتمامًا كبيرا بهذه العملية النوعية وربما كانت للبنتاغون يد فيها، وبالتالي سيرجع للضغط المباشر على روسيا، وستتغير طريقته في التعامل مع بوتين. فمن خلال كشف نقاط الضعف الروسية الميدانية والعسكرية، سيتمكن ترامب ومن خلفه الغرب الضغط على روسيا ومنعها من إملاء “شروط وقف اطلاق النار والسلام”.

وفي نفس السياق ومن يعرف العقلية والعقيدة الروسية فإن هذه العملية الأكرانية قد يستغلها الجانب الروسي لصالحه ليدخل الحرب في منعرج جديد ويكشف بمقتضاها النوايا الحقيقية الأمريكية والغربية، وبالتالي يفضح المؤامرة الأمريكية و”الفيلم الهوليودي” الذي قام به ترامب وزيلنسكي والمعسكر الغربي…

ويالتالي هذه العملية وغيرها من العمليات الأوكرانية قد يدفع روسيا الى تصعيد مواقفها وشروطها وعملياتها العسكرية أيضاً، بحيث قد يأمر الكرملين بالرد عبر حملات قصف مكثفة تستهدف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، أو مراكز القيادة، أو مستودعات الأسلحة وغيرها من المواقع الاستراتجية والتكتيكية الأكرانية… وقد دعا معلقون عسكريون روس غير رسميين بالفعل إلى ردٍّ قاسٍ، ومن المرجح أن تستغل موسكو محادثات إسطنبول ليس كفرصة للتسوية، بل لمضاعفة مطالبها الحالية. وقد تمّ ذلك.

كيف سيكون الرد الاستراتجي الروسي؟

من المحتمل أن يمتص الكرملين الصدمة بمزيج من الرد التكتيكي والصبر الاستراتيجي المعهود للدب الروسي، والرد سيكون رادعا وقويا في وقت غير متوقع، وقد كان هذا النهج هو أسلوب عمل روسيا طوال الصراع.

والأمثلة على مثل هذه العملية كثيرة، مثل إغراق موسكفا (السفينة الرئيسية لأسطول البحر الأسود)، وتدمير قاعدة ساكي الجوية، وقصف جسر القرم، أو هجمات المسيرات الانتحارية على الكرملين نفسه…

 وكانب الردود الروسية قوية وتكتيكية، وقد تجنب بوتين باستمرار التصعيد الذي قد يجر روسيا إلى حرب شاملة لا يمكن السيطرة عليها، وروسيا تدرك ان اكرانيا والغرب يريدون جرّها الى مستنقع أوسع وخاصة استنزافها اقتصاديا وعسكريا وهذا ما لن يسمح به بوتن ورجاله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق