آسياأخبار العالمالشرق الأوسطبحوث ودراسات

“ديل” الجولاني والإيغور… من تنظيم ارهابي الى نظام دولة

هل تكون قوات الإيغور في سوريا في مقدمة حرب أميركا مع الصين بداية من سوريا وصولا الى الأراضي الصينية؟

“ديل” كبير عقده الجولاني مع الأتراك وترامب لتكوين دولة الأيغور أو “تركستان الشرقية”، وبالتالي المقاتلين أو كما يجب أن نسميهم “الإرهابيين الإيغور السوريين أصبحوا جزءا أساسيا من نظام الجولاني حاكم سوريا الجديد ذوا الخلفية الارهابية الذي تربى وترعرع بين القاعدة وداعش.

“ديل شيطاني” فرض أمرا واقعا على الدول والطبقة السياسية العالمية وخاصة العربية والشرق أوسطية، وهو أن يعاد تعريف الإرهاب من مجموعات “متشردة” إرهابية تسكن الجبال والمغارات تتاجر في الممنوعات والمخدرات والتهريب… الى واقع جديد لهؤولاء الإرهابيين المتطرفين، واقع سيعيد تعريف مفهوم الإرهاب ومفهوم الدولة معا، واقوى ما في الموضوع أن العالم كله بدأ بفرش السجاد الأحمر لإرهابي بذمّته آلاف القتلى الأبرياء.

بعد انتقال تنظيم القاعدة وتنظيم داعش إلى مرحلة تاريخية من تطوره كما أضرنا سابقا من العمل كمجموعات وتنظيمات ارهابية اجرامية تسكن الجبال أو تسيطر على بعض المدن إلى العمل ضمن “عقلية دولة” مقرها أقدم عاصمة في تاريخ البشرية دمشق.

تمّ تبييض الإرهاب بقدرة قادر وفي فترة قصيرة جدا قالوا “كذبا” قد تمّ تفكيك التنظيمات وحلها، وتسليم السلاح، وأخذ الإرهابي صكّ التوبة من أسياده وصانعيه، وبالتالي يصبح “التائب” من ارهابي ل”حملا وديعا” لا أكثر ليصبح “رئيس دولة” والشعب فرحا مسرورا يهلل ويكبر في الشوارع… وذلك طبعا من باب النقلة النوعية في عمل التنظيم كإعادة مأسسة تشكيلاته وقواه لتواكب التطور المفاجئ التي طرأ عليه فطوبى لكاتب “السيناريو” العظيم.

هذا السيناريو لم يكن لأعتى عتاة الروائيين أو السينمائيين السابقين أن يرسموا مساراته ويكتبوا حواراته ومقاطعه وتطوراته مهما بلغ بهم الخيال الواسع من تطرف، فهو سيناريو يشكل اليوم ذروة ما وصلت إليه حال “مشروع الفوضى الخلاقة” بكل تجلياتها ولو كانت “قنداليزا رائيس اليوم حية لما إندهشت من حجم التطور الكبير لمشروعها ولما صدقت حجم “الغباء” الذي وصل إليه العالم اليوم.

التلاعب العالمي وصل أقصاه، والذي يمسك خيوط اللعبة العالمية يتحرك بكل “وقاحة” ولا يهمه ماذا سيقال عنه، فمثلا يقول “مارات أيمنكولوف” رئيس مجلس الأمن القومي في قرغيزستان كشف أن 20 ألف مقاتل أجنبي قد تمّ شحنهم إلى سوريا مع عائلاتهم عبر تركيا بينهم مقاتلون من حركة تركستان الشرقية “الأيغور”، وانخرطوا في صفوف قوات الأمن العام السوري، وهؤلاء حسب “أيمنكولوف” قد يعاد تصديرهم إلى آسيا في ظل الأوضاع المتصاعدة في الشرق الأوسط التي يجري فيها إعادة توزيع موازين القوى.

قال مندوب الصين “فو كونغ” خلال الإحاطة التي قدمها مجلس الأمن قبل أسابيع حول تطورات الأوضاع في سوريا: إن الصين قلقة من التطورات التي حصلت في سوريا بسبب العلاقة التي تربط الجولاني مع الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية الإيغورية، تصاعد القلق بعد أن تضمنت قوائم ترفيعات الضباط التي نشرتها إدارة الجولاني ثلاثة من قادة الأيغورية التي قاتلت تحت لوائه وهم قائدهم العام عبد العزيز داوود خدابردي ويعرف باسم “زاهد” إلى رتبة عميد، وقياديان كبار يعملان تحت إمرته وهما مولان ترسون عبد الصمد، وعبد السلام ياسين أحمد رتبة عقيد.

وقد احتجت جمهورية الصين الشعبية حين أصدر الحزب الإسلامي التركستاني بيان يبارك هذه الخطوة بإدماج الارهابيين في الجيش السوري، وطالبت الصين بوضع حد لهذه الظاهرة مذكرة بأن الحزب منظمة إرهابية مدرجة على قائمة مجلس الأمن، ولكن التركي والأمريكي قد فرحوا كثيرا بهذا الإنجاز فمخططهم يسير على أحسن ما يرام والجولاني يطبق الأوامر بحذافرها.

 حسب عدة تقارير استخباراتية فإن “عبد الحق التركستاني” الذي لا يزال مقيما في أفغانستان، يشرف مباشرة على مقاتليه في سوريا الذين بلغ عددهم أكثر من 30 ألف مقاتل في سوريا.

كما تشير التقارير السرية الاستخباراتية عن تولي “عبد الحق التركستاني” زعامة الحركة بعد مقتل مؤسسها “حسن معصوم” بأفغانستان عام 2002 بغارة أميركية، بعد نقل نشاطه إليها في أواخر تسعينات مستقدما معه آلاف المقاتلين.

الدمار والخراب الذي وقع في سوريا شكّل نقلة نوعية لعمل الحزب حيث بدأ بنقل نشاطه من أفغانستان إلى سوريا منذ العام 2012 وانخرط رويدا رويدا في العمل تحت راية “أبو محمد الجولاني” زعيم تنظيم القاعدة في سوريا، وأسسوا في العام 2013 “الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام”.

أما ذروة تدفقهم لسوريا فكانت عام 2015 عن طريق جاليتهم الكبيرة في تركيا التي تشرف عليها المخابرات التركية مباشرة، فكان نقلهم ميسرا لسوريا، وكذلك إقامتهم حيث استطاع مقاتلو الأيغور المعرفون بالقوة والشراسة، تأسيس حياة عائلية مستقرة، ويعرف عنهم علاقتهم الوثيقة مع المقاتلين التركمان، والذين أعتمدت عليهم كثيرا تركيا والأمريكيين لأنه من غير المعقول أن يتحركوا وينتقلون الى سوريا بهذه السلاسة من دون تعاون دولي.

 وقد اعتمد الجولاني عليهم كرأس حربة في معاركه التي بث بها الرعب بقلوب أعدائه لصيتهم في العنف الذي يسبقهم.

من أبرز أهداف “الحزب التركستاني”، إقامة الخلافة الإسلامية في أجزاء من الصين ووسط آسيا بمناطق الأيغور وهم أقلية عرقية في إقليم شينجيانج غرب الصين عددها نحو عشرة ملايين نسمة يطالبون بالانفصال والاستقلال عن الصين، وهو إقليم غني بالنفط والغاز وخامات اليورانيوم، لهذا يحضى بدعم منقطع النظير من الأتراك والأمريكيين لتكوين دولة منفصلة عن الصين والكل يعلم جيدا “قوة” الامريكان في دعم الإنفصاليين.

يمتلك الحزب أيضا شبكة معقدة من رجال الأعمال تدير مصالحه الاقتصادية لتوليد الأموال والتجنيد في عدة دول بما فيها تركيا وبعض دول الخليج.

طبعا الصين تعتبر الحزب خطر على أمنها القومي وخطر على مصالحها بالخارج وخاصة بالشرق الأوسط، وخطر على سوريا أيضا ونقطة ضعف عالية المخاطر تضاف إلى جبال من الموانع التي تحول دون رفع العقوبات عنها لتأمين قوت سكانها، ولكن قد يتمكن الجولاني ومن معه من تحويل نقطة الضعف هذه إلى نقطة قوة تقلب الطاولة على الجميع إن استطاع إدارة هذا الملف لصالح الولايات المتحدة الذي يمكن أن تستغله أيما استغلال في حربها لإضعاف الصين.

وبحسب تقارير سرية فقد طرح ترامب في لقائه مع الجولاني في المملكة العربية السعودية موضوع الإيغور وطلب منه حمايتهم وإعطائهم صلوحيات أكبر في الدولة وفي الجيش السوري وطبعا ما على الجولاني إلاّ الطاعة حتى يثبت أقدامه في سوريا وعلى راس الدولة السورية.

هذا التطور الدراماتيكي لا يمكن أن يغيب عن الحسابات الصينية، فهم رأوا كيف تحول تنظيم داعش السوري إلى نظام سياسي، ولن تسكت الصين على مثل هذه الأعمال التخريبية التي تقوم بها أمريكا ضمن مخططها لضرب وحدة التراب الصيني، ولن تسمح بتكرار هذا السيناريوا الإرهابي على أبوابها.

السيناريوا الأخطر هو أن يشكل مقاتلي الأيغور نواة صلبة لتنظيم “القاعدة الصيني” ويطلقون نداء “الجهاد” بدعم وتسليح من الولايات المتحدة، التي لن تفوت هذه الفرصة ليكون لها اليد الطولة في إعادة إنتاج وتحويل “مسارات الجهاد العالمي” إلى أطر “الدولة الوطنية” أو “القومية الإيغورية” لتحقيق مصالحها من خلال إشغال الصين في حروب داخلية وهي تدعم في المقابل وتسلح مسؤولين انفصاليين في تايوان.

قد تبدو قصة إدماج “الإرهابيين الإيغور” نقطة ضعف في تنظيم الجولاني ولكن في نفس الوقت نقطة قوة فهي ورقة رابحة بالنسبة اليه في تفاوضه مع ترامب فهي ورقة مساومة وبالتالي يلبي مطالب الفيل الأمريكي لضرب وحدة الصين وفي نفس الوقت يكسب رضا الدول الغربية والأتراك الذين يقودون حملة إعطاء الإيغور الشرعية التاريخية والجغرافية.

عملية “مأسسة الإرهاب” ليتحول الى نظام دولة في “أسخن” بقعة على الارض يجعل العالم يدخل في منعطف حاد وخطير غير واضح المآلات، فالسيناريو السابق يوازيه سيناريو مرعب ودرامي فهو يوحي بتفجر صراع دامي أمام اتساع رقعة “الجهاد العالمي” الذي أصبح اليوم يلعب على الساحة العالمية على مستوى نظام، فلم يعد تنظيما إرهابي ملاحق من العالم وتضع عليه “جوائز مالية” لمن يخبر عنه، بل أصبح له دولة وقد تحقق حلمهم “الجهاد العالمي”، حلم لا تتسع له دولة.

وبالتالي أصبح لحلمهم المشروعية من أكبر الدول فالمقاتلون الأجانب يتحركون اليوم عراة الوجه فقد نزعوا اللثام عن وجوههم واسقطوا ورقة التوت عن عوراتهم وأصبحوا يسيرون بخطوات باتت أكثر ثباتا، فقفزة دمشق فرصة ذهبية في سبيل تحقيق ما يعتقدون أنه حلمهم الموعود الذي بات معها قاب قوسين أو أدنى من التحقق.

 فهل يصبح “عبد الحق التركستاني” مثل الجولاني الشام ويتحوّل  إلى “جولاني تركستان الشرقية”؟

هل مصالح التنظيم وتطور الفكر الجهادي يتعدى ما يظهر على السطح بالنسبة لجولاني الشام وجولاني الإيغور؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق