أخبار العالمأوروبابحوث ودراسات

شبح اليمين المتطرّف يغزو الاتحاد الأوروبي… ماهي أهم التداعيات؟

جاءت النتائج النهائية لانتخابات البرلمان الأوروبي بعد امتدادها طيلة أربعة أيام بمخرجات لم تكن متوقّعة، في حين مثّل حصول أحزاب اليمين المتطرّف على شعبية كبيرة في عدد من البلدان الأوروبية حدثا صادما في الداخل الأوروبي وبالنسبة للمجتمع الدولي، حيث كان أدائه قويا في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي مسجّلا بذلك زيادة في عدد مقاعده وأولوية ساحقة في كل من إيطاليا، فرنسا وهولندا وألمانيا.

وتنص النتائج على احتفاظ كتلة يمين الوسط بالأولوية بـنسبة 25 %؜ بالمائة من المقاعد، في حين احتل الاشتراكيون المركز الثاني، أمّا أحزاب البيئة أو ما يطلق عليها بالخضر والليبراليون أظهرت نتائجهم خسارة كبيرة بتحصيلهم فقط لثلث عدد المقاعد.  

وبالتالي حصل حزب الشعب على 26.35% من المقاعد، والاشتراكيون على نسبة 18.8%، والليبيراليون على نسبة 11.5%؜ وحصل المحافظون على 10%، واليمين المتطرّف 8.1% وأحزاب البيئة حصلت على نسبة ضئيلة لم تتجاوز 7.4%.؜  

لعلّ ما يمكن ملاحظته في الوقت الراهن هو أشبه بالعاصفة التي تمر بها القارة الأوروبية، حيث يرجّح عدد غير محدود من المحللين بأنّ صعود اليمين المتطرّف كانت فكرة مرعبة بعيدة بالنسبة للتوقعات الأوروبية، إلاّ أنّنا اليوم نلاحظ أنّ هذه الهواجس بدأت ملامحها بالظهور على أرض الواقع، ويجدر القول أنّ هذه المخاوف المتعلّقة بأخذ اليمين المتطرّف لمقاعد في البرلمان الأوروبي ترتبط بجملة من الملفات والقوانين التي تمّ الاختلاف بشأنها، ودخول اليمين المتطرف في بساط الحكم يعني أنّه سيقع الحسم فيها من طرفهم بما هو غير مرغوب.

إلاّ أنّ هناك من المراقبين القلائل الذين أشاروا الى أنّ ما يحدث ليس جديدا أو غير مسبوق وفقا لقولهم في تاريخ الانتخابات البرلمانية في الاتحاد الأوروبي، حيث كان الوضع مشابها لما هو في الثلاثينات، وهو لا يدفع للاستغراب من الوضع الحالي مع توجّه 350 مليون ناخب للتصويت المباشر لممثليهم في البرلمان الأوروبي.

وفيما يتعلّق بالصعود المفاجئ للحزب المتطرّف، أشارت أستاذة العلوم السياسية مارتن الى أنّ الفئة الفقيرة في أوروبا تميل كثيرا الى اليمين المتطرّف باعتباره يركّز على الجانب الاجتماعي بالإضافة الى أنّ “حزب مارين لوبان يعتبر يمينيا متطرفا اجتماعيا لذا يصوت الكثير من الفقراء لصالحه، وهذا ليس هو الحال بالنسبة للألمان او المجر مثلا”.

من جهة أخرى، تشير النسب الى انّ الناخبين الشّبان الذين يقومون بالعملية الانتخابية لأوّل مرة يمثّلون عنصرا هاما في توقعات النتائج نحو حزب اليمين المتطرف، وذلك بحسب صحيفة Financial Times التي ذكرت أنّه ما يقارب ثلث الناخبين الفرنسيين الشباب والهولنديين تحت سن الخامسة والعشرين، و22 بالمائة من الناخبين الألمان الشباب يميلون الى اليمين المتطرّف، وعدد هؤلاء الشباب يعد مهما ويمثّل زيادة كبيرة مقارنة بالانتخابات الأخيرة التي حصلت في عام 2019.

وسيكون لحصول الأحزاب اليمينية المتطرّفة على ربع مجموع المقاعد في البرلمان تأثير كبير على السياسات الأوروبية وعلى بقية الأحزاب الأخرى الى جانب جل المؤسسات، ممّا سيخلق جملة من التعقيدات غير المسبوقة والخلافات التي ستؤدي لصعوبات كبيرة داخل البرلمان الأوروبي منها العجز عن جمع الأغلبية حول القوانين والقرارات الهامّة وإيجاد حلول بشأن مختلف الملفات التي تهمّ بلدان الاتحاد الأوروبي.

من جانب آخر، يمكن لصعود اليمين المتطرّف أن يسبّب انهيارا جزئيا لما يطلق عليه “الوحدة الأوروبية” أو “أوروبا الأمم”، حيث أنّ ذلك سيدفع الدول الأوروبية للنضال بشأن سيادتها الوطنية، وذلك بسبب أنّ اجتماعات اليمين المتطرّف لن تكون باسم الاتحاد الأوروبي أو أنّ شعارها هو “الوحدة”، ويعود ذلك للقطيعة الحاصلة بين الجانبين.

كما تشير المحلّلة السياسية الى أنّه من المستبعد أن يحدث صعود اليمين المتطرّف أي من تحركات شعبية مناهضة لكن على حسب رأيها “إذا حصل الكثير من النواب اليمينيين المتطرفين على مقاعد في البرلمان الأوروبي، فسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى تشكيل يقود الاتحاد الأوروبي للتخلي عن فكرة أوروبا الفدرالية وتطبيق سياسات هجرة أكثر صرامة”.

من جهته أشار وزير تكافؤ الفرص السابق عزوز بقاق الى أنّه إذا “كان التصويت إلزاميا، لساعد ذاك في تغيير كل شيء بالنسبة للعرب والمسلمين في أوروبا، على الأقل لمكافحة أهداف اليمين المتطرف بشأن الهجرة. وأرى أن هذا الطيف السياسي سيبسط نفوذه بهدوء لسنوات عديدة ويقطع العشب من تحت أقدام المهاجرين وأطفالهم وكل من يحاول القدوم إلى أوروبا”.

أمّا بالنسبة الى اليمين القومي فإنّه كان قد أثبت نفسه في العديد من الأحداث سعيه لضرب شعبية اليمين المتطرّف لدى الشعوب الأوروبية من خلال تخفيف حدة خطاباته ويعود ذلك لغياب الفروقات الكبيرة في السياسات.

يعد الاقتصاد الأخضر إحدى أهم الأهداف الحارقة التي يسعى لتطبيقها الاتحاد الأوروبي، بل يسعى أيضا الى البروز كقوّة فعّالة في تكريس الاقتصاد الأخضر ومواكبة كل التطورات العالمية في الحفاظ على البيئة، إلاّ أن ذلك يتعرّض للكثير من العراقيل، والتي على راسها رفض الشعب الأوروبي لهذه الفكرة تحسّبا لما سيتكبّده من تكاليف مقابل تعزيز الاقتصاد الأخضر.

 وهو ما يمكن تبيّنه من خلال الاحتجاجات الكبيرة للمزارعين، التي عمّت جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى بروكسيل والبرلمان باعتماد الجرارات، وساهم ذلك في عرقلة الحركة.

ويشير المحتجين الى أنّ قوانين البيئة وما يتبعها من قوانين مجحفة من الاتحاد الأوروبي تؤثر سلبا على سير أعمالهم، وبالتالي فإنّ تعزيز الاقتصاد الأخضر غير مرحّب به.

واستطاع حزب اليمين القومي في كل من فرنسا وهولندا وبولندا الركوب على الأحداث للطعن في فكرة الاقتصاد الأخضر لزيادة شعبيته بإطلاقه على داعمي فكرة الاقتصاد الأخضر “النخب المنعزلة عن الواقع”.

وبالتالي تجنّبا لأي أحداث مشابهة تراجعت أوروبا عن مشروع تعزيز الاقتصاد الأخضر والقوانين المتعلقة بحماية البيئة بما فيها القانون الذي ينص على الإدارة المكثّفة لاستخدام المبيدات الحشرية.

ويتخوّف الأوروبيون الداعمين لفكرة تعزيز الاقتصاد الأخضر من إلغاء الاتحاد الأوروبي لكل التدابير الضرورية للحد من الانبعاثات الغازية، خاصّة وأنّ هدفهم الحد منها بنسبة 90٪ بحلول 2040، وللمزارعين أهمية كبيرة في تحقيق هذا الهدف.

ويمثّل صعود اليمين المتطرّف في البرلمان الأوروبي بالنسبة للخضر هو تحديدا نهاية تامّة لتحقيق هدفهم في تعزيز الاقتصاد الأخضر داخل أوروبا.

ما يمكن التسليم به إذا ترأس اليمين المتطرّف مقاعد في البرلمان الأوروبي هو الخروج بتشريعات في غاية الصرامة حول ملف الهجرة، وهو ما يمكن تبيّنه من خلال تعهّد خيرت فيلدرز، رئيس حزب من أجل الحرية في هولندا الذي حصل على أكبر مجموعة في البرلمان الهولندي بعد الانتخابات الوطنية والتي أظهرت الاستطلاعات الامكانية الكبيرة لتحقيقه نتائج جيد في الانتخابات، حين قال أنّه سيعمل على سن قانون شديد للغاية، والمثير للكثير من المخاوف هو التضامن الكبير في صفوف اليمين المتطرّف في مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي واجماعهم على رأي واحد حول ملف الهجرة.

ويشير المحلّلين الى أنّ سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي كانت بين أخذ ورد وكانت الأولوية القصوى الحد من الهجرة واللجوء، حيث عقدت الكثير من الصفقات بين دول الاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى، على غرار تونس والمغرب وليبيا وغيرها لمجابهة كل الجرائم المحيطة بالهجرة واللجوء كالاتجار بالبشر، ونقطة الاختلاف الكبيرة في صعود اليمين المتطرّف والتي يمكن أن تحدث تغييرا جذريا هي سياسات التضامن فيما بينهم.

والمنطقي في الوضع الراهن، هو حصول كل دولة من الاتحاد الأوروبي على عدد من طالبي اللجوء أو الحرص في أقل الاحتمالات على الموازنة مع الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي والتي يكون فيها عدد المهاجرين أو اللاجئين كبيرا، لكن هذه الفكرة تبدو ملغاة تماما لدى اليمين المتطرف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق