دراسة: “إسرائيل” والحركة الخمسينية في إفريقيا …

اعداد الدكتور محمود سالم: قسم البحوث والدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية 05-12-2025
الدين كأداة نفوذ: الاستراتيجية الإسرائيلية في إفريقيا عبر بوابة الخمسينية

تشهد المجتمعات المسيحية في إفريقيا، منذ ثمانينيات القرن العشرين، تنامياً ملحوظاً لظاهرة “الحركة الخمسينية”، حتى باتت واحدة من الظواهر اللافتة في الواقعَيْن الاجتماعي والسياسي الإفريقي.
وقد سعت “الدولة الصهيونية” إلى الاستفادة من التداخل الفكري والتفاعل التاريخي بين الحركة الخمسينية والحركة الصهيونية، وتحويل هذا التقارب إلى تعاون عملي مع الكنائس والمؤسسات الخمسينية الإفريقية، بما يخدم المصالح الإسرائيلية في القارة الإفريقية، ويخدم الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل عام.
وقد أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات دراسة علميّة محكّمة تحت عنوان: “إسرائيل والحركة الخمسينية في إفريقيا”، وهي من إعداد الباحث الأستاذ محمود عبده سالم. وتسعى هذه الدراسة إلى استكشاف علاقة “الدولة الصهيونية” بالحركة الخمسينية في إفريقيا، وأوجه الاستفادة الإسرائيلية منها.
كما عرّفت الدراسة بالحركة الخمسينية المسيحية التي تشهد نمواً عالمياً متسارعاً في الوسط المسيحي، حيث بلغ عدد أتباعها نحو 600 مليون شخص، وتجتذب 35 ألفاً من الأتباع الجدد يومياً؛ وتستعرضها من حيث نشأتها، وتاريخها العام، وتجلّياتها، والمراحل التي مرّت بها، إلى جانب سياق ظهورها في القارة الإفريقية، ومدى انتشارها المتزايد وسط أتباع الكنائس التقليدية، وتدرس تأثيرها السياسي والاجتماعي في دول القارة.
كما تُبرِز الدراسة الموقفَيْن النظري والعملي اللذين تبنّتهما الحركة الخمسينية تجاه الحركة الصهيونية، وانعكاسات هذا الموقف على العلاقات بين الحركات الخمسينية الإفريقية والدولة الصهيونية إسرائيل.
وتوقّعت الدراسة أن يؤدي توسّع الخمسينية/ الكاريزماتية في إفريقيا، واتّساع وجودها ونفوذها الاجتماعي والسياسي، إلى زيادة المكاسب الإسرائيلية على الساحة الإفريقية.
الإطار المفاهيمي: الكيان الصهيوني يستغل الدين للتوسع في افريقيا

في القارة التي تتداخل فيها الديانات مع السياسة، وتتشابك فيها الهويات مع صراعات النفوذ، برزت حركات دينية جديدة تعيد تشكيل المجال العام الإفريقي، وتفتح أبوابًا لتحالفات غير تقليدية تتجاوز حدود الروحاني لتصل إلى حسابات الدول واستراتيجياتها. ومن بين هذه الظواهر، صعدت الحركة الخمسينية بوصفها قوة اجتماعية وسياسية مؤثرة، استطاعت أن تتحول من تيار ديني ناشئ إلى لاعب يحسب له حساب في معادلات السلطة، وأن تثير اهتمام دول وكيانات كـ”إسرائيل” التي رأت فيها فرصة لتوسيع نفوذها في إفريقيا، حيث تتقاطع العقيدة مع المصالح، والتبشير مع السياسة، والإيمان مع الجغرافيا.
تبدأ الدراسة من إصدار مركز زيتونة للدراسات، بتحديد الإطار المنهجي المعتمد في تحليل الظاهرة الخمسينية، مركّزة على نظرية التنافس الديني–العلماني لفهم صعودها بين المجتمعات المسيحية، وعلى مفهوم الدولة الوظيفية لدى المسيري لشرح كيفية استثمار إسرائيل لهذه الحركات لتعزيز نفوذها في إفريقيا.
ثم تنتقل إلى الإطار المفاهيمي فتعرض جذور الحركة الخمسينية من خلال تفكيك معنى “الخمسين”، وتربط نشأة التيار بحركات الإحياء الديني في الغرب وبمحاولات التصدي لتقدم العلمانية. كما تستعرض المراحل التاريخية الثلاث التي مرت بها:
– الخمسينية الكلاسيكية التي انطلقت من كانساس ثم من إحياء شارع أزوسا.
– الكاريزماتية التي انتشرت لاحقًا داخل الكنائس التقليدية دون أن تنفصل عنها.
– الموجة الثالثة التي تميّزت بكنائس مستقلة ذات طابع تبشيري وإعلامي قوي.
وتناقش الدراسة اتساع المظلة التي يحملها مصطلح “الخمسينية”، إلى حد شموله عشرات الحركات والكنائس المختلفة، مع تأكيد أن الرابط الجوهري بينها هو الإيمان بعمل الروح القدس والمواهب الروحانية.
بعد ذلك تستعرض الدراسات السابقة وتشير إلى ندرة الأدبيات العربية التي تشرح العلاقة بين إسرائيل وهذه الحركة، وإلى بعض الأعمال الأجنبية التي تتناول دعم الكنائس الخمسينية للصهيونية، واهتمام إسرائيل بتوظيف هذا الدعم دبلوماسيًا.
البعد التاريخي لإنتشار الخمسينية في افريقيا
وتقدّم الدراسة بعدها تحليلًا لانتشار الخمسينية في إفريقيا، موضحة أنها بدأت مبكرًا منذ 1907 عبر مبشرين من حركة أزوسا، ثم توسعت لاحقًا لتصبح من أسرع الظواهر الدينية نموًا، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء. وتعرض ثلاثة أنماط رئيسية للحركات الخمسينية الإفريقية:
– الكنائس الإفريقية المستقلة ذات الطابع الروحاني المحلي
– الكنائس الخمسينية الكلاسيكية التي أنشأها المبشرون الغربيون
– الكنائس الكاريزماتية الجديدة الموجَّهة نحو المدن والطبقات الصاعدة.
وتبرز الدراسة عوامل انتشار الخمسينية في إفريقيا، ومنها:
– انسجامها مع الموروث الروحي الإفريقي
– قدرتها على تقديم خطاب خلاص فردي واجتماعي
– توظيفها المكثّف للإعلام الحديث
– انخراطها في قضايا السياسة والتنمية
– واستفادتها من تراجع الكنائس التقليدية.
وتصل الدراسة إلى القسم الأهم: العلاقة بين الحركة الخمسينية والصهيونية، حيث توضح أن الجذور اللاهوتية المشتركة في النصوص الدينية سهّلت هذا التقارب، وأن الخطاب الخمسيني يتضمن في كثير من الأحيان دعمًا لقيام إسرائيل استنادًا إلى قراءة توراتية–إنجيلية للأحداث التاريخية.
وتحلل الدراسة كيف تستغل إسرائيل هذا التقارب فكريًا وعقائديًا لتوسيع نفوذها في إفريقيا عبر:
– بناء علاقات مباشرة مع الكنائس الخمسينية،
– دعم رموز دينية محلية موالية لها،
– توظيف المؤسسات الدينية كجسور ضغط سياسي،
– واستخدام الخطاب الديني لتعزيز حضورها الدبلوماسي والأمني والاقتصادي في القارة.
كما تكشف الدراسة عن وجود خمسينية إفريقية داخل إسرائيل نفسها، تستهدف دمج اليهود من أصل إفريقي وإعادة إنتاج خطاب ديني موالٍ للدولة، في مقابل نشاط إسرائيلي داخل إفريقيا يركز على الكنائس الكاريزماتية ذات النفوذ الشعبي الواسع.
وتختتم الدراسة بالتأكيد على أن التحالف بين “إسرائيل” والخمسينية الإفريقية ليس مجرد تلاقي عقائدي، بل هو تقاطع وظيفي تستفيد منه تل أبيب لتعزيز مكانتها في إفريقيا، فيما تستفيد الكنائس من الدعم السياسي والرمزي والمادي الذي تقدمه “إسرائيل”.



