رؤية شرق أوسطية: الفيتو الأمريكي يؤكد “شراكة” واشنطن مع إسرائيل في “الإبادة الجماعية” بغزة

قسم الأخبارالدولية 22-09-2025
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الخميس حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن، يطالب بوقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، في خطوة استنكرها بشدة مراقبون عرب.
واعتبر المراقبون، أن الفيتو الأمريكي أصبح “عقبة” أمام وقف إطلاق النار في غزة، و”أداة” لتعطيل إرادة المجتمع الدولي، ورأوا أن هذا الفيتو “سيطيل أمد الحرب” في غزة، و”يؤكد بوضوح شراكة الولايات المتحدة مع إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني”.
وحصل مشروع القرار، الذي قدمه الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن، على تأييد 14 صوتا من أصل 15 عضوا في المجلس.
وهذه هي المرة السادسة التي تستخدم واشنطن الفيتو في مجلس الأمن بشأن الحرب المستمرة منذ قرابة عامين في غزة.
الفيتو الأمريكي عقبة أمام وقف إطلاق النار
وقال الدكتور محمد الجبوري أستاذ الإعلام بالجامعة العراقية، إن استخدام الإدارة الأمريكية للفيتو ضد وقف الحرب في غزة للمرة السادسة يدل على أن “هذه الإدارة لا تعير أي أهمية لأرواح المدنيين، وأن ما ترفعه من شعارات حول حقوق الإنسان والشرعية الدولية ما هي إلا شعارات زائفة تستخدمها واشنطن لخدمة مصالحها وحلفائها”.
وأضاف الجبوري، لوكالة أنباء “شينخوا”، أن استخدام الفيتو رغم موافقة الأعضاء الـ 14 الآخرين على مشروع القرار “مؤشر خطير على منع تطبيق العدالة والشرعية الدولية، وقرار غير منصف ومتحيز لإسرائيل”، قبل أن يردف أنه “قرار عنصري، سيعطي صورة سلبية عن مجلس الأمن بانه لم ولن يتحرك للدفاع عن قتل المدنيين”.
وعن أسباب الفيتو الأمريكي، رأى الجبوري أن “السبب الوحيد هو انصياع واشنطن لرغبات إسرائيل ودعمها وحمايتها، رغم أنها تخالف جميع الأعراف والقوانين الدولية، وتمارس إرهاب الدولة ضد أهالي غزة، وهذا تواطؤ أمريكي واضح مع إسرائيل”.
وأردف “اعتقد جازما أن الولايات المتحدة لن تسمح بصدور أي قرار من قبل مجلس الأمن ضد إسرائيل، فأمريكا لن تسمح بإصدار أي قرار ما لم توافق عليه إسرائيل مسبقا، وهذا يعكس حجم الترابط الكبير بين واشنطن وتل أبيب وكأنهما دولة واحدة، ويكشف المعايير المزدوجة التي تتبعها الإدارة الأمريكية”.
وشاطره الرأي الباحث السوري بسام عمار، بقوله إن استخدام أمريكا للفيتو “مؤشر إلى أن أمريكا ماضية في دعم إسرائيل حتى ترحيل السكان من غزة تمهيدا للاستثمار الذي وعد به ترامب في غزة بعد إنهاء المقاومة الفلسطينية”.
وأوضح عمار لـ”شينخوا”، أن “أمريكا شريك في المشروع الإسرائيلي، لهذا نراها تذهب بعيدا في تأييدها المطلق لكل ما تقوم به إسرائيل في غزة، بل وتضرب كل الوساطات العربية بعرض الحائط”.
أما الخبير الفلسطيني الدكتور إبراهيم ربايعة، فقال إن أمريكا استخدمت الفيتو لأنها “لا تريد وقف الحرب في غزة بقرار أممي، بل ترغب في وقف الحرب بطريقة ثنائية، عبر اتفاق مباشر، وفق شروطها وشروط إسرائيل، ولا تريد وجود غطاء دولي أو قيود دولية على هذا الوقف”.
في حين رأي توفيق الحميدي رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات في اليمن، أن الاستخدام الأمريكي المتكرر للفيتو “يعكس بوضوح الانحياز البنيوي للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل”.
وقال الحميدي إن “الفيتو الأمريكي لم يعد مجرد موقف سياسي بل تحول إلى معضلة كبرى في مجلس الأمن، وأصبح أداة لتعطيل إرادة المجتمع الدولي”، قبل أن يؤكد أن “هذا الانحراف يكرس سياسة الإفلات من العقاب والتمرد على الشرعية الدولية خاصة في ظل وجود قيادات إسرائيلية مطلوبة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب”.
وأشار إلى أن الفيتو المتكرر “ترك أثرا بالغ السلبية على صورة مجلس الأمن كمرجعية دولية، وأسهم في مزيد من تآكل الثقة بالنظام الدولي برمته”.
وأوضح أن “واشنطن ترى في إضعاف حماس شرطا لا غنى عنه لتثبيت أمن إسرائيل، لهذا ترفض أي دعوات لوقف الحرب قبل أن تتحقق الأهداف العسكرية والسياسية التي تتبناها تل أبيب”.
واتفق معه الكاتب اللبناني خضر طالب بقوله إن استخدام واشنطن للفيتو “يؤكد بوضوح شراكة الولايات المتحدة مع إسرائيل في جرائم إبادة الشعب الفلسطيني”.
واعتبر طالب، أن الفيتو الأمريكي هو “بمثابة قرار بتفويض إسرائيل بمواصلة الإبادة الجماعية في غزة، وربما في مرحلة لاحقة في الضفة الغربية، ويكاد يكون أيضا تفويضا للمشروع الإسرائيلي التوسعي”.
وقال إن الفيتو الأمريكي “يحد من قدرة مجلس الأمن على لعب دوره في حفظ السلم والأمن الدوليين، ومن مصداقية الأمم المتحدة، ويفرغ المؤسسات الدولية من الغاية من وجودها، ويؤجج التوترات في المنطقة”، على حد قوله.
ورأى أن هذا الفيتو “سيطيل أمد التداعيات الإنسانية الناجمة عن الحصار والتدمير والتجويع في غزة خصوصا أن استمرار اسرائيل في حربها سيزيد من أعداد الضحايا المدنيين ويعقد عمليات الإغاثة”، مؤكدا أن “القرار الأمريكي أصبح عقبة أمام وقف إطلاق النار”.
استسلام حماس “ليس واردا على الإطلاق“
وقبل التصويت على مشروع القرار في مجلس الأمن، أكدت المبعوثة الأمريكية مورغان أورتاغوس “ضرورة أن تفرج حماس عن الرهائن، وأن تستسلم فورا”، في خطوة استبعدها الخبراء.
وقال الجبوري “لا اعتقد أن حماس سوف تستسلم، ولن تسلم الرهائن إلى إسرائيل بدون اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية”.
وأوضح أنه “وفقا للعقيدة التي تنتهجها حماس، فإن الموت أسهل عليها من الاستسلام، كما أن الحركة تعلم أن إسرائيل سوف تقتل جميع قادتها وعناصرها إن استسلموا، لذلك اعتقد أن حماس سوف تقاتل حتى آخر عنصر فيها، كونها لا تثق بإسرائيل ولا بالولايات المتحدة”.
وفي المقابل، رأى عمار أن “حماس في النهاية ستسلم الرهائن – حتى إن كانوا موتى – وتستسلم، لأن سير المفاوضات والمعارك ليس في صالح حماس، فهي اليوم باتت الحلقة الأضعف بعد انهيار محور المقاومة في المنطقة، وغياب الدعم اللوجستي من دول المحور، وحتى الوسطاء العرب لا يملكون أدوات الضغط على أمريكا وإسرائيل”.
لكن ربايعة قال إن “حماس لا تمانع بتسليم الأسرى إذا حصلت على ضمانات ملزمة بوقف الحرب، وهو ما دفعها لدراسة المقترح الأخير، الذي كان أمريكيا ويوافق على رؤية إنهاء الحرب وانسحاب تدريجي من القطاع”، قبل أن يؤكد أنه “لا يوجد رفض فلسطيني لتسليم الأسرى، والنقطة الأساسية تبقى رهن إجابة أمريكية واضحة مسبقا حول متى وكيف ستنتهي هذه الحرب”.
بينما قال الحميدي إن تصريح المندوبة الأمريكية بشأن استسلام حماس يعكس سياسية واشنطن المنحازة، و”يرسل رسائل سلبية أن الحرب مستمرة، لأنه من غير المرجح استسلام حماس، التي ترى أن المعركة وجودية وتتحصن خلف بنية عقائدية وشرعية في المقاومة”.
أما طالب، فقد رأى أنه “ليس واردا على الإطلاق لدى حماس أن تستجيب لدعوة أمريكية بالاستسلام”، قبل أن يكرر أنه “من المستبعد استسلام حماس كحركة مقاومة خصوصا أنها تمتلك ورقة قوة تتمثل في الأسرى، وتحتفظ بقدرات تخولها الصمود”.
المفاوضات غطاء لإطالة أمد الحرب
وطرح تصريح المبعوثة الأمريكية بضرورة استسلام حماس وتسليم الأسرى تساؤلات عديدة حول جدوى المفاوضات التي تتوسط فيها أمريكا، مع مصر وقطر، لوقف إطلاق النار في غزة.
وأوضح الجبوري، أن الولايات المتحدة تسعى من خلال الوساطة، مع مصر وقطر، لوقف الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، إلى إظهار نفسها بأنها تريد السلام، لكن “الواقع يشير إلى عكس ذلك، فالانحياز الأمريكي لإسرائيل واضح، وأمريكا تريد من خلال التوسط في المفاوضات أن تمارس المزيد من الضغوط على حماس”.
وأكد أن أمريكا تستخدم المفاوضات “كغطاء إلى أن تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها في غزة والقضاء على حماس، رغم الخسائر الكبيرة بين المدنيين”.
بدوره، قال عمار إن “أمريكا وسيط غير نزيه، ودورها في المفاوضات لا يعدو كشف النوايا ونقل ما يدور بأذهان مصر وقطر وحماس إلى إسرائيل، فالمفاوضات ليست إلا نوع من الخداع السياسي”.
في حين قال ربايعة إن “الوساطة أداة من أدوات الحرب نفسها؛ فالولايات المتحدة وإسرائيل تستخدمان البعد الإنساني والتفاوضي لإطالة أمد الحرب”.
وأشار إلى أن كل مقترحات إنهاء الحرب التي قدمتها أمريكا، وافقت عليها حماس، ومع ذلك حاولت واشنطن تحميل حماس مسؤولية إفشال المفاوضات، رغم أن الوسطاء، مصر وقطر، أوضحوا أن إسرائيل هي التي لا تريد وقف إطلاق النار.
وختم “في اعتقادي، التدخل الأمريكي في التفاوض يخدم مصالح إسرائيل في إطالة أمد الحرب، ولن يتم إنهاؤها إلا من خلال الشكل التفاوضي الذي تريده إسرائيل والولايات المتحدة بعد أن استنفاد كل الوسائل”.
أما الحميدي، فقد أكد أن “الوساطة الأمريكية ليست تعبيرا عن رغبة صادقة في وقف الحرب، هي في الواقع تعطي إسرائيل مزيدا من الوقت والغطاء السياسي”.
وتابع “اعتقد أن قرار الحرب حتى النهاية اتخذ، وبالتالي لم تعد المفاوضات سوى غطاء وأداة لإدارة الوقت وامتصاص الضغوط الدولية والإنسانية، لمساعدة إسرائيل في تحقيق أهدافها”.
المصدر وكالة شينخوا