أخبار العالمبحوث ودراسات

داعش تُفرّخ أجيال الإرهاب : أشبال الخلافة

تقرير قسم البحوث و الدراسات الدولية بالمركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية و العسكرية

اعداد : صابرين العجرودي

مراجعة: الدكتوة بدرة قعلول

تعتمد التنظيمات و الجماعات الإرهابية على إستراتجية تحاول من خلالها التغوّل داخل المجتمعات و الترويج لإيديولوجيتها و خاصة بناء أجيال للمستقبل تتبنى فكرها و إيديولوجيتها المتطرفة و العنيفة.

وتتركّز أهم مبادئها على بناء مجتمعات من خلال فكرة “الأمومة” يعني استقطاب النساء و الأطفال التي تسميهم أشبال الخلافة، لذلك كثيرا ما نجد مدارس تسيطر عليها هذه الجماعات لنشر أفكارها الإرهابية، حيث تكون الفئة المستهدفة تحديدا لتطبيق هذه الإستراتيجية “الأطفال القصر” الذين يعلمونهم القتل و القتال و يزرعون فيهم الأفكار المتطرفة و الإرهابية، و هو ما يفسّر تنامي ظاهرة تجنيد الأطفال لغسل عقولهم و خلق أجيال تتبنى الفكر الإرهابي و تساهم في استمرار إيديولوجية هذه الجماعات، فداعش اليوم تتبنى فكرة أن المرأة والأطفال هم الحل لتكاثر فكرهم على عكس الايدولوجيا القاعدة التي تعتبرهم عبأ غليهم.

وتركّز هذه الجماعات على المناطق الفقيرة التي تفتقر إلى أبسط مقومات العيش نتيجة لضعف الحكومة المركزية و هيمنة الأطراف الخارجية، حيث تفرض هذه الظروف على عائلات هؤلاء الأطفال أن “يبيعوا” أبنائهم الى هذه الجماعات مقابل الحصول على المال و في وضعيات أخرى يأخذ الأطفال قصرا على أبائهم و عائلاتهم.  

        من هم أشبال الخلافة ؟

يُعبّر هذا المفهوم عن مشروع داعش الذي انطلق منذ إعلانه الخلافة في عام 2014  و الذي يتمثّل في تكوين جيل من الأطفال يتبنى أفكارهم، فهم يعملون على استمرارية فكرهم حتى بعد هزيمة التنظيم و زواله. و إذا فسّرنا سبب لجوء التنظيمات الإرهابية أو غيرها من الجماعات المسلّحة إلى استغلال فئة الأطفال تحديدا سنجد كثيرا من المزايا التي تسهّل أنشطة هذه الجماعات و تساهم في إنجاح خططهم إذا ما اعتمدت على الأطفال.

دوافع تجنيد الأطفال

أهداف عملية:

يُعدُّ الأطفال من أكثر الفئات هشاشة داخل المجتمع، لذلك تستغل التنظيمات الإرهابية هشاشتهم وضعفهم حتى تُشرك هذه الفئة في العمليات الإرهابية مثلها مثل المافيا العالمية التي تستغل الأطفال و تتاجر بهم، حيث تجد عناصر الأمن و الجيش النظامي صعوبة في التعامل معهم فيصعب قتالهم وتعنيفهم، وهو ما يساهم بقدر كبير في تفاقم عنف الجماعات الإرهابية وجعل هؤلاء الأطفال يقومون بالأعمال الأكثر خطورة كالتفجيرات الانتحارية و زرع الألغام في المناطق المُراقبة، نظرا لعامل أنهم أقل شبهة ولا يمكن الاشتباه بهم و لا الهجوم عليهم.

الأهداف الإيديولوجية :

يتمثّل هدف التنظيمات الإرهابية بصفة عامّة هو خلق حواضن شعبية إليها و فرض إيديولوجيتها وزرع أفكارها و إعادة إنتاج أفكارهم داخل المجتمع ليتركوا إرثا إرهابيا و عنفا إيديولوجيا عبر الأطفال، و تُدرك هذه الجماعات جيّدا انها إذا ما انهارت أو وقع هزيمتها ستجد جيلا في المستقبل يتبنى أفكارها و سيقوم حتما بإعادة بناء تنظيم يحمل نفس عقائدها و إيديولوجيتها الإرهابية المتطرفة.

أسباب استقطاب الأطفال

تعود أسباب تجنيد الأطفال و استقطب عائلاتهم إلى الطبيعة الهشة للفئة المستهدفة في حد ذاتها، بحيث يسهل تلقينها واستبطانها للأفكار التي تتلقاها، كما يصعب إعادة تأهيلها وإدماجها فيما بعد، لذلك فإن الأطفال يمثّلون فريسة سهلة الاستغلال من طرف الجماعات الإرهابية و حليفا شرسا ” مدمغجا” يمكن اكتسابه بسهولة، و ذلك على خلاف البالغين الذين يمكن أن تنجرّ عنهم عديد المتاعب منها استخدامهم كجواسيس داخل هذه التنظيمات بالإضافة إلى أنّه يصعب السيطرة عليهم و كسب ولائهم الكامل و لذلك لا تمنحهم التنظيمات الإرهابية الثقة الكاملة، كما هو الحال بالنسبة للأطفال.

كما تجد الجماعات الإرهابية صعوبة في ضمّ حلفاء إلى صفها، فرغم العدد الهام الذي يتمّ استقطابه إلى هذه الجماعات فإنها لا تستطيع ضمان ذلك دائما خاصّة في ظلّ الحرب العالمية الموجّه ضدّها، لذلك فإنها تجد في الأطفال فرصة كبيرة في كسب طاعتهم و الولاء لقضيتها و خاصة لاستمرار إيديولوجيتها، وتستغل التعاطف الإنساني مع الأطفال و تستغل رؤية العالم للأطفال باعتبارهم ضحايا و ليسو أعداء .

طرق تجنيد الأطفال في العراق و سوريا

تعتمد التنظيمات والجماعات الإرهابية طرقا مختلفة في استقطاب الأطفال و تجنيدهم  منها الطرق المبنية على الإكراه والغصب، والطرق التي تستقطب هؤلاء الأطفال وعائلاتهم لينضمّوا عن قناعة تامة وبطواعية من تلقاء أنفسهم، وهي الطرق الذكية، حيث يتمّ استهداف مشاريع الدولة والمؤسسات التي تقدّم خدمات للشعب، وتسعى التنظيمات الإرهابية في صورتها الجديدة إلى الابتعاد قدر الإمكان عن الطرق العنيفة في استقطاب الحلفاء لأنّها الأكثر نجاحا بالنسبة لهم وفعالية و خاصة استمرارية، لذلك كثيرا ما نسمع عن مدارس وجوامع ومناطق في الظاهر تكون عادية لكنّها في الحقيقة تتبنى الفكر المتطرف والإرهابي.

الطرق السلمية

الدعاية و استغلال الأوضاع العامّة:

كانت أهمّ فرصة بالنسبة للتنظيمات الإرهابية في استقطاب عناصرها هي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردّية، و هو ما يمكن تبيّنه في كل من سوريا و العراق خصوصا و في الدول الإفريقية كذلك التي تتبنى نفس إستراتجية داعش في استقطاب الأطفال، بحيث تمكّنت الحرب من هاتين الدولتين قدر الإمكان، و لم يتوفّر للسكّان أبسط مقوّمات العيش كالأمن و الغذاء و لهذا أصبح الأطفال و عائلاتهم فريسة سهلة للاستقطاب.
 في هذا الإطار كانت مساعي داعش للتوغل و الاستقطاب على قدم و ساق و كانت تعتمد بصفة رئيسية على الدعاية لفكرها و رسم الصورة الإيجابية لإيديولوجيتها عن طريق ما يُطلق عليه “الدعوة” و هي جلسة يتمّ من خلالها توزيع الأكل و إعلام السّكان بمبادئهم.

يقوم داعش باستدراج الأطفال و الشباب في صفوفها عن طريق عائلاتهم لذلك كانت في البداية تقوم بالدعاية لنفسها وسط حشد من السّكان و كنت تشرك أبنائهم في مسابقات حفظ القرآن  وأنشطة ثقافية أخرى وتقوم بتقديم الهدايا و تشريك الأطفال في أنشطة رمزية تشعرهم بالانتماء إلى التنظيم الإرهابي، كما استغلت وضعية إغلاق المدارس لتقوم بفتح مدارس بديلة تقوم من خلالها بتعليم الأطفال عقيدتها و أفكارها و يعتبر هذا جزء هامّا في عمليّة تجنيد الأطفال. فضلا عن ذلك كان داعش يقوم بتقديم وعود إلى السّكان كالعمل و المناصب خاصّة في ظلّ تنامي مستوى البطالة في العراق و هو ما دفع السكّان و أبنائهم إلى الانضمام طوعا للتمتّع بظروف اقتصادية واجتماعية أحسن.

الطرق العنيفة

عندما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية العراق، وازداد تماسكه في سوريا بدأ استهداف عدد من الأقليات، و بشكل أساسي المسيحيين والأيزيديين، وشمل استرقاق النساء، وإعدام الذكور البالغين، و خطف القاصرين الذكور، ونقلهم إلى معسكرات التّدريب في العراق و سوريا ليتمّ تلقينهم إيديولوجيّة التنظيم المتطرّف ” [1]كما استغل داعش  الأيتام في كل من سوريا والعراق ليقوم باختطافهم من دور الأيام وتجنيدهم واستخدامهم في العمليات الانتحارية” ليصبحوا ألغاما بشرية و قنابل. كما اعتمد تنظيم داعش الإرهابي على أطفال داعميه لتجنيدهم حيث “دعا أنصاره للهجرة إلى أراضيه للعيش تحت لوائه. ومنذ ذلك الوقت، هاجر عدد كبير من أتباعه إلى سوريا والعراق، و أخذ عدد كبير منهم أسرهم و أطفالهم معهم.” 

         تجنيد الأطفال  في إفريقيا

“لقد عرفت ظاهرة تجنيد الأطفال في إفريقيا أيضا تزايدا ملحوظا نتيجة لتزايد الصراعات والنّزاعات المسلّحة التي كانت القارة الإفريقية ساحة ومسرحا لوقائعها المأساوية، تلك الصورة تعكس حقيقة أن مبادئ و حقوق الطفل الإفريقي كإنسان تُنتهكُ على نطاق واسع”.[1]

خاصّة و أنّ إفريقيا تُعرف بظروفها الاقتصادية والاجتماعية المتردية والتوزيع الغير العادل للثروات والتدخلات الأجنبية المختلفة. وكما تمّ الإشارة سابقا، تستغل التنظيمات والجماعات الإرهابية الأوضاع العامّة المتدهورة لتقوم باستقطاب عائلات هؤلاء الأطفال بمختلف الإغراءات، فليس لها أي ذريعة أخرى لجلب الحلفاء.

فعلى الرغم من الجهود الدولية والإقليمية المبذولة للحد من هذه الظاهرة فإنّ عدّة مناطق يقع تجنيد الأطفال داخل هذه التنظيمات الإرهابية و يشاركون في حمل السلاح و القتال و يكونون ضحية و يقتل منهم عددا كبيرا.

تجنيد الأطفال في الصومال :

“أدت الأوضاع غير المستقرة في الصومال بسبب الصراع بين الحكومة والفصائل الإسلامية إلى استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة، حيث تشير التقارير التابعة للمؤسسات الدولية إلى تجنيد المئات من الأطفال في هذه الصراعات، وحسب ممثلة اليونيسيف في الصومال “روزان شورلتو” أن وضع الأطفال في خط النار وقتلهم في سياق النزاع  المسلح من بين أخطر انتهاكات القانون الدولي الإنساني الذي يتوقع من جميع أطراف النزاع الالتزام به، ويعد استخدام وتجنيد الأطفال تحت سن الخامسة عشر بمثابة جريمة حرب” [1] .

ويُذكرُ أنّ تجنيد الأطفال في الصومال لم يقتصر على الحركات والجماعات الإرهابية بل قامت كذلك الحكومات المركزية باستغلال الأطفال في عمليات القتال المسلح و كذلك استعملت الأطفال كمقاتلين ضمن الجيش النظامي الحكومي.

تجنيد الأطفال في الكونغو الديمقراطية

شملت ظاهرة تجنيد الأطفال أيضا الكونغو الديمقراطية، وذلك لتوتّر الأوضاع داخلها حيث تُعتبر مقاطعات “كاتانغا” و”إيتوري” وشمال “كيف” أكثر المناطق التي عرفت ظاهرة تجنيد الأطفال ضمن النزاعات المسلحة، حيث قامت جماعات “الماي الماي” و عناصر رواندية على صلة وثيقة بالجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا ولكنها غير خاضعة لها، و أفراد من قوّات الأمن الكونغولوية بما فيها قوّات الشرطة وعناصر من القوّات المسلّحة الكونغولية  والحركات المنشقّة بتجنيد الأطفال في هذه المناطق”. [1]

إحصائيات :

قدّر البيان السنوي لمنظمة اليونيسيف لعام 2020 أنّ أكثر من 7740 طفل تقل أعمارهم عن الستة سنوات يتم تجنيدهم من قبل المجموعات المسلحة، وتقف كل من سوريا واليمن والصومال وجمهورية كونغو الديمقراطية على رأس قائمة الدول الأكثر تجنيدا للأطفال.

ووفقا لتقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 20 نوفمبر 2020، قُتل ما يٌقارب 29375 طفل سوري منذ سنة 2011، كما صُنفت سوريا كونها أكثر الدول التي تشكل خطورة على الأطفال في عام 2019 نتيجة الحروب، وتشير الإحصائيات إلى أن

20 % من الأطفال يعيشون في مناطق الحروب والصراعات، بحيث تنعدم البيئة التي تضمن عيشهم في ظروف آمنة.

كما تشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لاختفاء أكثر من 4000 طفل، ووجود مئات الآلاف منهم دون مآوى.

من جهة اخرى، وثّق تقرير حقوقي دولي الانتهاكات الواقعة بحق الأطفال باليمن، مشيرا إلى ما يقارب 10300 طفل قامت ميليشيا الحوثي بتجنديهم منذ عام 2014.

كما كشف عن هوية 111 طفل لقو حتفهم في صراعات في شهري يوليو و أغسطس في 2020 فقط.

ووفقا لنفس التقرير، أطلقت جماعة الحوثي  في الثلاث سنوات الفارطة حملة مفتوحة لفرض تجنيد الأطفال في الخدمة العسكرية، وقد خصصت لذلك 52 معسكر تدريب عدد كبير من الأطفال، وقد شملت الحملة عددا من المناطق منها صعدة وصنعاء والمحويت والحديدة، وكانوا الأطفال دون العشر سنوات الذين لازالوا يزاولون دراستهم الأكثر استهدافا في هذه الحملة.

المراجع


[1]MumbalaAbelungu junior, le droit international humanitaire et la protection des enfants en situation de conflits armés en République démocratique du Congo, revue internationale interdisciplinaire, N64 /2012, p221.


[1] عايدة العزب موسى ، محنة الصومال من التفتيت إلى القرصنة ، مكتبة الشروق الدولية ، الطبعة الأولى القاهرة ، 2009 ، ص 123 .


[1] د . معزيز عبد السلام ، تجنيد الأطفال في إفريقيا بين واقع الظاهرة و حتمية الحماية ، المجلة الأكاديمية للبحث القانوني ، المجلد 14 / العدد 02 – 2016 ، ص 143 .


[1]Caroline Mortimer ,” ISIS Forces YazidiChildren to beheaddolls as part of their”re- education training ” . The Independent , 20 july 2015 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة


زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق