أخبار العالم

رحيل خوسيه موخيكا… وداع الثائر الفقير الذي جسّد الأخلاق في زمن الاستهلاك

قسم الأخبار الدولية 14/05/2025

ألقى الرئيس الأسبق للأوروغواي خوسيه موخيكا سلاحه الأخير بهدوء، كما عاش، بعد معركة طويلة مع السرطان انتهت بوفاته مطلع هذا الأسبوع عن عمر ناهز التاسعة والثمانين، في منزله الريفي المتواضع بأطراف العاصمة مونتيفيديو. وقد ودّع الرجل الذي وصفته الصحافة العالمية بـ«أفقر رئيس في العالم» الحياة بعدما تحوّل إلى رمز أخلاقي وإنساني عالمي، تتقاطع فيه السيرة الثورية، والبساطة الشخصية، والنزاهة السياسية، في مشهد نادر الحدوث في عالم اليوم.

موخيكا، الذي خاض النضال المسلح في شبابه ضمن حركة «توبامارو» اليسارية، نجا من رصاصات كادت ترديه، واحتمل عزلة سجن امتدت لعشر سنوات في ظروف قاسية وصلت إلى درجة أنه كان يدجّن الضفادع ويطعم الجرذان ليحفظ توازنه النفسي. خرج من محنته أكثر حكمة وإصراراً، واختار أن يواصل النضال من خلال العمل السياسي السلمي، فدخل البرلمان في التسعينيات، ثم تولى الرئاسة عام 2010، مدهشاً العالم بتقشفه الاستثنائي وعفوه عن خصومه.

عُرف موخيكا بمواقفه الإنسانية الحاسمة، إذ رفض الانتقام من جلاديه العسكريين، وفضّل أن يدفع بلاده إلى الأمام بدلاً من التوقف عند جراح الماضي. قال يوماً: «ثمة جراح لا تندمل، لكن يجب أن نتعلم كيف نعيش ناظرين إلى الأمام». وقد تجلّت هذه الفلسفة في حياته اليومية، حيث ظل يعيش في بيته القديم، يزرع الخضار ويربّي الدواجن، ويركب سيارته الفولكسفاغن القديمة، ويصطحب كلبته «مانويلا» في جولاته.

وخلال رئاسته، أطلق مبادرات اجتماعية وتقدمية سبّاقة جذبت أنظار العالم، منها تقنين زراعة القنب، وتوسيع برامج العدالة الاجتماعية، وتقديم نموذج في الحكم النظيف غير المرتبط بالسلطة أو المال. لم تغرِه المظاهر ولا البروتوكولات، وكان يردد: «الفقراء هم من يحتاجون إلى الكثير، أما أنا فقد تعلمت العيش بخفة».

محاطاً بزوجته المناضلة السابقة ورفيقة دربه لوسيّا توبولانسكي، التي منحته وشاح الرئاسة بيدها، رحل موخيكا دون ضجيج، وطلب أن يُدفن إلى جوار كلبته تحت شجرة باسقة في حديقته. ترك خلفه إرثاً أخلاقياً نادراً، وسؤالاً مفتوحاً يردّده كثيرون في أميركا اللاتينية والعالم: لماذا صدّقناه وأحببناه؟ ربما لأننا وجدنا فيه ما فقدناه في كثير من قادة اليوم: الصدق، والزهد، والكرامة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق